من خصائص الجمعة وأحكامها
مبارك العشوان
1437/06/01 - 2016/03/10 16:30PM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس… مسلمون.
عباد الله: جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنـْهَا ) رواه مسلم.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْـدَ غَدٍ ) متفق عليه .
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بمزايا وعبادات دون سائر أ الأيام؛ فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي السجدة والإنسان قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومهما، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون في يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرا للأمة بما كان ويكون فيه . أ هـ
وفي هذا اليوم صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام وأعظم مجامع المسلمين، وأسباب جلب المحبة والمودة بينهم وقد جاءت الأدلة بفضل الجمعة وبتكفيرها للخطايا: ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) رواه مسلم. كما جاء التحذير الشديد لمن تهاون بها، قال عليه الصلاة والسلام: ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِـــينَ ) رواه مسلم.
وفي هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه. ويستحب في هذا اليوم الإكثار من الصلاة والسلام على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لحديث: ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ … ) رواه أبو داود وقال الألباني: صحيح. وذلك لأن كل خير نالته الأمة في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يد هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه. وتستحب في هذا اليوم قراءة سورة الكهف، لما جاء في الحديث: ( مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ ) رواه النسائي والبيهقي والحاكم وصححه الألباني وينبغي لمن وجب عليه حضور الجمعة: الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب. كما يستحب الذهاب إليها مشيا، والدنو من الإمام، والاستماع والإنصات وعدم التشاغل عن الخطبة، لما في هذا كله من الأجور العظيمة والثواب الجزيل، كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـــمَ: ( لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ) رواه البخاري . وقال عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ) أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ) رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: ( الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ) رواه البخاري ومسلم . وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن غسل الجمعة واجب وأنه لا يسقط إلا لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله، وقد أنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رجل تأخُرَهُ يوم الجمعة فبَيْنَمَا عمر رضي الله عنه قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ ؟ قَالَ إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّـــأْذِينَ فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَقَالَ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ ) رواه البخاري ومسلم فرضي الله عن عمر وأرضاه، ماذا لو رأى كثيرا من الناس اليوم؛ وقد زهدوا في الأجور العظيمة لا يأتي أحدهم إلا وقت الخطبة، ومنهم من يتأخر إلى الإقامة، ومنهم من يأتي وقد فاته شيء من الصلاة، فما أعظمه من حرمان لو كانوا يعلمون ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) رواه البخاري ومسلم.
بارك الله لي … وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإن ليوم الجمعة أحكاما تخصه، ذكرها الفقهاء رحمـهم الله في كتبهم، نقف وإياكم على شيء منها عسى الله أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع إنه سميع قريب.
فمن هذه الأحكام: أنه لا يجوز لمن تلزمه الجمعة أن يسافر في يومها بعد ندائها الثاني إلا بعد أن يصليها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا؛ لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة . أ هـ ومثله من خاف إقلاع الطائرة؛ وله أن يسافر إذا كان يمكنه أن يأتي بالجمعة في طريقه .
ومن أحكامها أنه لا يجوز البيع والشراء بعد ندائها الثاني لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلــــمُونَ }الجمعة9 .
ومن أحكامها: أن من دخل والإمام يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية للمسجد يوجز فيهما، فإن دخل أثناء الأذان فإنه يصليهما ولا ينتظر فراغ المؤذن، لأن سماع الخطبة مقدم على متابعة المؤذن .
ومن أحكامها: أنه لا يجوز تخطي رقاب الناس فقد: ( جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ ) أخرجه أبو داود وقال الألباني صحيح .
ومن أحكامها: أنه لا يجوز الكلام والإمام يخطب لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ) رواه البخاري. ويستثنى من ذلك إذا كان الكلام للإمام أو لمن يكلمه شريطة أن يكون لمصلحة.
ولا يجوز التشاغل عن الخطبة؛ ففي صحيح مسلم: ( وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) كان المسجد يفرش بالحصى الصغار؛ فمن تشاغل به فقد لغا، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يعني يُحرم ثوابَ الجمعة التي فُضِّلت بها هذه الأمة عن غيرها.
ويقول أيضاً: وإذا كان هذا مس الحصى فكذلك أيضا الذي يعبث بغير مس الحصى الذي يعبث بتحريك القلم أو الساعة أو المروحة... الخ.
عباد الله: وقد وجد ما هو أسوء من هذا كله، وأشد إشغالاً منه، وجد من يعبث بجواله والإمام يخطب، يتصفح الرسائل، أو يستعرض المقاطع، بل وجد من يفتح لعبة يبدؤها مع بدء الخطبة ثم لا يشعر إلا والإمام يختم خطبته.
فاتقوا الله عباد الله: فإن الأمر خطير، والخسارة عظيمة.
ومن أحكامها: أن من أدرك مع الإمام منها ركعة أدرك الجمعة، فإذا سلم الإمام قام وأتى بركعة، أما إن أدرك أقل من ركعة بأن دخل مع الإمام بعد أن رفع من الركوع الثاني فإنه لم يدرك الجمعة فعليه إذا سلم الإمام أن يقوم ويأتي بأربع ركعات ينويها ظهرا ـ إن كان وقت الظهر قد دخل ـ .
ومن أحكامها: أنه ليس لها سنة قبلية راتبة بل يتنفل بما شاء حتى يدخل الإمام، أما السنة الراتبة بعدها: فإن صلاها في المسجد صلاها أربعا، وإن صلاها في البيت صلاها ركعتين وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله جميعا .
ومن أحكامها: أنه إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد فمن حضر العيد أجزأته عن الجمعة ويصلي ظهرا، وحضور الجمعة أفضل له أما من لم يحضر العيد فإن الجمعة تلزمه.
ومن أحكامها: أنه لا يُفرد يوم الجمعة بصوم؛ إلا أن يوافق صوما يصومه الإنسان.
عباد الله : ومع عظم هذا اليوم الكريم وفضائله ومزاياه، إلا أن من الناس من لا يقيم له وزنا، ولا يعرف له قدرا، ولا يعده إلا يوم عطلة، يقضي ليله بالسهر، ونهاره بالنوم، فنسأل الله تعالى أن يهدينا وإياهم سواء السبيل، وأن يردنا إليه ردا جميلا.
ثم صلوا عباد الله وسلموا ... اللهم أعز الإسلام ...
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان ...
عباد الله: جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنـْهَا ) رواه مسلم.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْـدَ غَدٍ ) متفق عليه .
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بمزايا وعبادات دون سائر أ الأيام؛ فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي السجدة والإنسان قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومهما، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون في يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرا للأمة بما كان ويكون فيه . أ هـ
وفي هذا اليوم صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام وأعظم مجامع المسلمين، وأسباب جلب المحبة والمودة بينهم وقد جاءت الأدلة بفضل الجمعة وبتكفيرها للخطايا: ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) رواه مسلم. كما جاء التحذير الشديد لمن تهاون بها، قال عليه الصلاة والسلام: ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِـــينَ ) رواه مسلم.
وفي هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه. ويستحب في هذا اليوم الإكثار من الصلاة والسلام على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لحديث: ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ … ) رواه أبو داود وقال الألباني: صحيح. وذلك لأن كل خير نالته الأمة في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يد هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه. وتستحب في هذا اليوم قراءة سورة الكهف، لما جاء في الحديث: ( مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ ) رواه النسائي والبيهقي والحاكم وصححه الألباني وينبغي لمن وجب عليه حضور الجمعة: الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب. كما يستحب الذهاب إليها مشيا، والدنو من الإمام، والاستماع والإنصات وعدم التشاغل عن الخطبة، لما في هذا كله من الأجور العظيمة والثواب الجزيل، كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـــمَ: ( لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ) رواه البخاري . وقال عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ) أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ) رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: ( الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ) رواه البخاري ومسلم . وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن غسل الجمعة واجب وأنه لا يسقط إلا لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله، وقد أنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رجل تأخُرَهُ يوم الجمعة فبَيْنَمَا عمر رضي الله عنه قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ ؟ قَالَ إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّـــأْذِينَ فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَقَالَ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ ) رواه البخاري ومسلم فرضي الله عن عمر وأرضاه، ماذا لو رأى كثيرا من الناس اليوم؛ وقد زهدوا في الأجور العظيمة لا يأتي أحدهم إلا وقت الخطبة، ومنهم من يتأخر إلى الإقامة، ومنهم من يأتي وقد فاته شيء من الصلاة، فما أعظمه من حرمان لو كانوا يعلمون ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) رواه البخاري ومسلم.
بارك الله لي … وأقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإن ليوم الجمعة أحكاما تخصه، ذكرها الفقهاء رحمـهم الله في كتبهم، نقف وإياكم على شيء منها عسى الله أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع إنه سميع قريب.
فمن هذه الأحكام: أنه لا يجوز لمن تلزمه الجمعة أن يسافر في يومها بعد ندائها الثاني إلا بعد أن يصليها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا؛ لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة . أ هـ ومثله من خاف إقلاع الطائرة؛ وله أن يسافر إذا كان يمكنه أن يأتي بالجمعة في طريقه .
ومن أحكامها أنه لا يجوز البيع والشراء بعد ندائها الثاني لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلــــمُونَ }الجمعة9 .
ومن أحكامها: أن من دخل والإمام يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية للمسجد يوجز فيهما، فإن دخل أثناء الأذان فإنه يصليهما ولا ينتظر فراغ المؤذن، لأن سماع الخطبة مقدم على متابعة المؤذن .
ومن أحكامها: أنه لا يجوز تخطي رقاب الناس فقد: ( جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ ) أخرجه أبو داود وقال الألباني صحيح .
ومن أحكامها: أنه لا يجوز الكلام والإمام يخطب لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ) رواه البخاري. ويستثنى من ذلك إذا كان الكلام للإمام أو لمن يكلمه شريطة أن يكون لمصلحة.
ولا يجوز التشاغل عن الخطبة؛ ففي صحيح مسلم: ( وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) كان المسجد يفرش بالحصى الصغار؛ فمن تشاغل به فقد لغا، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يعني يُحرم ثوابَ الجمعة التي فُضِّلت بها هذه الأمة عن غيرها.
ويقول أيضاً: وإذا كان هذا مس الحصى فكذلك أيضا الذي يعبث بغير مس الحصى الذي يعبث بتحريك القلم أو الساعة أو المروحة... الخ.
عباد الله: وقد وجد ما هو أسوء من هذا كله، وأشد إشغالاً منه، وجد من يعبث بجواله والإمام يخطب، يتصفح الرسائل، أو يستعرض المقاطع، بل وجد من يفتح لعبة يبدؤها مع بدء الخطبة ثم لا يشعر إلا والإمام يختم خطبته.
فاتقوا الله عباد الله: فإن الأمر خطير، والخسارة عظيمة.
ومن أحكامها: أن من أدرك مع الإمام منها ركعة أدرك الجمعة، فإذا سلم الإمام قام وأتى بركعة، أما إن أدرك أقل من ركعة بأن دخل مع الإمام بعد أن رفع من الركوع الثاني فإنه لم يدرك الجمعة فعليه إذا سلم الإمام أن يقوم ويأتي بأربع ركعات ينويها ظهرا ـ إن كان وقت الظهر قد دخل ـ .
ومن أحكامها: أنه ليس لها سنة قبلية راتبة بل يتنفل بما شاء حتى يدخل الإمام، أما السنة الراتبة بعدها: فإن صلاها في المسجد صلاها أربعا، وإن صلاها في البيت صلاها ركعتين وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله جميعا .
ومن أحكامها: أنه إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد فمن حضر العيد أجزأته عن الجمعة ويصلي ظهرا، وحضور الجمعة أفضل له أما من لم يحضر العيد فإن الجمعة تلزمه.
ومن أحكامها: أنه لا يُفرد يوم الجمعة بصوم؛ إلا أن يوافق صوما يصومه الإنسان.
عباد الله : ومع عظم هذا اليوم الكريم وفضائله ومزاياه، إلا أن من الناس من لا يقيم له وزنا، ولا يعرف له قدرا، ولا يعده إلا يوم عطلة، يقضي ليله بالسهر، ونهاره بالنوم، فنسأل الله تعالى أن يهدينا وإياهم سواء السبيل، وأن يردنا إليه ردا جميلا.
ثم صلوا عباد الله وسلموا ... اللهم أعز الإسلام ...
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان ...