من خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

  من خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

الحمد لله القائل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100]

 أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[1] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]

فاتقوا الله - رحمكم الله - فإن في تقواه السعادة والفلاح في الدارين.

أيها المسلمون: إن خير من يُقتَدى بهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة عالية ومنزلة سامية، بسبب التربية الحقيقية التي رباهم عليها الرسول e، فقد كان لهم نعم القدوة، فكانوا من بعده نعم الأسوة.

عباد الله: لقد تحدثنا في الجمع الماضية عن خطبة لكل من الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان بن عفان y ونتحدث اليوم عن إحدى خطب الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب t، فمما قاله بعد حمد الله والثناء عليه ما نصه:

أوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله، ولزوم طاعته، وتقديم العمل وترك الأمل، فإنه من فرط في عمله لم ينتفع بشيء من أمله، أين التعب بالليل والنهار، المقتحم للُجَج البحار ومفاوز القفار، يسير من وراء الجبال وعالج الرمال، يصل الغدوّ بالرواح والمساء بالصباح، في طلب محقرات الأرباح، هجمت عليه منيته فعظمت بنفسه رزيته، فصار ما جمع بورًا وما اكتسب غرورًا ووافى القيامة محسورًا!

أيها اللاهي الغارّ بنفسه: كأني بك وقد أتاك رسول ربك، لا يقرع لك بابًا ولا يهاب لك حجابًا، ولا يقبل منك بديلًا ولا يأخذ منك كفيلًا، ولا يرحم لك صغيرًا ولا يوقر فيك كبيرًا، حتى يؤديك إلى قعر مظلمة أرجاؤها موحشة، كفعله بالأمم الخالية والقرون الماضية!

أين من سعى واجتهد، وجمع وعدد، وبنى وشيد، وزخرف ونجد، وبالقليل لم يقنع وبالكثير لم يمتع! أين من قاد الجنود ونشر البنود! أضحوا رفاتًا تحت الثرى أمواتًا، وأنتم بكأسهم شاربون ولسبيلهم سالكون.

عباد الله: فاتقوا الله وراقبوه، واعملوا لليوم الذي تسير فيه الجبال، وتشقق السماء بالغمام، وتتطاير الكتب عن الأيمان والشمائل، فأي رجل يومئذ تُراك! أقائل: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) [الحاقة: 19] أم (يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) [الحاقة: 25]!

نسأل من وعدنا بإقامة الشرائع جنته أن يقينا سخطه.

إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42].

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور التواب الرحيم.

الخطبة الثانية: -

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى.

أيها المسلمون: إن من أوجب الواجبات، الاهتمام بالجيل والنشء، من بنين وبنات، فهم زينة الحياة الدنيا، وهم روح المجتمعات وبنيان البلاد، وهم بعد الله المؤمّل لصلاح المجتمع وتطور البلاد، فاغرسوا في نفوسهم القيم النافعة، وعززوا المواطنة الصادقة، وقفوا ضد الأفكار المتطرفة والسلوكيات المنحرفة، وحققوا الرعاية والولاية الشرعية الملقاة على عواتقكم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

عباد الله: وإن مما يحذر منه هذه الأيام، لاسيما مع قرب الامتحانات، المخدرات والمسكرات بجميع أشكالها وأنواعها، فكونوا على حذر منها - أيها الشباب والفتيات - ولا يغرنكم أصدقاء السوء وقرناء الفساد، وكونوا سدًّا منيعًا ضد هذه الحرب الشعواء.

ولا يخفى عليكم ما تتعرض له بلادنا من هجمات إعلامية منظمة من دول الغرب ومن يقف معهم، فاحذروا تلقي الشائعات الكاذبة، والأراجيف المغرضة، والأفكار الهدامة، والفتاوى المستوردة، والمناهج الوافدة المخالفة لمنهج سلف الأمة، عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي والشبكات العنكبوتية وغيرها، وكونوا على المنهج الوسطي المعتدل، من غير إفراط أو تفريط، صفًّا واحدًا مع ولاتكم وعلمائكم ضد أعدائكم المتربصين بكم.

حفظ الله البلاد والعباد من كل سوء ومكروه، إنه سميع قريب مجيب.

 ثم صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والرسول المرتضى كما أمركم ربكم جل وعلا بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) [الأحزاب: 56] فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.

اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وأمهات المؤمنين، والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين.

اللهم اكتب السلام والأمن للعالم الإسلامي في كل ربوعه، واجعل العزة والرفعة للإسلام وجموعه.

اللهم أَدِمْ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وعزها ورخاءها يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.

اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، واحرسنا بعينك التي لا تنام.

اللهم احفظ أبطال الصحة والأمن المرابطين في الداخل وعلى الحدود يا رب العالمين.

اللهم احفظ ووفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وألبسه لباس الصحة والعافية وأمد في عمره على طاعتك، واجزه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

اللهم أعن ولي عهده على أداء ما أسند إليه من مهام، اللهم واكفه شر الحاقدين والحاسدين، اللهم وألبسه لباس الصحة والعافية يا رب العالمين، واجعله عزًّا لديننا وبلادنا وذخرًا للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغارًا.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)  

أعدها

أ . د عبدالعزيز بن أحمد العليوي

خطيب جامع الغنام بالزلفي

التلجرام   https://t.me/aa_3zz

تويتر  @aa_3zz

يوتيوب

https://www.youtube.com/channel/UCd4qD7_fhwfibF2O0aDPxAQ

***



[1]     أخرجه البخاري (رقم 2652) ومسلم (رقم 2533).

 

المرفقات

1668078139_02 من خطب علي بن أبي طالب.pdf

المشاهدات 1725 | التعليقات 0