مِنْ دُرُوسِ العَشْرِ وَالتَّشْرِيْقِ تَحْقِيقُ التَّوحِيْدِ وَنَبْذُ الشِّرْكِ

مبارك العشوان 1
1441/12/16 - 2020/08/06 05:54AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: أيَّامٌ مَعْلُوْمَاتٌ وَمَعْدُوْدَاتٌ مَضَتْ؛ هِيَ خَيْرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ وَفِيهَا زَكَاءٌ لِلنُّفُوسِ؛ وَطَهَارَةٌ لِلْقُلُوبِ، فِيْهَا رِفْعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ، وَتَكْفِيرٌ للِسَّيِّئَاتِ؛ فِيهَا مِنَ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ مَا يَنْبَغِي أنْ يَبْقَى لَهُ كَبِيرُ الأثَرِ فِي حَيَاتِنَا؛ وَيَكُونَ حَالُنَا بَعْدَهَا خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَهَا.

دُرُوسٌ فِي العَقِيدَةِ الصَّحِيْحَةٍ، وَالتَّوحِيدِ الخَالِصِ، وَنَبْذِ الشِّرْكِ وَوَسَائِلِهِ، دُرُوسٌ فِي مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ التَّعَامُلِ، دُرُوسٌ فِي الصَّبْرِ بِأَنْوَاعِهِ.

وَحَدِيثُ اليَومِ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَنْ وَاحِدٍ هُوَ مِنْ أبرَزِ وَأَجَلِّ  دُرُوسِ تِلْكَ الأَيَّامِ.

أَلَا وَهُوَ التَّأْكِيْدُ عَلَى تَوْحِيْدِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَالتَّحْذِيْرُ مِنَ الإِشْرَاكِ بِهِ.

نَجِدُ هَذَا مِنْ أَوَّلِ العَشْرِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَومًا وَلَيْلَةً، وَالمُسْلِمُونَ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيْرِ: ( اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ ) وَالتَّهْلِيلِ: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ) وَالتَّحْمِيْدِ: ( وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) يَجْهَرُونَ بِهِ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ.

وَهَكَذَا نَجِدُ ذَلِكَ ظَاهرًا جليًا فِي الحَجِّ؛ مِنَ الإِهْلَالِ بِهِ، إِلَى طَوَافِ الوَدَاعِ فِي آخِرِهِ.

يُهِلُّ الحَاجُّ بِالتَّوحِيدِ: ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ )  وَيَبْدَأُ دُعَاءَهُ عِنْدَ الصَّفَا وَعِنْدَ المَرْوَةِ بِالتَّوحِيْدِ؛ ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رَكْعَتِي الطَّوَافِ يَقْرَأُ ( الكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وَهُمَا سُورَتَا الإِخْلَاصِ.

وَالبَيْتُ الحَرَامُ قِبلَةُ المُسْلِمِينَ، وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ وَعُمْرَتُهُمْ، وَقَدْ أمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَطْهِيرِهِ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ؛ وَأَعْظَمُهَا الشِّرْكِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } التوبة 28  

وَلمَّا ( دَخَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِئَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: { جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } { جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَالطَّوَافُ بِالكَعْبَةِ وَالسَّعيُ بينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ خَاصٌ بِالبَيْتِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } فَلَا يَجُوزُ الطَّوَافُ بِبَيْتٍ غَيرِهِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَلَا بِقُبُورٍ، وَلَا بِأَشْجَارٍ وَلَا أَحْجَارٍ، وَمَنْ فَعَلَ شَيئاً مِن ذَلكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.

عِبَادَ اللهِ: وَعِنْدَ الذَّبْحِ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ؛ سَوَاءً عَلَى هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ فَالذَّبْحُ عِبَادَةٌ؛ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَيِّ مَخلُوقٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ.

التَّوْحِيْدُ - رَحِمَكُمُ اللهُ - هُوَ الأَمْرُ العَظِيْمُ الَّذِي خَلَقَ اللهُ لِأَجْلِهِ الخَلْقَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الكُتُبَ.

التَّوحِيْدُ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ؛ وَهُوَ أَعْظَمُ الحُقُوقِ وَأَجَلُّهَا وَأَوْجَبُهَا.

وَالشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَأَقْبَحُهَا؛ وَهُوَ أَعْظَمُ مَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ.

رَوَى البُخَارِيٌّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَال كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، قَالَ فَقَالَ يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ).

مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَمَرَ بِالتَّوحِيْدِ، وَحَذَّرَ مِنَ الشِّرْكِ؛ قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } النحل 36 

وَقَالَ تَعَالَى: { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } قَالَهَا نُوحٌ وَقَالَهَا هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيبٌ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية:  

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاحْرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَشَدَّ مَا تَحْرِصُونَ عَلَى تَحْقِيقِ التَّوحِيْدِ، فَبِهِ نَصْرُ الأُمَّةِ وَعِزُّهَا وَفَلَاحُهَا دُنيًا وأُخْرَى، وَبِهِ يَحصُلُ الأَمْنُ التَّامُّ مِنْ مَخَاوُفِ الدُّنيا، وَمَخَاوُفِ الآخِرَةِ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. } الأنعام82

عَضُّوا عَلَى التَّوحِيدِ بالنَّوَاجِذِ، تَعَاهَدُوهُ، وَتَدَارَسُوا مَسَائِلَهُ مَعَ عُلَمَائِكُم، وَاقْرَأُوا كُتُبَهُ فِي مَسَاجِدِكُم، وَعَلى أَهْلِكُم وَأَوْلَادِكُم، اشْرَحُوهُ وَأَحْسِنُوا شَرْحَهُ أيُّهَا المُعلمونَ لِطُلَّابِكُم، لِتَنْعَقِدَ قُلُوبُهُمْ عَلى العَقِيْدَةِ النَّقِيَّةِ الصَّافِيَةِ، عَقِيْدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، المَبنِيَّةِ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَمَتَى انْعَقَدَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَيْهَا حُفِظُوا بِإِذْنِ اللهِ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، وَالهَجَمَاتِ الشَّرِسَةِ عَلَى التَّوحِيْدِ وَأهْلِهِ.

ثُمَّ احْذَرُوا الشِّرْكَ غَايَةَ الحَذَرِ، اِحْذَرُوا صَغِيْرَهُ وَكَبِيْرَهُ.

فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَمُحْبِطُ الأعْمَالِ، وَقَدْ حَرَّمُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى صَاحِبِ الشِّرْكِ، وَجَعَلَ النَّارَ مَأوَاهُ: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }  المائدة  72

نُعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ وَيَحْفَظَ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِنَا وَدُنْيَانَا الَّتِي فِيْهَا مَعَاشُنَا وَآخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المشاهدات 797 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا