من حق السجين علينا !!

الحمد لله فتح بابه للتائبين ، وقبل برحمته رجوع المذنبين. الحمد لله ناصر المظلومين، ومجيب دعوة المضطرين. أشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المتواضعين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد جعل الله المسلمين أمة واحدة ، ارتبط أفرادَها برابطة الأخوة الإيمانية ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) يفرحهم ما فيه عزهم وجمع كلمتهم ، ويسؤوهم ما فيه سبب هوانهم وتفريق صفهم وإفسادُ تجمعهم، يسعون بما فيه صلاحهم واستقامة مجتمعاتهم .
عباد الله : إن طائفة من أبناء المجتمع – وهم موجودون في كل مجتمع – إن هذه الطائفة زلَّت بها القدم حين آثرت حظوظ النفس العاجلة ، واستهانت بنواهي الله الزاجرة ، فهي تتخبط في حرمات الله آثمة فاجرة .
هذه الطائفة غائبة عن أعيينا لكن نحس بمأساتهم وأثر جرمهم. هم ليسوا معنا لكنهم منَّا، هم لا يرون الدنيا ولكنهم من أهلها.
إنهم يتذوقون مرارة جرمهم حين القبض عليهم وإيداعهم في السجن، لقد انقطعوا عن الصلات واحتجبوا عن الأهل من البنين والبنات.
إنهم نزلاء السجون ، ومن أوقفتهم يد العدالة ، وحجبتهم حماية المصلحة العامة عن النزوة الخاصة ، والطيشة الظالمة .
الحديث عنهم تكاد العبرات تسبق العبارات وتختنق فيه الكلمات.
عباد الله ... إن السجين من جملة المسلمين ، فأخوته ثابتة في الدين حال سجنه وبعد أن يفرج عنه كما أنها ثابتة قبل يدخل السجن، فالتباعد عنه والتبرؤ منه ، والتساهل في حقوقه تفريط فيما أوجب الله تجاهه .
ثم أقول إلى كل سجين فرَّج الله عنه ، وأعتقه الله من سجنه: الحياة دروس والكبوة بعدها الأوبة والغفلة علاجها التوبة فاحفظ الله يحفظك، أقبل على ربك يصلح لك ما أفسدته يد المعصية ، ودنسته أوساخ الخطيئة.
وأقول لكم – أيها الإخوة - لا يجوز لمسلم كائناً من كان أن يحقر مسلماً لأنه كان سجيناً في يوم ما، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسام ( لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ) فقبول السجين بعد أنَّ فرَّج الله عنه فيه إعانة له على نفسه وشدٌّ من أسره ، وقطع لأطماع رفقاء السوء منه ، فالسجين يبتلى بعد خروجه كما يبتلى في سجنه، والتخلي عنه إعانة للشيطان عليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تعينوا الشيطان على أخيكم ) فالاحتساب في توظيف المفرج عنهم من السجناء ، وشغلهم فيما يهذب نفوسهم ويقضي على النزوات فيها ، ويسدُّ حاجتهم من أكبر المعروف فيهم ، ومن أعظم ما يدخره الإنسان أجراً عند ربه .
ومن أول وأولى من نخاطب بذلك أقارب السجين فحق عليهم زيارته ، وإبقاء العلاقة معه ، بل ودعوته وصنع وليمة له احتفاء بخروجه، واستبشاراً بمستقبل مشرق في حياته يكون فيه عضواً نافعاً لنفسه ولأسرته ولمجتمعه. وفي ذلك رفع لمعنويته وإعطاء لنفسه الثقة من نفسه، وأثر ذلك لا يعلم مداه إلا خالق النفوس العالم بما تكنه وما تعلنه .
ومن الوصايا المتفق عليه - وهي من شرع رب العالمين - ألا يؤاخذ أحد إلا بذنبه ، وألا يؤخذ إلا بما جرَّه على نفسه ( أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) فهذا السجين إن كان أباً فما حال أسرته ؟ وكيف قبول الناس لأطفاله ؟ وقد اتفقنا أن أسرهم بلا ذنب !!
أيها الإخوة ... لمثل هذه البيوت وهذه الأسر فليتناد المتنادون !! ولأولئك الأطفال المنكسرة ، أصحاب القلوب النظيفة والأعين البريئة لأولئك فليتواضع المترفعون ، وليتطامن المتعالون .
إنَّ الغالب على ذوي المساجين أنهم من الضعفاء ، وأولاد المساجين أيتام وآباؤهم أحياء، فواجب علينا باسم الأخوة الإسلامية أن نلحظ أسر المساجين وأن نتعرف على حاجاتهم، فالغالب في أسر السجين أنه يقوم على شؤون البيت امرأة ضعيفة. وما أكثر الصور، والمآسي لأحوال الكثير من زوجات المساجين، فكم من زوجة اليوم زوجها مع السجناء، صبية صغار، وبيت بالإيجار، وهم في الليل والنهار، لا تدري المسكينة أتذل نفسها وتطرق أبواب الأخيار، أو تُهلك نفسها وتسلك طريق الفجار. واسمعوا لهذه الرسالة المؤلمة من زوجة إلى زوجها في السجن تقول فيها :".. لقد غيبك السجن، فكم سنة غبت عني، آه لو ترى كيف ينظر الناس لي ولأولادك، ليتك تسمع ما يتناقله الناس عنا، لقد اجتمع علي الهم والذل والفقر، ولا أدري ماذا أفعل؟ من أين أطعم أولادك؟ ليتك ترى كيف يعيشون؟ ليتك ترى حالي وحالهم؟ ليتك ترى حال صغارك؟ آه فلست أدري؟! هل أخون أمانة الله وأمانتك، وأطلب الرزق لهؤلاء بطرق محرمة وأنا في ذمتك وعهدك؟ أم أطلب الطلاق ويضيع أولادك؟! فآهٍ ماذا أفعل.. إلى آخر رسالتها.
يا ويح قلبي من سؤال لا أطيق له جواب ؟ أين زوجي ؟ كيف غاب ؟ وبمن أستظل متى تحركت الذئاب ؟ ولمن أفر وقد تكاثرت الصعاب ؟
وكيف أطرق أي باب ؟ أأمد يدي للسراب أم الخراب ؟ هَمُّ قلبي، دمع عيني، فكر ليلي في اضطراب ! أمنياتي بل حياتي في عذاب ! أين زوجي ؟ كيف غاب ؟ يا ويح قلبي من سؤال لا أطيق له جواب ؟.
لنتصور - معاشر الإخوة - حال أولاد وبنات هذا السجين، ونظرة الناس لهم، والصعوبات التي تبدأ بدخوله السجن، فقد تطالب بعض الزوجات بالطلاق من أزواجهن فور دخول الزوج السجن، وبغياب ذلك الأب السجين يبدأ أفراد الأسرة بالتشتت وهجران الدراسة، إما لعدم وجود المصاريف اللازمة للدراسة ومستلزماتها، أو لعدم وجود الرقيب الذي يحرص على الأبناء ويتابع دراستهم وحضورهم وانصرافهم، وقد يصاحب كل ذلك انشغال الأم بالعمل لتوفير مصاريف المنزل بعد غياب عائلها في ظلمات السجن، وقد يتطور الأمر إلى انحراف بعض الأبناء أو البنات، وهكذا وأهل الخير يحاولون إصلاح السجين ، إذ بهم يتولد ويظهر عدد من المنحرفين الْجُدد في هذه الأسرة المنكوبة بعائلها، إلا إذا تداركها الله برحمته، وهيأ لها من يرعاها.
فعليكم يا أصحاب الفضل والحسبة وأهل الخير والمعرفة في الأحياء أن يتعرفوا على أسر المساجين في حيهم أو في غيره ويعملوا جادين على رفع معاناتهم وتفريج ضائقتهم، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
أسأل الله العلي القدير أن يفرج عن السجناء، وأن يرحم ضعف أسرهم وذويهم. وأن يغفر ذنبهم وجرمهم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معشر المؤمنين ... فالمجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم ) ويصف الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد ( تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) وقال عليه الصلاة والسلام ( خابَ عبدٌ وخَسِرَ لم يجعلِ الله تعالى في قلبِهِ رحمةً للبشرِ ).
ومن هذا الأس العظيم الذي يحث على التراحم والرحمة، ومما يذكر في هذا المقام ليشكر ما تقوم به هيئة أهلية خيرية تحت مسمى ( اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم ) وهي منتشرة في مناطق المملكة ولله الحمد، واسمها دليل – إن شاء الله على مسماها - وقد أثنى عليها عدد من المشايخ الذين اطلعوا على جهودها ، كما أفتى سماحة المفتي العام للمملكة بجواز دفع الزكاة لهم .
ولنتذكر ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) فأين الراحمون الداعمون الباذلون؟ أين العاملون الجادون؟ أين المحبون للإصلاح الحريصون على الوطن وحمايته ورقيه وتحضره؟ هيا لنتعاون ونضع أيدينا بأيدي إخواننا، فالوقوف مع هذه اللجنة معنوياً ومالياً وبذل المعونة البدنية وإبداء الرأي والمشورة لأعضاء اللجنة كل هذا من التعاون على البر والتقوى ومن صنائع المعروف التي تقي مصارع السوء.
اسأل الله أن يجعلنا جميعًا مفاتيح الخير، وأن ينفعنا وينفع بنا.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ....
المشاهدات 2491 | التعليقات 0