من خطب الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في رمضان وعيد الفطر
أبو عبد الرحمن
1430/09/15 - 2009/09/05 10:15AM
الخطب المنبرية
للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
( خطبة عند دخول رمضان )
الحمد لله الذي خصّ بالفضل والتشريف بعض مخلوقاته . وأودع فيها من عجائب حِكمِه وبديع إتقانه ، ما شهدت العقول السليمة بأنها من أكبر آياته . خلق فقدّر ، ودبّر فيسّر . وربك أعلم حيث يجعل رسالاته . ويختص من شاء بفضله وكراماته ، أحمده حمد عبد يعلم أنه هو المحمود على جميع أقضيته وأحكامه وتدبيراته . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما يستحقه على العبد من طاعاته وعباداته . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به الإسلام بعد اندراس قواعده وأفول شموخه ونسيان آياته . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له على دينه ومحبته وموالاته ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تُقاته . وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته . قبل انصرام العمر وفوات أوقاته وساعاته . واعلموا أنه قد نزل بساحتكم شهر كريم ، وموسم عظيم ، خصّه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم ، أنزل فيه القرآن العظيم . وفرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه على غيرها ولا يستقيم . وسنّ قيامه نبيكم الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ،
ففي الحديث "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وفيه أيضاً "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" .
وفي الحديث "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيُّها الذين آمنوا كتِبَ عليكُم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلّكمْ تتّقون ، أيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمنْ كان منكم مريضاً أو عَلَى سَفَرٍ فعِدَّةٌ من أيام أُخَر ، وعلى الذين يُطيقونهُ فِدْيَةٌ طعامُ مِسْكين ، فمن تطوَّع خيراً فهو خيرٌ له ، وأنْ تصوموا خيرٌ لكمْ إن كنتم تعلمون ، شهرُ رَمضانَ الذي أُنْزِلَ فيه القرآنُ هُدًى للناسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهدَى والفُرْقان ، فمنْ شَهِدَ منكُم الشهرَ فلْيَصُمْه ومَن كان مَرِيضاً أو على سَفَرٍ فعدَّةٌ منْ أيّامٍ أُخَر ، يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بكمُ العُسْر ولِتكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتكبِّروا الله على ما هَداكمْ ولعلّكم تَشْكرون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( الخطبة التي بعدها في رمضان )
الحمد لله الذي وفّق عبادَه المؤمنين لتلاوة كتابه الكريم ، وفتح عليهم من حقائق المعارف ولطائف العلوم ما عداهم به إلى صراطه المستقيم . وخصهم من مواهب برِّه وإحسانه بأسنى فضله العميم ، ومن على من شاء بالصدق في معاملته ، والله ذو الفضل العظيم أحمده سبحانه على ما أولاه من التعليم . واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله النبي الكريم . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على الدين القويم وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تقواه ، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه . واحذروا أسباب سخطه ، فإن المؤمن من خاف الله واتقاه . عباد الله إنكم في شهر كريم ، وموسم عظيم ، متجر أولياء الله الصالحين . ومطلب الراغبين إلى الله في العتق من عذاب الجحيم . شهر تفتح فيه أبواب الجنات . وتجاب فيه الدعوات . وينشر الفضل العميم . شهر تكفر فيه السيئات . وتضاعف فيه الحسنات . وتقال فيه العثرات . ويكتب فيه منشور السعادة والتكريم .
فعظموه رحمكم الله بالقراءة والتكبير والركوع والسجود والتهليل والتسبيح والتحميد ، وأكثروا في أيامه من الصدقة والإحسان إلى الفقير والمسكين واليتيم . واحذروا ما يبطل العمل من الفعل السيء والقول الذميم . ففي الحديث ( عنه صلى الله عليه وسلم قال ) : "من لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه" وفيه أيضاً "رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوعُ والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب" .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { سابِقوا إلى مَغفِرةٍ من ربّكمْ وجنّةٍ عَرْضُها كعَرْض السماءِ والأرض أُعِدَّتْ للذين آمنوا باللهِ ورُسُله ذلك فضلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ واللهُ ذو الفضل العظيم } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطب بعدها )
الحمدُ لله الذي وفق عباده المؤمنين لأداء الأعمال الصالحات ، وشرح صدورَ أوليائه المتقين للإيمان بما جاء به رسوله من الحكمة والآيات ، وكشف عن قلوب أحبابه حجب الجهالة والضلالات ، ويسر لهم من الباقيات الصالحيات ما يتبوّأون به منازل الجنات ، فضلا منه ونعمة وربك يخلق ما يشاء ويختار من المخلوقات . أحمده سبحانه على ما له من الأسماء الحسنى والصفات ، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والبركات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها رفيع الدرجات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات . اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ذوي الهمم العاليات ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى فإن بتقواه تحصل السعادة والنجاة ، واجتهدوا في طاعته فقد أفلح من اجتهد في الطاعات ، وعليكم بالصدق في معاملته فقد خاب من كذب الله في المعاملات ، وأخلصوا له القصد والنية فإنما الأعمال بالنيات ، وخصوا هذا الشهر العظيم بمزيد الطاعات والإكثار من الحسنات ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، وتعرضوا لنفحات بره فإن لله في أيام دهركم نفحات ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال "آمين آمين آمين" فقيل له : يا رسول الله ، إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين . فقال "أتاني جبرائيل عليه السلام فقال : يا محمد رغم أنف امريء دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له ، قل آمين ، فقلت آمين ، ثم قال : رغم أنف امريء أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، قل : آمين ، فقلت : آمين . ثم قال : رغم أنف امريء ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك ، قل : آمين ، فقلت : آمين".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبرائيل فيدارسه القرآن ، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وإذا سَألك عبادي عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعْوةَ الداع إذا دعان فلْيَسْتجيبوا لي ولْيُؤْمنوا بي لعلّهم يَرْشدون } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة بعدها لرمضان )
الحمدُ لله العظيم الشأن ، الكبير السلطان ، خلق آدمَ من طين ثم قال له كن فكان ، أحسن كل شيء خَلْقه وأبدع الإحسان والإتقان ، أحمده سبحانه وحمدُه واجبٌ على كل إنسان ، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه حملة العلم والقرآن ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى حق تقواه ، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه ، واعملوا ليوم ترجعون فيه إلى الله ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير مُحْضَراً وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وهل ينفع المجرمَ ما يتمناه ، يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور ، وينشر المكتوب والمسطور ، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، يوم يكشف للعبد غطاء عينيه ، ويعرف محصول عمله وما لديه ، ولا يروج البهرج يومئذ منه ولا عليه . يومئذ يعض الظالم على يديه أسفاً على ما اقترفه وما جناه ، فاتقوا الله عباد الله وبادروا إلى ما يحبه الرب من العمل ويرضاه ، واعلموا أن أفضل شهركم هذا عَشْرُه الأخيرة ، فيها ليلة مباركة فيها يُفرق كل أمر حكيم ، وتكتب الحوادث والتدبير ، يصل فيها الربُّ ويقطع ، ويعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويميت ويحيي ، ويسعد ويشقي ، وتجري أقلام القضاء والتقدير ، فعظموها رحمكم الله تعالى بالقيام والركوع والسجود والقراءة والتكبير ، والتمسوها في أفراد العشر كما جاء بذلك الخبر عن البشير النذير . قالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" وقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشدّ المئزر .
وقال صلى الله عليه وسلم "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { إنّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدْر ، وما أدراك ما ليلةُ القدر ، ليلةُ القدر خيرٌ من ألفِ شهر ، تَنَزَّل الملائكةُ والرُّوح فيها بإذنِ ربِّهم من كل أمر ، سلامٌ هي حتى مَطْلع الفجر }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة بعدها آخر رمضان )
الحمدُ لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، عالم ما يُسِرُّه العبد وما يخفيه ، أحصى عليه خطرات فكره وكلمات فيه . من توكل عليه كفاه ووجد كفايته خيرا من توقيه ، ومن تواضع له رفعه وزاد بقدر تواضعه في ترقيه ، أحمده سبحانه وأتوب إليه وأستغفره وأستهديه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق كل شيء وهاديه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله معلم الإيمان وداعيه ، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ومن حمدت في الإسلام سيرته ومساعيه ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فيا أيها الناس . اتقوا الله تعالى والتمسوا من العمل ما يحبه ويرضيه ، وسارعوا إلى مغفرته وجنته فالمؤمن مَنْ يرجو الله ويتقيه ، ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطان فإنه يضل من اتبعه ويغويه ، ويأمره بالفحشاء والمنكر وإلى طريق الجحيم يهديه . عباد الله هذه العبر تمر بكم كل وقت وحين . وكتاب الله يقص عليكم نبأ المكذبين والمعرضين ويحذركم ما نزل بمن عصى رسله من الجبارين والمتكبرين { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسْكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين } .
عباد الله ، هذا شهر الصيام قُوّضت خيامه وتَصرَّمت أوقاته وأيامه . فمن أحسن فعليه بالإتمام ، والشكر لله على التوفيق والإسلام ، ومن فرط وأضاع فيما مضى من الأيام ، فعليه بالتوبة وحسن الختام ، فإن الأعمال بخواتيمها . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "أول هذا الشهر رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار"
واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير ، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال : كنا نعطيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط ووقتها يوم العيد قبل الصلاة ، ويجوز إخراجها قبله بيوم أو يومين ،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يا أيها الذين آمنُوا لا تُلْهِكُمْ أموالكُمْ ولا أولادُكم عن ذِكْرِ اللهِ ومن يَفْعلْ ذلك فأولئك هُم الخاسرون ، وأنْفِقوا ممّا رَزَقْناكم مِنْ قبلِ أنْ يأتي أحدَكم الموتُ فيقول ربِّ لولا أخرتَني إلى أجل قريبٍ فأصَّدَّق وأكُنْ منَ الصالحين . ولنْ يُؤخرَ الله نفساً إذا جاء أجلُها والله خبير بما تعملون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل ، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
( خطبة عيد الفطر )
الله أكبر ( تسعاً نَسَقاً ، ثم يقول ) : الله أكبر عدد ما صام صائم وأفطر ، الله أكبر عدد ما هَلّل مهلّل وكبّر ، الله أكبر عدد ما التزم الملتزم ، الله أكبر عدد ما أفيض هناك من عبرة وندم ( الله أكبر كلما أهلوا من الميقات محرمين ) الله أكبر كلّما يَمّمُوا عرفة ملبّين "الله أكبر كلما سعوا بين المروة والصفا ، الله أكبر كلما هبطوا وادياً أو عَلَوْا شَرَفاً ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . الحمد لله الذي سهَّل للعباد طريق العبادة ويسر . وأفاض عليهم من خزائن جوده التي لا تحصر . وجعل لهم عيداً يعود في كل عام ويتكرر . نقّاهم به من دون الذنوب وطهَّر . فما مضى شهر الصيام إلا وأعقبه أشهر الحج إلى بيته المطهّر . أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصر . وأشكره وهو المستحق لأنْ يُحْمدَ ويشكر . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فقدّر ، ودبّر فيسر . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب اللواء والكوثر . نبي نُصر بالرعب مسيرة شهر حتى إنه ليخافه ملك بني الأصفر . نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومع ذلك قام على قدمه الشريف حتى تفطر . اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه ما لاح هلال وأنور ، وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أنه ليس السعيد من أدرك العيد ولبس الجديد ، وخدمته العبيد ، إنما السعيد من اتقى الله فيما يبدي ويعيد ، وفاز بجنة نعيمها لا يفنى ولا يبيد ، ونجى من نار حرها شديد وقعرها بعيد ، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم الصديد ، ولباسهم القطران والحديد . عباد الله الصلاة الصلاة ، فمن حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ، واعلموا أن الله تعالى أمركم ببر الوالدين وصلة الأرحام ، والصبر على فجائع الأيام ، والإحسان إلى الضعفاء والأيتام ،
قال تعالى { وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا }
واجتنبوا الربا في المبايعات فإنه من أكبر السيئات ، ومن السبع الموبقات ، قال تعالى { يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إن كنتم مُؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذَنوا بحربٍ من اللهِ ورسوله } . عباد الله أوفوا المكاييل والموازين ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ،
قال تعالى { ويْلٌ للمطَفِّفينَ الذينَ إذا اكتالوا على الناس يَسْتَوفونَ وإذا كالوهمْ أو وَزنوهم يُخْسرون . ألا يظن أولئك أنهمْ مَبْعوثون ليومٍ عظيم } . ووقروا اليمين بالله في الخصومات ،
ففي الحديث " من اقتطع مال امريء مسلم بيمينه لقى اللهَ وهو عليه غضبان" ، قالوا : يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً ؟ قال "وإنْ كان قضيباً من أراك" .
أيها الناس ، حجوا البيت الحرام ، فإن حجه أحد أركان الإسلام ، يكفر الله به جميع الذنوب والآثام ، قال تعالى { وإذْ بَوَّأنا لإبراهيمَ مكانَ البيتِ أنْ لا تشركَ بي شيئاً وطهِّرْ بيتيَ للطائفينَ والقائمينَ والركّعِ السُّجود . وأذِّنْ في الناسِ بالحجِّ يأتوكَ رِجالا وعلى كل ضامِرٍ يأتينَ مِنْ كلِّ فَجٍ عميقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافعَ لهم ويَذْكروا اسمَ اللهِ في أيّام معلوماتٍ على ما رَزَقَهم مِن بَهِيمةِ الأنعام } . الله أكبر الله أكبر . لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
( الخطبة الأخيرة )
الله أكبر ( سبعا نسقاً ) الحمد لله الذي خلق آدم من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين . قسمهم بعلمه إلى أصحاب شمال وأصحاب يمين . قسمة كتبت فكتبت ، غير أن للسعادة والشقاوة عنواناً يستبين . أحمده سبحانه حمد أوليائه المتقين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين . اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين .
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه وعظموا أمره ولا تعصوه . وعليكم بغضّ البصر فإن النظرة سهم من سهام إبليس .
قال تعالى { قُلْ للمؤْمِنينَ يَغُضوا من أبصارِهم ويَحْفَظوا فُروجَهم ذلك أزكى لهمْ ، إنَّ الله خبيرٌ بما يصنعون . وقُلْ للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِن أبصارهِن ويحفظنَ فُروجَهنّ ولا يُبدين زينتَهُنَّ إلا ما ظهر منها } الآية .
واجتنبوا الخُيَلاء والإسبال في الثياب ، فإن ذلك محرم بنص السنة والكتاب ، قال تعالى { ولا تَمْشِ في الأرضِ مَرَحاً إنك لَنْ تَخْرِقَ الأرضَ ولن تَبْلُغَ الجبالَ طولا }
وفي الحديث "من جرَّ إزارَه خُيَلاءَ لم ينظر اللهُ إليه" .
واعلموا أن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تعالى : { إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُون على النبي . يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي الهاشمي العربي الأوفى . وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفا . والسادة الحنفا . أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أهل الصدق والوفا ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان ولطريقتهم اقتفى ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا . اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، واحم حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم أقم علم الجهاد ، واقمع أهل الشرك والريب والفساد ، وانشر رحمتك على هؤلاء العباد ، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد . عباد الله : "إن الله يأمرُ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقُضوا الأيمان بعدَ توكيدِها وقد جعلتمُ اللهَ عليكم كفيلا ، إن الله يعلم ما تفعلون" فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
المشاهدات 6492 | التعليقات 3
صحيح كلامك يا شيخ عبد الله وحتى لو وجد من يتأثر بالوعظ فإنه ستأثر عليه الشبهات التي تقذف عليه قذفا من الإعلام المرئي والمقروء وغير ذلك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تهنئة للزملاء ورفع للفائدة ولمزيد من الآراء حول ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله البصري
خطب قصيرة حقًّا ، وبليغة ولا شك .
ولكن ،، لكل زمن رجاله ، ولكل مجتمع قضاياه ، ولكل مقام مقال .
وقد استجدت أمور وقضايا ، وحدثت معاص ورزايا ، لا بد أن يطرقها الخطباء بشيء من التوسع ، وبأسلوب آخر غير ذلك الأسلوب التي اتخذه الإمام رحمه الله .
وإذا كان الناس في زمن الإمام يذعنون للوعظ الخالص ، فهم الآن قد أخذوا في مسالك عقلية ، فلا بد من مجادلتهم بذلك الأسلوب أحيانًا ، ولا بد من طرق الموضوع من جوانب متعددة ، وتوسيع الكلام على بعض القضايا ، وتكثيف الأدلة والشواهد .
وقد سمعنا في أول حياتنا الخطيب وهو يخطب من كتاب للشيخ ( المخضوب ) ويبدو أنه كان الكتاب الوحيد لدى كثيرين في تلك الأيام ، وكانت خطبه قريبة في أسلوبها من خطب الإمام المجدد ، فكان الشيوخ والكهول ينصتون ويبكون ويتأثرون . فرحمهم الله كانوا قريبين سهلين ، فكفتهم الكلمات اليسيرة والخطب القصيرة .
أما الآن فلا بد من الإطالة والتوسع بالقدر الذي لا يخرج الخطبة عن مقصودها وعن سنة التقصير فيها .
عسى الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه .
تعديل التعليق