مِنْ حُرْمَةِ المُسْلِمِ على أَخِيه المُسْلِم (موافقة للتعميم)

د. محمود بن أحمد الدوسري
1444/06/25 - 2023/01/18 07:31AM

مِنْ حُرْمَةِ المُسْلِمِ على أَخِيه المُسْلِم

د. محمود بن أحمد الدوسري

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين, أمَّا بعد: المُسلِمُ شأنُه عظيم, وحقُّه كبير, وله حُرْمَةٌ على أخيه المُسلمِ, واللهُ تعالى يقول: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]. وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ, وَلاَ يَخْذُلُهُ, وَلاَ يَحْقِرُهُ... بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ؛ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ, وَمَالُهُ, وَعِرْضُهُ» رواه مسلم.

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ, مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لَحُرْمَةُ المُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ, مَالِهِ, وَدَمِهِ, وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا» صحيح لغيره – رواه ابن ماجه.

وسيكون حديثُنا عن حُرْمَةِ المُسْلِمِ على أَخِيه المُسْلِم, ومن ذلك:

1- لاَ يَغْتَابُه: حَرَّمَ اللهُ تعالى الغِيبَةَ, فقال سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]. وإنْ تَعْجَبْ؛ فاعْجَبْ من رَجُلٍ يُحافِظُ على الصَّلاةِ في الصفِّ الأوَّلِ؛ ويَسْهَرُ على لُحومِ الأبرياء! وقد حذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغِيبَةِ بقولِه: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ, وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوا المُسْلِمِينَ, وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» صحيح – رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ, إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» صحيح – رواه الترمذي.

2- لا يَحْسُدُه: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحَاسَدُوا» رواه مسلم. والنَّهْي للتحريم؛ لأنَّ الحَسَدَ مرضٌ خطير, مُهْلِكٌ للقلوب, وللدِّين والأخلاق, يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الحَسَدُ, وَالبَغْضَاءُ, هِيَ الحَالِقَةُ, لاَ أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ؛ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» حسن – رواه الترمذي. والحَسَدُ من رذائلِ الأخلاقِ القَبِيحةِ الفاسدة, ومن أشَدِّ معاصي القلوب, ومعاصي القلوب أشدُّ إثمًا من كثيرٍ من معاصي الجوارح. ويَدُلُّ الحَسَدُ على ضَعْفِ إيمانِ الحاسد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه. بل الحَسَدُ من صفات أقبحِ المخلوقات؛ فهو من صفاتِ إبليس, ومن صفاتِ اليهودِ والنَّصارى, و من صفاتِ المنافقين, وكفى بذلك زاجِرًا عنه.

3- لا يَغُشُّه: لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تَنَاجَشُوا» رواه مسلم. والنَّجْشُ: هو الزِّيادَةُ في السِّلعة, وهو لا يُريد شِراءَها؛ إمَّا بِنَفْعِ البائعِ بِزِيادَةِ الثَّمَنِ له, أو بِإِضْرارِ المُشْتَرِي بِتَكْثِيرِ الثَّمَنِ عليه. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّجْشِ» رواه البخاري ومسلم. وقال الإمامُ البخاريُّ رحمه الله: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ: آكِلُ رِبًا خَائِنٌ). وَهْوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ, لاَ يَحِلُّ. وفي الحديث: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا, وَالمَكْرُ وَالخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» صحيح – رواه ابن حبان.

4- لاَ يَظْلِمُه: الظُّلْمُ كبيرةٌ من أكبر الكبائر؛ لذا حرمَّه اللهُ تعالى: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي, وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا, فَلاَ تَظَالَمُوا» رواه مسلم. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه مسلم. وقال – لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» متفق عليه.

الخطبة الثانية

الحمد لله ... أيها المسلمون .. ومِنْ حُرْمَةِ المُسْلِمِ على أخيه المُسْلِم:

5- لا يُبْغِضُه: لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تَبَاغَضُوا» رواه مسلم. نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن التَّباغُضِ بينهم في غيرِ اللهِ تعالى؛ بل على أهواءِ النُّفوس. وعامَّةُ التَّباغُضِ بين المسلمين يكون بسببِ أمورٍ من أُمورِ الدُّنيا, واللهُ تعالى جَعَلَ المؤمنين إخوةً؛ فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10], والإِخْوَةُ يَتَحابُّون, ولا يَتَباغَضُون. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ» رواه مسلم.

6- لا يَهْجُرُه: لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تَدَابَرُوا» رواه مسلم. فهذا يَدُلُّ على تحريمِ التَّدابُر؛ وهو المُصَارَمَةُ, والهُجْرَانُ. مَأْخُوذٌ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ دُبُرَهُ، وَيُعْرِضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ التَّقَاطُعُ. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الهَجْرِ بقوله: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ» رواه البخاري.

وكُلُّ ما يُؤَدِّي إلى التَّحَابِّ, والتَّقَارُبِ بين المسلمين - مِنَ الأُمورِ الحَسَنَةِ, والجَائِزَةِ - فإنَّه مَأْمورٌ به. وكُلُّ ما يُؤَدِّي إلى التَّدابُرِ, والتَّقاطُعِ, والهَجْرِ, والبُغْضِ, ونَحْوِ ذلك؛ فهو مَنْهِيٌّ عنه.

7- لاَ يَخْذُلُه: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ, وَلاَ يَخْذُلُهُ» رواه مسلم. دَلَّ الحديثُ على تَحْريمِ خِذْلاَنِ المُسْلِمِ لأخيه المُسْلِم؛ لأنه مَأْمُورٌ بِنَصْرِ أخاه ظالِمًا أو مَظْلومًا. ونَصْرُه – إذا كان ظالِمًا: مَنْعُه مِنَ الظُّلْم. ويشهدُ له حديث: «مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا, فِيَ مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ, وَتُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ؛ إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» حسن لغيره – رواه أحمد.

8- لاَ يَحْقِرُه: لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ يَحْقِرُهُ... بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ؛ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ» رواه مسلم. فالحديثُ يَدُلُّ على تَحْريمِ احتقارِ المُسْلِمِ لأخيه المُسْلِم. والاحْتِقارُ نَاشِئٌ عن الكِبْرِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ, وَغَمْطُ النَّاسِ» رواه مسلم. والمُتَكَبِّرُ يَنْظُرُ إلى نفَسْهِ بِعَينِ الكَمَال, وإلى غيرِه بِعَينِ النَّقْص, فيَحْتَقِرُهم ويَزْدَرِيهم, ولا يَراهُمْ أهْلاً لأنْ يقومَ بِحُقوقِهِم, ولا أنْ يَقْبَلَ من أحَدِهم الحقَّ إذا أَوْرَدَه عليه.

المرفقات

1674016279_من حرمة المسلم على أخيه المسلم.docx

المشاهدات 1072 | التعليقات 0