من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة 1441/06/06

من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة[1]
الحمدلله الذي له الحمد كله وإليه يرجع الأمر كله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق التقوى, {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]
عباد الله: إنَّ في المجتمع من هو من ذوي الاحتياجات الخاصة وهم ذوو الإعاقة, وهم جزء لا يتجزأ من المجتمع, وكلٌّ منهم له دوره الذي يقوم به حسب استطاعته, وقد برع ثلة منهم في أعمال فاقوا فيها غيرهم, ولهم حقوق معلومة, ولقد حفظ الإسلام تلك الحقوق لهم, والإعاقة هي: كل عيب جسماني أو عقلي يمنع المرء أن يشارك بحرية في نواحي النشاط الملائمة لعمره, ويُحس المصاب بعجزه عندما يكبر وبصعوبة الاندماج في المجتمع (ينظر الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء ص1766ج12)
عباد الله: من حقوق ذوي الإعاقة حق الإرث, وحق العلاج وقايةً ورعايةً وتأهيلاً, وحق التعليم حسب قدراتهم وظروفهم ولقد أُنشئت مدارس وأقسام تتعلق بهم تتناسب معهم مثل: المعاهد والمراكز ومدارس التربية الخاصة وبرامج التوحد وصعوبات التعلم, وللمعوَّق أهلية التصرف إن كان أهلاً لذلك بنفسه أو بمساعدة غيره, ويجب أن تراعى مصلحته وما فيه ضمان حقه (ينظر حقوق المعوقين بين الشريعة والقانون لمصطفى أحمد ص168-172) قال تعالى: { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]
عباد الله: ومن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة حق العمل حسب إجادتهم إذ الشريعة الإسلامية لا تفرق بين معوَّق وغيره, كما أنَّه ينبغي عدم تكليفهم ما لا يطيقون من أعمال, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" أخرجه الشيخان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" أخرجه البخاري
ولقد ولى النبي صلى الله عليه وسلم ابن أمِّ مكتوم رضي الله عنه على الأذان وهو أعمى واستخلفه أميراً على المدينة عدة مرات, منهم من قال مرتين, ومنهم من قال ثلاثَ عشرة مرة في غزواته صلى الله عليه وسلم (ينظر عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 107).  كما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن معلِّما وكان به عرج, وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لَوْ أَدْرَكْتُ مُعَاذاً، ثُمَّ وَلَّيْتُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُ رَبِّي، فَقَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ لَقُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ وَعَبْدَكَ يَقُوْلُ: (يَأْتِي مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ). أي يسبقهم رضي الله عنه. (سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/ 446) والحديث أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 229) وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1091).
معاشر المسلمين: ومن حقوق ذوي الإعاقة حق الزواج, فله أن يتزوج زوجة يسكن إليها, متى رغب ذلك.
عباد الله: إنَّ من عظيم محاسن الإسلام, أنَّ حثَّ على الترابط والتعاطف والتراحم, فالغني يمد يده للفقير, والقوي يعين الضعيف, كما حرَّم الاستهزاء والسخرية والشماتة قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: "أَتَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ فَيَرْحَمُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَالنَّاطِقَ وَالْبُهْمَ وَالْوُحُوشَ وَالطَّيْرَ" (تحفة الأحوذي (6/ 43) ورحمة من في السماء وهم الملائكة يعني: دعاؤهم لهم بالرحمة والمغفرة, قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7]
عباد الله: إنَّه من الخطأ أن يُنظر لذوي الإعاقة نظرة استضعاف أو استحقار, ذلك أنَّها نظرة قاصرة تدل على خلل في التفكير, وعدم معرفة بحقِّهم, فهذه الابتلاءات فيها رفعة للدرجات, ولعل لأحدهم من الرفعة والمنزلة عند الله ما ليس لمستضعِفهم, والواجب النظر إليهم نظرة تقدير واحترام, هكذا أمرنا الإسلام, عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني.
فهذا أمر نبوي كريم يعم جميع الناس بلا استثناء لا فرق فيه بين معافى ومبتلى أو صالح وغيره.
وكان من حسن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع ذوي الحاجات ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" أخرجه مسلم فوقف معها في طريقٍ مسلوكٍ ليقضيَ حاجتها ويُفتيها, قال النووي رحمه الله عند هذا الحديث وغيره التي تدل على قربه صلى الله عليه وسلم من الناس: "فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ بُرُوزِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ لِيَصِلَ أَهْلُ الْحُقُوقِ إِلَى حُقُوقِهِمْ وَيُرْشِدَ مُسْتَرْشِدَهُمْ لِيُشَاهِدُوا أَفْعَالَهُ وَحَرَكَاتِهِ فَيُقْتَدَى بِهَا" (ينظر شرح النووي على مسلم (15/ 82-83).
عباد الله: ومن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة عدم الوقوف بالسيارة بالأماكن المخصصة لهم, وكذلك عدم إغلاق الممر المخصص لهم لدخول المرافق العامة أو لدخول المساجد, وعدم تضييقه أو عرقلته بأيِّ شيء  وإنَّ من الملاحظ أنَّ بعضاً من الناس لا يضعون نعالهم أعزكم الله في الأماكن المخصصة لها, فيضعونها في مداخل الأبواب, وهذا خطأ؛ لأنَّ ذلك يُصَعِّب الوصول عليهم, بل قد يعثر أحدهم بسببها, وفي كل ذلك إثم, وعذر بعضهم العجلة؛ لئلا تفوته الركعة وهذا ليس بعذر؛ لأنَّه هو من تأخر عن الصلاة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
 
    
 
[1] 06/06/1441هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري.
المرفقات

من-حقوق-ذوي-الاحتياجات-الخاصة

من-حقوق-ذوي-الاحتياجات-الخاصة

المشاهدات 938 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


وإياك.