من حقوق الأيتام في الإسلام
أيمن عرفان
1435/04/08 - 2014/02/08 06:42AM
حقوق الأيتام في الإسلام:
من مقادير الله أن يقدِّر على بعْض الرِّجال الوفاة، فيترُك خلْفه أولادًا صِغارًا فيتيتَّمون بفقْد أبيهِم، فهُم في حال ضعْفٍ وحاجةٍ؛ منهم من يحتاج إلى الإعانة المعيشية، من الطعام والشراب والكساء والعلاج والنفقات ...المختلفة، ومنهم من يحتاج إلى الرعاية النفسية والتربوية والأخلاقية، لذا فقد اعتنَى بهم الشَّارع وشرَع من الأحكام ما يضمن لهم حياةً كريمة آمِنة؛ حتَّى يعيشوا كغيرِهم، أحببت أن أعيش اليوم معكم في رحاب هؤلاء الأيتام وبعض ما يتعلق بهم.
بداية نريد أن نعرف من هو اليتيم؟ اليتيم شرعًا هو صغيرٌ ماتَ أبوه، فإذا بلغ الحُلُم لم يَعُدْ يَتِيمًا، روى الطبراني بإسناد صحيح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ ، وَلا يُتْمَ عَلَى جَارِيَةٍ إِذَا هِيَ حَاضَتْ). ولكن لا يُسلَّم له مالُه ـ إن كان له مال ـ إلا إذَا بلغ الرشد، وذلك يُعرَف باختباره في التصرُّفات المالية وغيرها، فإذا رأيناه يُحسن التصرُّف سلَّمناه ماله، لقوله تعالى: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...)[النساء 6]. فإذا بلغ الصبي اليتيم رشيدا ولكنه فقير فيكون الإحسان إليه من باب أنه فقير.
وقد وردت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تتكلم عن اليتامى وحقوقهم والإحسان إليهم، وأول ما يستوقفنا أن الله تعالى قد شرف الأيتام إلى أن تقوم الساعة بأن جعل صفوة خلقه وخيرة رسله محمد صلى الله عليه وسلم ينتسب إلى هذه الفئة فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى6]. وأوصاه وأوصانا باليتامى فقال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}[الضحى 9]، فإكرام اليتيم من صفات الصالحين الأتقياء، أما ظلم اليتيم وقهره فهو من صفات الكفار وأهل النار والعياذ بالله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون 1 ، 2].
كما أننا نجد أن الله تعالى قد أمر بالإحسان الشامل والبر والرفق بهؤلاء الأيتام، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[النساء 36]. فجعلهم ممن يستحق الإحسان، وأتى بذكرهم مباشرة بعد ذكر بر الوالدين وصلة الرحم، فالمسلم المتمسك بتعاليم الإسلام مطالب بذلك.
ولأنه غالبا ما يكون اليتيم قد فقد المصادر الأساسية للنفقة حيث مات الأب الذي هو عائل هذه الأسرة فإننا نجد أن الله عز وجل قد جعل الإنفاق على اليتامى من أبواب الصدقات، وحينما سأل أحد الأغنياء: على من أنفق؟ من أولى الناس بالإنفاق عليه؟ نزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة 215], وقال تعالى في وصف المؤمنين المتقين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان 8]. بل وبين لنا ربنا تبارك وتعالى أن من أسباب اقتحام العقبة يوم القيامة، والنجاة في ذلك اليوم العظيم، إطعام اليتيم، قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد14 – 15]. فإطعام اليتيم خاصة عند الحاجة وفي أزمنة الأزمات من أعظم القربات عند الله.
أما إذا كان اليتيم غنيا، وترك له أبوه أموالا قبل أن يموت، فمن الحقوق التي أعطاها الله عز وجل لهذا اليتيم أن يحافظ له المجتمع على ماله، فأنزل الله عز وجل الآيات التي تأمر أوصياء هذا اليتيم بالمحافظة على ماله، واستثماره وتنميته ومراعاة مصلحة هذا اليتيم، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة 220]، ويقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}[الأنعام 152]. فالواجب على مَن يلي أمْوال اليتامى ألا يتصرَّف فيها إلاَّ إذا كان في ذلك مصلحة لليتيم؛ فيسعى الوليُّ في تنمية مال اليتيم بالتِّجارة التي ليْس فيها مخاطرة، ويبتعد عن المعاملات المحرَّمة أو الَّتي فيها شُبَه. ويحذر ربنا تبارك وتعالى ويتوعد ويهدد من أكل مال اليتيم، ويبين لنا أن من أعْظم الذُّنوب: التَّفريط في أموال اليتامى، والتَّسبُّب في ضياعِها، سواءٌ كان بعدم حفظها أم بِعَدم المطالبة بها، أم أكل أموالِهم التي ورِثوها، أو ما يأتيهم من المسلمين؛ فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء 10].
وقد وردت كلمة كفالة اليتيم في أحاديث كثيرة سنذكر طرفا منها، ولكننا نريد أولا أن نذكر ماذا يقصد بكفالة اليتيم، لا شك أن المعنى الأساسي هو تحمل نفقاته وما يحتاج إليه من أجل حياة كريمة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، ومع ذلك فإن كفالة اليتيم لا تقتصر على النواحي المالية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه وتعليمه والاهتمام بصحته وإعداده نفسياً وتربوياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة، وتقوية روحه وعقله، وزرع الأمل في نفسه، والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يكون حرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم. ولذلك فإن هناك صورتان لكفالة اليتيم في الإسلام، الأولى: أن يظل اليتيم في مسكنه وتتولى أنت رعايته بكافة الوسائل وهذا هو المشهور في مجتمعنا اليوم، الثانية: أن تضمه إليك فتسكنه معك ليكون تحت رعايتك الكاملة، روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ). وهذا هو الأصل في كفالة اليتيم حيث أن اليتيمَ يَحتاج إلى تربية وتأديب، كما يحتاج إلى الطعام والشراب، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان تحت بصرك ورعايتك في كل وقت، بالطبع مع ملاحظة أن هذا اليتيم إذا بلغ وجب معاملته كأجنبي، ويجب على زوجته وبناته التحجب أمامه منذ البلوغ أو انتباهه لأمور النساء، ويحرم عليهن الخلوة به وغير ذلك مما ينطبق على الأجنبي . كما يجب أن يفصل بينه وبين أولاد الكافل له المختلفين عن جنسه ؛ في المضجع الذي ينامون فيه ، إذا قارب البلوغ ،لأن الفصل بين الذكور والإناث واجب منذ بلوغهم العاشرة ولو كانوا إخوة ، روى أبو داود بإسناد صحيح : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).
أما عن فضل كفالة اليتيم ورعايته فقد ورد في ذلك أحاديث نبوية كثيرة:
(1) روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. وهذا يبين المكانة العالية لكافل اليتيم وهي مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل السبب في ذلك أن النبي جاء كفيلا للبشر يصلح لهم من أحوال الدين والدنيا وهذا ما يفعله كافل اليتيم يرشد ويوجه وينفق على هذا اليتيم المحتاج إلى العون. مع ملاحظة أنَّ كلَّ واحد منهما له درجتُه الخاصَّة به؛ فلا يبلُغ درجة الأنبِياء غيرُهم؛ ولهذا فرَّج النَّبيّ صلَّى الله عليْه وسلَّم بين السبَّابة والوسْطى.
وروى مسلم عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (كَافلُ اليَتيِم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ) وَأَشَارَ الرَّاوِي وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أنَس بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. فالأجر ثابت سواء كان اليتيم قريبًا له - كأن يكون الكافل جدًّا أو جدَّة أو أمًّا، أو عمًّا أو عمَّة، أو خالاً أو خالةً، أو غيرهم من الأقارب - أم كان الكافِل أجنبيًّا عن اليتيم؛ بل أن الإمام النووي في شرح مسلم يخبرنا بأمر عجيب ، يقول: (كافِل اليتيم القائم بأمورِه، من نفقة وكسْوة، وتأْديب وتربية، وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصُل لِمن كفله من مالِ نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعيَّة)، يعني أنه يمكن للوصي أن يأخذ أجر كافل اليتيم على الرغم من أنه لا ينفق عليه من مال الكافل وإنما ينفق عليه من مال اليتيم نفسه، طالما راعى الله عز وجل في هذا اليتيم.
(2) روى الإمام أحمد بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: (إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ). فعلمنا النبي أن مسح رأس اليتيم علاج لقسوة القلب. وفى هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعا من أنواع الصدقة لا ينتبه إليه الكثيرون منا ألا وهو التصدق بالمشاعر والتبرع بالأحاسيس الذي يزيل سواد القلب وينظف ما بداخله من مرض.
(3) روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ). فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ظلم اليتيم وأكل ماله من السبع المهلكات التي تهوي بصاحبها في النار والعياذ بالله.
أخي الكريم، أنت غدا ميت، وربما تترك من خلفك أيتاما صغارا، هل تريد أن تؤمن مستقبل أبنائك بعد موتك؟ الحل أخبرك الله عز وجل به في كتابه العزيز حيث يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} [النساء: 9]، فمن اتَّقى الله في أموال اليتامى وغيرها، حفِظ الله ذرِّيَّته بصلاحه بعد وفاته؛ فيجب على ولي اليتيم أن يتَّقي الله في مال اليتيم، فيعمل فيه ما يحب أن يُعْمَل في أموال أولاده الصِّغار بعد وفاته؛ وليتأكد أن هذا العمل الصالح سيبقى لأبنائه من بعد، ولقد أخبرنا ربنا تبارك وتعالى بمثال واقعي في سورة الكهف حيث حفظ الله عز وجل حقوق اليتامى بسبب صلاح الأب، قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الكهف: 82].
http://youtu.be/Ajmca9ZQjl0
من مقادير الله أن يقدِّر على بعْض الرِّجال الوفاة، فيترُك خلْفه أولادًا صِغارًا فيتيتَّمون بفقْد أبيهِم، فهُم في حال ضعْفٍ وحاجةٍ؛ منهم من يحتاج إلى الإعانة المعيشية، من الطعام والشراب والكساء والعلاج والنفقات ...المختلفة، ومنهم من يحتاج إلى الرعاية النفسية والتربوية والأخلاقية، لذا فقد اعتنَى بهم الشَّارع وشرَع من الأحكام ما يضمن لهم حياةً كريمة آمِنة؛ حتَّى يعيشوا كغيرِهم، أحببت أن أعيش اليوم معكم في رحاب هؤلاء الأيتام وبعض ما يتعلق بهم.
بداية نريد أن نعرف من هو اليتيم؟ اليتيم شرعًا هو صغيرٌ ماتَ أبوه، فإذا بلغ الحُلُم لم يَعُدْ يَتِيمًا، روى الطبراني بإسناد صحيح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ ، وَلا يُتْمَ عَلَى جَارِيَةٍ إِذَا هِيَ حَاضَتْ). ولكن لا يُسلَّم له مالُه ـ إن كان له مال ـ إلا إذَا بلغ الرشد، وذلك يُعرَف باختباره في التصرُّفات المالية وغيرها، فإذا رأيناه يُحسن التصرُّف سلَّمناه ماله، لقوله تعالى: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...)[النساء 6]. فإذا بلغ الصبي اليتيم رشيدا ولكنه فقير فيكون الإحسان إليه من باب أنه فقير.
وقد وردت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تتكلم عن اليتامى وحقوقهم والإحسان إليهم، وأول ما يستوقفنا أن الله تعالى قد شرف الأيتام إلى أن تقوم الساعة بأن جعل صفوة خلقه وخيرة رسله محمد صلى الله عليه وسلم ينتسب إلى هذه الفئة فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى6]. وأوصاه وأوصانا باليتامى فقال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}[الضحى 9]، فإكرام اليتيم من صفات الصالحين الأتقياء، أما ظلم اليتيم وقهره فهو من صفات الكفار وأهل النار والعياذ بالله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون 1 ، 2].
كما أننا نجد أن الله تعالى قد أمر بالإحسان الشامل والبر والرفق بهؤلاء الأيتام، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[النساء 36]. فجعلهم ممن يستحق الإحسان، وأتى بذكرهم مباشرة بعد ذكر بر الوالدين وصلة الرحم، فالمسلم المتمسك بتعاليم الإسلام مطالب بذلك.
ولأنه غالبا ما يكون اليتيم قد فقد المصادر الأساسية للنفقة حيث مات الأب الذي هو عائل هذه الأسرة فإننا نجد أن الله عز وجل قد جعل الإنفاق على اليتامى من أبواب الصدقات، وحينما سأل أحد الأغنياء: على من أنفق؟ من أولى الناس بالإنفاق عليه؟ نزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة 215], وقال تعالى في وصف المؤمنين المتقين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان 8]. بل وبين لنا ربنا تبارك وتعالى أن من أسباب اقتحام العقبة يوم القيامة، والنجاة في ذلك اليوم العظيم، إطعام اليتيم، قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد14 – 15]. فإطعام اليتيم خاصة عند الحاجة وفي أزمنة الأزمات من أعظم القربات عند الله.
أما إذا كان اليتيم غنيا، وترك له أبوه أموالا قبل أن يموت، فمن الحقوق التي أعطاها الله عز وجل لهذا اليتيم أن يحافظ له المجتمع على ماله، فأنزل الله عز وجل الآيات التي تأمر أوصياء هذا اليتيم بالمحافظة على ماله، واستثماره وتنميته ومراعاة مصلحة هذا اليتيم، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة 220]، ويقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}[الأنعام 152]. فالواجب على مَن يلي أمْوال اليتامى ألا يتصرَّف فيها إلاَّ إذا كان في ذلك مصلحة لليتيم؛ فيسعى الوليُّ في تنمية مال اليتيم بالتِّجارة التي ليْس فيها مخاطرة، ويبتعد عن المعاملات المحرَّمة أو الَّتي فيها شُبَه. ويحذر ربنا تبارك وتعالى ويتوعد ويهدد من أكل مال اليتيم، ويبين لنا أن من أعْظم الذُّنوب: التَّفريط في أموال اليتامى، والتَّسبُّب في ضياعِها، سواءٌ كان بعدم حفظها أم بِعَدم المطالبة بها، أم أكل أموالِهم التي ورِثوها، أو ما يأتيهم من المسلمين؛ فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء 10].
وقد وردت كلمة كفالة اليتيم في أحاديث كثيرة سنذكر طرفا منها، ولكننا نريد أولا أن نذكر ماذا يقصد بكفالة اليتيم، لا شك أن المعنى الأساسي هو تحمل نفقاته وما يحتاج إليه من أجل حياة كريمة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، ومع ذلك فإن كفالة اليتيم لا تقتصر على النواحي المالية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه وتعليمه والاهتمام بصحته وإعداده نفسياً وتربوياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة، وتقوية روحه وعقله، وزرع الأمل في نفسه، والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يكون حرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم. ولذلك فإن هناك صورتان لكفالة اليتيم في الإسلام، الأولى: أن يظل اليتيم في مسكنه وتتولى أنت رعايته بكافة الوسائل وهذا هو المشهور في مجتمعنا اليوم، الثانية: أن تضمه إليك فتسكنه معك ليكون تحت رعايتك الكاملة، روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ). وهذا هو الأصل في كفالة اليتيم حيث أن اليتيمَ يَحتاج إلى تربية وتأديب، كما يحتاج إلى الطعام والشراب، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان تحت بصرك ورعايتك في كل وقت، بالطبع مع ملاحظة أن هذا اليتيم إذا بلغ وجب معاملته كأجنبي، ويجب على زوجته وبناته التحجب أمامه منذ البلوغ أو انتباهه لأمور النساء، ويحرم عليهن الخلوة به وغير ذلك مما ينطبق على الأجنبي . كما يجب أن يفصل بينه وبين أولاد الكافل له المختلفين عن جنسه ؛ في المضجع الذي ينامون فيه ، إذا قارب البلوغ ،لأن الفصل بين الذكور والإناث واجب منذ بلوغهم العاشرة ولو كانوا إخوة ، روى أبو داود بإسناد صحيح : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).
أما عن فضل كفالة اليتيم ورعايته فقد ورد في ذلك أحاديث نبوية كثيرة:
(1) روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. وهذا يبين المكانة العالية لكافل اليتيم وهي مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل السبب في ذلك أن النبي جاء كفيلا للبشر يصلح لهم من أحوال الدين والدنيا وهذا ما يفعله كافل اليتيم يرشد ويوجه وينفق على هذا اليتيم المحتاج إلى العون. مع ملاحظة أنَّ كلَّ واحد منهما له درجتُه الخاصَّة به؛ فلا يبلُغ درجة الأنبِياء غيرُهم؛ ولهذا فرَّج النَّبيّ صلَّى الله عليْه وسلَّم بين السبَّابة والوسْطى.
وروى مسلم عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (كَافلُ اليَتيِم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ) وَأَشَارَ الرَّاوِي وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أنَس بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. فالأجر ثابت سواء كان اليتيم قريبًا له - كأن يكون الكافل جدًّا أو جدَّة أو أمًّا، أو عمًّا أو عمَّة، أو خالاً أو خالةً، أو غيرهم من الأقارب - أم كان الكافِل أجنبيًّا عن اليتيم؛ بل أن الإمام النووي في شرح مسلم يخبرنا بأمر عجيب ، يقول: (كافِل اليتيم القائم بأمورِه، من نفقة وكسْوة، وتأْديب وتربية، وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصُل لِمن كفله من مالِ نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعيَّة)، يعني أنه يمكن للوصي أن يأخذ أجر كافل اليتيم على الرغم من أنه لا ينفق عليه من مال الكافل وإنما ينفق عليه من مال اليتيم نفسه، طالما راعى الله عز وجل في هذا اليتيم.
(2) روى الإمام أحمد بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: (إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ). فعلمنا النبي أن مسح رأس اليتيم علاج لقسوة القلب. وفى هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعا من أنواع الصدقة لا ينتبه إليه الكثيرون منا ألا وهو التصدق بالمشاعر والتبرع بالأحاسيس الذي يزيل سواد القلب وينظف ما بداخله من مرض.
(3) روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ). فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ظلم اليتيم وأكل ماله من السبع المهلكات التي تهوي بصاحبها في النار والعياذ بالله.
أخي الكريم، أنت غدا ميت، وربما تترك من خلفك أيتاما صغارا، هل تريد أن تؤمن مستقبل أبنائك بعد موتك؟ الحل أخبرك الله عز وجل به في كتابه العزيز حيث يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} [النساء: 9]، فمن اتَّقى الله في أموال اليتامى وغيرها، حفِظ الله ذرِّيَّته بصلاحه بعد وفاته؛ فيجب على ولي اليتيم أن يتَّقي الله في مال اليتيم، فيعمل فيه ما يحب أن يُعْمَل في أموال أولاده الصِّغار بعد وفاته؛ وليتأكد أن هذا العمل الصالح سيبقى لأبنائه من بعد، ولقد أخبرنا ربنا تبارك وتعالى بمثال واقعي في سورة الكهف حيث حفظ الله عز وجل حقوق اليتامى بسبب صلاح الأب، قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الكهف: 82].
http://youtu.be/Ajmca9ZQjl0
المشاهدات 3499 | التعليقات 2
بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا أخي زياد
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
الله يبارك فيك ويجزيك خيرا شيخ أيمن عرفات تحدثت عن حقوق طالما أهدرت وشخصيات طالما همشت وطاعات طالما نسيت واستغفلت.
حقا فأما اليتيم فلا تقهر.
تعديل التعليق