من خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

  من خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه   

الحمد لله القائل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100] أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[1] والقائل: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»[2] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]
فاتقوا الله - رحمكم الله - فإن في تقواه السعادة والفلاح في الدارين.

أيها المسلمون: إن خير من يقتدى بهم صحابة رسول الله e، الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة عالية ومنزلة سامية؛ بسبب التربية الحقيقية التي رباهم عليها الرسول e، فقد كان لهم نعم القدوة، فكانوا من بعده نعم الأسوة.

عباد الله: لقد تحدثنا في الجمعة الماضية عن إحدى خطب أبي بكر الصديق t، وسنتحدث اليوم عن إحدى خطب عمر بن الخطاب t، كما أوردها الإمام الطبري والحاكم وابن كثير رحمهم الله، فمما قاله t بعد حمد الله والثناء عليه ما نصه: «أوصيكم بتقوى الله، الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي بطاعته يكرم أولياءه، وبمعصيته يضل أعداءه، فليس لهالك معذرة في فعل ضلالة حسبها هدى، ولا في ترك حق حسبه ضلالة، تعلموا القرآن، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه لم تبلغ منزلة ذي حق أن يطاع في معصية الله.

واعلموا أن بين العبد وبين رزقه حجابًا، فإن صبر آتاه رزقه، وإن اقتحم هتك الحجاب لم يدرك فوق رزقه، وإياكم وأخلاق العجم ومجاورة الجبابرة، وأن تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن تدخلوا الحَمَّام بغير مئزر، وإياكم والصَّغَار أن تجعلوه في رقابكم.

واعلموا أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، ولا يحل لك أن تهجر أخاك فوق ثلاثة أيام، ومن أتى ساحرًا أو كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد e، لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته، فهو أمارة المسلم المؤمن، وشر الأمور مبتدعاتها، وإن الاقتصاد في سُنة، خير من الاجتهاد في بدعة.

وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا؛ فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)

عليكم بهذا القرآن، فإن فيه نورا وشفاءً، وغيره الشقاء، وقد قضيت الذي عليّ فيما ولاني الله عز وجل من أموركم، ووعظتكم نصحًا لكم.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم».

الخطبة الثانية: -

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.  

أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

أيها المسلمون: ومما قاله عمر الفاروق t  في خطبة له ما نصه: «إِنَّ اللَّهَ تعالى إِنَّمَا ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ، وَصَرَفَ لَكُمُ الْقَوْلَ؛ لِتحْيِىَ بِهِ الْقُلُوبَ، فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَيِّتَةٌ فِي صُدُورِهَا حَتَّى يُحْيِيَهَا اللَّهُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَنْتَفِعْ بِهِ، فَإِنَّ لِلْعَدْلِ أَمَارَاتٍ وَتَبَاشِيرَ ؛ فَأَمَّا الْأَمَارَاتُ فَالْحَيَاءُ وَالسَّخَاءُ وَالْهَيْنُ وَاللَّيْنُ، وَأَمَّا التَّبَاشِيرُ فَالرَّحْمَةُ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ أَمَرٍ بَابًا، وَيَسَّرَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحًا، فَبَابُ الْعَدْلِ الِاعْتِبَارُ، وَمِفْتَاحُهُ الزُّهْدُ، وَالِاعْتِبَارُ ذِكْرُ الْمَوْتِ بتذكر الأموات وَالِاسْتِعْدَادُ لهُ بِتَقْدِيمِ الْأَعْمَالِ، وَالزُّهْدُ أَخْذُ الْحَقِّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قِبَلَهُ حَقٌّ، وَتَأْدِيَةُ الحَقِّ إلَى كُلِّ أَحَدٍ لَهُ حَقٌّ، ولَا تُصَانِعْ في ذَلِكَ أَحَدًا، وَاكْتَفِ بِمَا يَكْفِيكَ مِنَ الْكَفَافِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكْفِهِ الْكَفَافُ لَمْ يُغْنِهِ شَيْءٌ»[3].

ومما قاله t كما أورده الإمام أبو داود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان ما نصه: «ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا، ومن عرض نفسه للتهمة، فلا يلومن من أساء الظن به، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده.

وعليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم؛ فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، وعليك بالصدق وإن قتلك، ولا تعرض فيما لا يعنيك، ولا تسأل عما لم يكن؛ فإن فيما كان شغلًا عما لم يكن، ولا تضع حديثك إلا عند من يشتهيه، ولا تطلبن حاجتك إلى من لا يحب نجاحها لك، ولا تهاون بالحلف الكاذب فيهينك الله، ولا تصاحب الفجار فتتعلم من فجورهم، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خاف الله عز وجل». إلى آخر كلام الفاروق t.

رزقنا الله وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وتقبل منا ومنكم، إنه سميع قريب مجيب.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

اللهم اكتب السلام والأمن للعالم الإسلامي في كل ربوعه، واجعل العزة والرفعة للإسلام وجموعه.

 اللهم أدم على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وعزها ورخاءها يا رب العالمين. اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.

اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، واحرسنا بعينك التي لا تنام.

اللهم احفظ أبطال الصحة والأمن المرابطين في الداخل وعلى الحدود يا رب العالمين.

اللهم احفظ ووفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وألبسه لباس الصحة والعافية، وأمد في عمره على طاعتك، واجزه عنا وعن المسلمين خير الجزاء يا رب العالمين.

اللهم أعن ولي عهده على أداء ما أسند إليه من مهام، اللهم وفقه وسدده واكفه شر الحاقدين والحاسدين، واجعله عزًّا لديننا وبلادنا وذخرًا للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغارًا.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)).

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على جزيل ووافر نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعدها

أ . د عبدالعزيز بن أحمد العليوي

خطيب جامع الغنام بالزلفي

التلجرام   https://t.me/aa_3zz

تويتر  @aa_3zz

يوتيوب

https://www.youtube.com/channel/UCd4qD7_fhwfibF2O0aDPxAQ

***



[1]     أخرجه البخاري (رقم 2652) ومسلم (رقم 2533).

 
[2]     أخرجه الترمذي (رقم 3662) وقال: حديث حسن.

 
[3]     تاريخ الطبري (2/383) البداية والنهاية (9/615).

 

المرفقات

1666883107_من خطب عمر بن الخطاب 1.pdf

المشاهدات 810 | التعليقات 0