من رَحم المكروه [ خطبة قصيرة ومهذبة ]

السبيعي السبيعي
1436/01/20 - 2014/11/13 15:05PM
[font="]أما بعد أيها الناس/ إن في تقدير الله سبحانه وتعالى للضراء والمكاره حكماً لا تخفى/ وألطافاً وتخفيفات لا تحد ولا تُستقصى/ والمؤمن حين تصيبه المكاره يغنم على ربه/ فيكون من الرابحين/ ويرجو الأجر والثواب/ فيحظى بثواب المحتسبين[/font][font="]/[/font][font="] والله تعالى يبتلي عباده/ فإذا ابتلى لطف وأعان/ وإذا تصعبت الأمور من جانب/ تسهلّت من نواح أخرى فيها الرأفة والامتنان/ ومن أولئك الذين أصابتهم الضراء والمكاره/ الصحابية الجليلة أم سلمة/ فحينما أسلمت هي وزوجها/ وأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة/ عزمت هي وأبوسلمة زوجها للهجرة معهم/ فراراً بدينهما/ لكن ذلك لم يكن سهل ميسراً كما خُيّل لهما/ وإنما كانت مأساة/ تهون دونها كل مأساة/ تقول أم سلمة/ لما أجمع أبو سلمة للخروج إلى المدينة/ رأه رجال من أهلي/ فأخذوني منه/ فغضب لذلك أهل زوجي وقالوا/ والله لا نترك ابننا عندها/ فتجاذبا طفلي الرضيع سَلَمة/ حتى خلعوا يده/ وانطلقوا به/ وحبسني أهلي عندهم/ ففُرّق بيننا/ فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح/ فما أزال أبكي حتى أمسي/ ثمَّ تعود مكسورة الخاطر إلى بيْت أهلها في مكَّة/ عاشت عامًا كاملاً في مِحْنَتها/ كلَّ يومٍ تخرج من مكَّة إلى الأبطح فتبكِي وتبكي/ وماذا عساها ِِأن تفعل/ وقد انتزع أهلُ الزَّوج طفلها وفلْذة كبدها/ فهي تتطلَّع إلى الزَّوج بعيدًا وحيدًا في المدينة/ وإلى طفلها في مكَّة/ لكنَّها لا تستطيعُ أن تحنو عليه أو تراه/ قالت: حتى مرّ بي رجل وأنا أبكي/ فرأى ما بي فرحمني/ فقال لقومي/ أما آنَ لكم أن ترْحموا هذه المسكينة/ فقالوا لي/ الحقي بزوجك إِن شئت/ عندئذ ردّوا إليّ طفلي/ فخرجت أريد زوجي بالمدينة/ فأخذ عثمان بن طلحة بخطام البعير/ فانطلق بي حتى أقدمني المدينة/ ثم قال/ زوجك في هذه القرية/ فادخليها على بركة الله/ ثم انصرف راجعاً إلى مكة/ فاجتمع الشمل بعد طول فراق/ ثم طفقت الأحداث تمضي سراعاً كلمح البصر/ حتى جاءت معركة أحد[/font][font="]/[/font][font="] فخاض أبوسلمة غمارها وأبلى فيها أحسن البلاء[/font][font="]/[/font][font="] لكنه خرج منها وقد جُرح جرحاً بليغاً[/font][font="]/[/font][font="] فما زال يعالجه حتى بدا له أنه قد اندمل/ لكن الجرح كان قد رم على فساد/ فما لبث أن انتكأ/ فأُلزم أبا سلمة الفراش/ وفيما كان يُعاَلج من جرحه/ قال لأم سلمة/ سمعت رسول الله يقول[/font][font="]/ [/font][font="]لا تصيب أحد مصيبة/ فيسترجع عند ذلك ويقول[/font][font="]/ [/font][font="]اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه/ اللهم أخلفني خيراً منها[/font][font="]/[/font][font="] إلا أعطاه الله عز وجل/ وفي ذات صباح جاءه رسول الله ليعوده[/font][font="]/[/font][font="] فلم يكد ينتهي من زيارته ويجاوز باب داره/ حتى فارق أبو سلمة الحياة/ فأغمض النبي عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين عيني صاحبه/ ودعاء له/ أما أم سلمة فتذكرت ما رواه لها أبو سلمة عن رسول الله فقالت[/font][font="]/[/font][font="]اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه/ لكنها لم تطب نفسها أن تقول/ اللهم أخلفني فيها خيراً منها/ لأنها كانت تتساءل/ ومن عساه أن يكون خيراً من أبي سلمة[/font][font="]/[/font][font="] فما لبثت إلا أن أتمت الدعاء/ حزن المسلمون لمصاب أم سلمة كما لن يحزنوا لمصاب أحد من قبل/ إذ لم يكن لها في المدينة أحد من ذويها غير صبية صغار/ فلما كادت تنتهي من حدادها/ تقدم لها أبو بكر الصديق يخطبها لنفسه فأبت/ ثم تقدم لها عمر بن الخطاب فأبت/ ثم تقدم منها رسول الله فقبلت وتزوجها خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه/ فاستجاب الله دعاءها/ وأخلفها خيراً من أبي سلمة/ ومنذ ذلك اليوم لم تبق هند المخزومية أماً لسلمة وحده/ وإنما غدت أُمّاً لجميع المؤمنين/ اللهم ارزقنا من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا/ اللهم لا تحملنا مالا طاقة لنا به/ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم[/font][font="]/[/font][font="] ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم[/font][font="]/[/font][font="] أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم[/font][font="]/[/font][font="] ولسائر المؤمنين من كل ذنب[/font][font="]/[/font][font="] فاستغفروه[/font][font="]/[/font][font="] وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم/[/font]


[font="]
[/font]
[font="]الحمدُ لله على إحسانه[/font][font="]/[/font][font="] والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنَانِهِ[/font][font="]/[/font][font="] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له[/font][font="]/[/font][font="] وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله[/font][font="]/[/font][font="] صَلِّ اللهُ عليه وعلى آله وصَحْبه/ وسَلِّمْ تَسْليمًا كثيرًا إلى يوم الدين/ أما بعد أيها الناس/ فعلينا أن نصبر ونرضى فيما يدبره الله لنا ويقضيه/ وأن يكون الفرج نصب أعيننا وقبلة قلوبنا/ والطمع في فضله غاية قصدنا/ ونهاية مطلوبنا/ فإننا لم نرج مخلوقا ولا ممسكا ولا عديما/ وإنما نرجو ربا غنيا جوادا كريما/ لا يتبرم بإلحاح الملحين/ ولا يبالي بكثرة العطايا وإجابة السائلين/ ولابد أن يعلم المصاب علم اليقين/ أن ما أصابه لم يكن ليخطئه/ وما أخطأه لم يكن ليصيبه/ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ/ فقضاء الله نافذ كالسيف/ وأمره واقع لا رادَّ لقضائه/ ولا معقِّب لحكمه/ ولكن العبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه أو سخطه/ جعلنا الله وإياكم من الراضين بقضاء الله وقدره/ [/font][font="]ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه[/font]
المشاهدات 3040 | التعليقات 1

أحسنت وأجدت يا شيخ سلامة..
خطبة عظيمة الموعظة مترابطة المعاني ... مع قصرها

سلمت أناملك