مَنْ رَاقَبَ النّا سَ مَات غَمًّا !! (خطبة مختصرة تناسب الصلاة والخطبة 15دقيقة)

يوسف العوض
1441/11/03 - 2020/06/24 13:04PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مسلمون)

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسِ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقيبا)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يَصْلُحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولُهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عظيماً) أَمَّا بَعْدُ :

فَإِن أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ . .

 يَقولُ الشَاعرُ ..

مَنْ رَاقَبَ النّـــــــــــاسَ مَـــــــــــــــــــــاتَ غَمًّا    ***    وَفَــــــــــــــــــــــــازَ  بِاللَّــــــــــــــــــذَّةِ الْجَسُــــــــــــــــــــــــــورُ
أيُّها المُسلِمون : شَطرُ الْبَيْتِ الأولِ مِنَ الشِّعر ِصَارَ مَضْرِباً للْمَثَلِ وصارَ النَّاسُ يَتداولونَه بَيْنَهُمْ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ جَعَلَ النَّاسَ هَمَّه وَشُغَلَه وَبَنَى عَمَلَهَ عَلَى نَظَرِ النَّاسِ إلَيْهِ وَمَدحِهِم عَلَيْهِ فَقَدْ عَاشَ لَا يُنجِزُ عَمَلاً وَلَا يَسُدُّ خَلَلًا وَلَا يَعْمُرُ مَجْدًا وَلَا يَبْنِي صَرْحَاً ، فيصيرُ شِعَارُه فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ الْغَمَّ وَالْهَمَّ والخَسارَ والبَوارَ ، وَلِذَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي شَطْرِ الْبَيْتِ الأخَيرِ "وَفَاز بِاللَّذَّة الْجُسُور .. يَعْنِي الشّجَاعَ المِقدامَ الّذِي لَا يَهْتَمُّ بِنَظَر الْآخَرِين ولا كلامِهِم في تَحْقِيق النَّجَاح وَإِنْجَاز الْفَلَاح ، وَهُنَا نَعْرِفُ أَنَّ إرْضَاءَ النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ وَلَن تُدْرَك فَلْيَفْعَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَيَّ شَيْءٍ يَرَاهُ مناسباً شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حُدُودِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى ، وَدُون أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى أَيِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وليَجعَلْ نَصْبَ عَينيهِ هذهِ الآيةَ الكريمةَ (( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا))  وأيضا يَدُلُّ البيتُ ويُضْرَبُ بِهِ مَثلَاً  عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحَسُودِ وَمَا يُعَانِيهِ مِنْ ضِيقٍ وَهَمٍ مِنْ رُؤْيَةِ النَّاسِ وَمَا فِيهِمْ مَنْ نِعَمِةٍ فيَغتاظُ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَعْتَلَّ قَلْبُه ويَمرَضَ جَسَدُهُ فنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَة .
أيّها الْمُسْلِمُون : وَهُنَا معنىً آخرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمَثَلِ وَهُوَ ما أُريدُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ وجَذبَ الإنتباهِ له -خَاصَّةً مَعَ انْتِشَارِ الْأَخْبَار وَالْأَحْوَالِ مِنْ خِلَالِ وَسَائِل التَّوَاصُلِ الآن - فَقد صَارَ الْبَعْضُ يَتَبَاهَى بِمَا عِنْدَهُ ويَتَفانَى في نَشرِه ! فأَقُولُ مع هذه البَلوَى التي عَمّت وطَمّت تأمّلوا مَعِيَ في الْمَعْنَى الآخرِ الْمُسْتَفَادِ من الْمَثَلِ وهَو مَعنىً دَقيقٌ عَميقٌ تُشيرُ إليهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ في سُورةِ -طه- عِندَما قالَ اللهُ تَعالى لِرسُولِهِ عَليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾  ، يقولُ الشَّيْخ عبدُالرَّحمَن السَّعْدِىّ -رحمه الله- في تفسيرِ الآيةِ أَي : لَا تُمَدّْ عَيْنَيْك مُعْجَبًا ، وَلَا تُكَرَّرْ النَّظَرَ مُسْتَحْسَنًا إلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا والمُمَتعَين بِهَا مِن الْمَآكَلِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ ، وَالْمَلَابِس الْفَاخِرَة وَالْبُيُــــــــوتِ المزخرفةِ ، وَالنِّسَاءِ الْمُجَمَّلَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلِّهُ زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، تبتهجُ بِهَا نُفُوسُ المُغتَرينَ ، وَتَأْخُذُ إعْجَابًا بأبصار ِالمُعرضِين ، وَيَتَمَتَّعُ بِهَا - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْآخِرَةِ - الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ تَذْهَبُ سَرِيعًا ، وَتَمْضِي جَمِيعًا ، وَتَقْتَلُ محبيها وعشاقها فيَندمُون حَيْثُ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ وَيَعْلَمُون مَا هُمْ عَلَيْهِ إذَا قَدِمُوا فِي الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ فَتَنَهً وَاخْتِبَارًا ، لِيَعْلَمَ مِنْ يَقِفُ عِنْدَهَا ويَغترُ بِهَا وَمَنْ هُوَ أَحْسَنُ عَمَلًا ! أ.هـ
فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ لِنَبِيِّه وَهُوَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مَا نَكُونُ لِلْأَخْذِ بها والِاعْتِبَار بمِثْلِها  .
أيّها المُسلِمون: إنَّ عَقدَ المُقَارناتِ بَيْنَ حَالِنَا وَحَالِ الْآخَرِين مَزْلَقُ هَلَاكٍ يَقَعُ فِيهِ الْكَثِيرُون مِنّا مِنْ حَيْثُ شَعَرْنا  أَوْ لَمْ نَشْعُر و سَوَاءٌ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ  بِالْجَمَال والكمال أَوْ الحال والبَال أو الْمَالِ والْعِيَال والله المُستَعان ! فإنَّ النَّظَرَ إلَى مَا عِنْدَ النَّاسِ يَجْعَلُنَا نَزْدَرِي نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْنَا ونَحتَقِرُ فَضْلَهُ إلينَا فَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه (( اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ أسفلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فوقَكم ، فَإِنَّه أجدَرُ أَنْ لَا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم))أخرجه الترمذي-رحمه الله- وهو حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَفِي هَذَا الحَديثِ يقولُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم : (انْظُرُوا إلَى مَنْ هُو أَسْفَلَ منكم)  أَي : مَنْ هُو أَقَلُّ مِنْكُمْ فِي أُمور الدَّنْيا وتَقْسيمِها  (ولا تَنْظُروا إلَى مَنْ هُو فَوْقَكُم) فِيهَا فإنَّ هَذَا النَّظَرَ (أَجْدَرُ)  أَي : أَحَقُّ (أنْ لَا تَزْدَروا) أَي : لَا (تَحْتَقِروا نِعْمَةَ اللهِ عليكم)  وَذَلِك أنَّ نَظَرَ الإنْسانِ إلَى مَنْ هُو أعْلى مِنْه  يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقارِ مَا عِندَ نَفْسِهِ مِن النِّعَمِ ، فيَسْتَقِلُّ النِّعْمَةَ ويُعرِضُ عَن الشُّكرِ لأنَّ كثيرًا مِن الناسِ يَصبِرُ عَلَى المقدورِ فَلَا يَسْخَطُ ، وَهُو غيرُ راضٍ بِه نسألُ اللهَ العافيةَ.
وفِي الحَديثِ: بَيانُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مُداوِيًا للقُلوبِ، فعَلَّمَها كيف تَصْنَعُ ووَصَفَ لها الدواءَ و أرْشَدَها إلى الاعْتِبارِ بأَحْوالِ الدُّنْيا، وأنَّ السَّعادَةَ ليستْ مالًا فقطْ وبيّنَ لهَا أنَّ مِن أعظمِ ما يُعينُ على استشعارِ النِّعمِ كثرةَ التأمُّلِ فيها والنظرَ في حالِ مَن هُم أقلُّ حالًا منّا .
ولذا فإنّ القَناعَةَ كَنزٌ لا يَفنى  و ذخرٌ يبقى وهي مِن أجلِّ أَخلاقِ المُؤْمِنينَ ، وعلامةٌ عَلَى الرِّضا بقَدَرِ اللهِ  وَبِها تَهونُ صُعوبَةُ الحَياةِ  عَلينا ، فنسأل اللهَ دَوامَ النّعمِ وشُكرَها إنّهُ جَوَادٌ كَريمٌ .
ثُمّ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمْرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ عَلَى نبيِّه ، فَقَالَ فِي مُحكَم التَّنْزِيل : ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا ﴾.
اللَّهُمّ صلِّ وسلِّم عَلَى نبيِّنا محمدٍ ، وارضَ اللَّهُمّ عَن خُلَفَائِه الرَّاشِدِين الَّذِين قضَوا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يعدِلون : أَبِي بكرٍ ، وَعُمَر ، وَعُثْمَان ، وعليٍّ ، وَعَنْ سَائِرِ الصحابةِ أَجْمَعِين ، وعنَّا مَعَهُم بجُودِك وكرمِك يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ .
اللَّهُمّ أعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وأذِلَّ الشِّرْك وَالْمُشْرِكِين ، ودمِّر أَعْدَاءَ الدِّينِ ، وَاجْعَل اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَِ آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ .
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
اللَّهُمَّ إنَّا نسألُك الإخلاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ .
اللَّهُمّ وفِّق إمَامِنَا لهُداك ، وَاجْعَل عَمَلَهَ فِي رِضاك ، ووفِّق جَمِيعَ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ للعملِ بِكِتَابِك وتحكيمِ شرعك .
عِبَادَ اللَّهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾  .
فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلض يَذْكُرْكُم ، واشكروه عَلَى الْآيَةِ وَنِعْمَة يزِدكم ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ أَكْبَرُ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ . .
المشاهدات 1970 | التعليقات 0