مِنْ تَعَامُلَاتِ اَلنَّاسِ فِي اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَفَضَّل شَعْبَان

عايد القزلان التميمي
1444/08/04 - 2023/02/24 07:26AM
الحمد لله الذي أحل البيع وحرم الربا،، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ )) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا بيع فيه ولا خلال.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله جلَّ وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾
عِبَاد اَللَّهِ إِنَّ أَكْثَرَ اَلْمُعَامَلَاتِ وُقُوعًا بَيْنَ اَلنَّاسِ هُوَ اَلْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَقَدْ بَيَّنَ اَللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَنَبِيِّنَا صَلَوَاتِ اَللَّهِ وَسَلَامِهِ عَلَيْهِ فِي سُنَّتِهِ أَحْكَامَ اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَجَعْل لَهَا آدَابًا فَمِنْ ذَلِكَ اَلتَّحَلِّي بِالْأَخْلَاقِ اَلْفَاضِلَةِ فِي اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ،
فَالصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ فِي اَلتَّعَامُلِ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ اَلْمُؤَمَّنِ بِوَجْهٍ عَامٍّ ، وَلَكِنَّهُمَا مِنْ اَلصِّفَاتِ اَلَّتِي تُطْلَبُ فِي اَلتَّعَامُلَاتِ اَلْمَالِيَّةِ بِوَجْهٍ خَاصٍّ ، وَكَانَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ اَلتُّجَّارَ بِالْبَرِّ ، وَالصِّدْقِ ، وَالصَّدَقَةِ .
فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) .أخرجاه في الصحيحين
عباد الله و مرَّ رسولُ اللهِ برجلٍ يَبيعُ طعامًا حبوبًا فأعجبَه فأدخل يدَه فيه فرأَى بلَلًا فقال: (( ما هذا يا صاحبُ الطَّعامِ )) ؟ قال: أصابَتهُ السَّماءُ أي المطرُ فقال: (( فهلَّا جعلتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يَراهُ النَّاسُ ؟ مَن غشَّنا فلَيسَ منَّا)) أخرجه مسلم.
وقد عدَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَمَلَ هذا التَّاجِرِ غِشًّا، فقالَ: «مَن غشَّ فليْس مِنِّي»، أي: مَن خَدَعَ النَّاسَ بأيِّ صُورةٍ فليس على هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَّتِه وطَريقتِه، وهذا زَجرٌ شَديدٌ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفيه تَهديدٌ لمَن تَمادى في الغِشِّ بأن يَخرُجَ عن طَريقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
أيها المؤمنون وَمِنْ اَلْأَخْلَاقِ اَلَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا اَلْمُعَامَلَاتُ اَلتَّسَامُح وَالتَّسَاهُل فِي اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ اَلتَّعَامُلَاتِ قال صلى الله عليه وسلم  : ((رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى)). أخرجه البخاري
 
وَيَتَمَثَّلُ هَذَا اَلتَّسَامُحِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ ، مِنْهَا إِنْظَارَ اَلْمَدِينِ اَلْمُعْسِرِ ، فَإِنَّ اَللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: (( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ )) وَمِنْ أَحْكَامِ اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِقَالَةَ اَلْبَيْعِ ، أَيٌّ : اَلِاسْتِجَابَةُ إِلَى فَسْخِهِ إِذَا رَغِبَ اَلْمُشْتَرِي ذَلِكَ ؛ لِظُهُورِ عَدَمِ اِحْتِيَاجِهِ لِلسِّلْعَةِ اَلَّتِي اِشْتَرَاهَا ، فعنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني
وَالْإِقَالَةُ : هِيَ اَلْمُسَامَحَةُ ، وَالتَّرَاجُعُ عَنْ اَلْبَيْعِ ، أَوْ اَلشِّرَاءِ ، وَتَدُلَّ عَلَى كَرَمٍ فِي اَلنَّفْسِ .
عِبَاد اَللَّهِ وَمِنْ أَخْلَاقِ اَلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَدَمَ اِسْتِغْلَالِ حَاجَةِ اَلْمُحْتَاجِ إِلَى اَلشَّيْءِ بِالتَّحَكُّمِ بِهِ وَلِذَا نَهَى اَلْإِسْلَامُ عَنْ اَلِاحْتِكَارِ ، فِي اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((  لا يَحْتَكِرُ إلَّا خاطِئٌ ((  رواه مسلم
والاحتكارُ هو حَبْسَ السِّلَع عند الحاجة إليها من المُستهلكين لتَشُحّ في السوق، ثم يرتفع ثَمَنَها، قال جل وعلا (( وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ))
عِبَاد اَللَّهِ وَمِنْ عَظَائِمِ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي تُرْتَكَبُ فِي اَلتِّجَارَةِ اَلْحِلْفُ اَلْكَاذِبُ مِنْ أَجْلِ بَيْعِ اَلسِّلَعِ ، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ، فإنَّه يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ )) أخرجه مسلم
وَمِنْ صُوَرِ اَلْغِشِّ فِي اَلتِّجَارَةِ اَلتَّلَاعُبُ فِي اَلْمَوَازِينِ وَالْكَيْلِ ، قَالَ تَعَالَى مُحَذِّرًا مِنْ ذَلِكَ: (( فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين))  
عباد الله وقد نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن بعضِ أنواعِ البُيوعِ الَّتي مِن شأنِها أنْ تُؤَدِّيَ لِوُقوعِ الخِلافِ والتَّباغُضِ والغِشِّ بَيْنَ المسلِمينَ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَسُمْ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ) . أخرجه مسلم
أَمَّا السَّوْم عَلَى سَوْم أَخِيهِ ، فَهُوَ أَنْ يَكُون قَدْ اِتَّفَقَ مَالِك السِّلْعَة وَالرَّاغِب فِيهَا أي المُشتري عَلَى الْبَيْع وَلَمْ يَعْقِدَاهُ , فَيَقُول شخص آخر لِلْبَائِعِ : أَنَا أَشْتَرِيه وَهَذَا حَرَام بَعْد اِسْتِقْرَار الثَّمَن والسَّومُ على السَّومِ إنَّما يَحرُمُ إذا كانتِ السِّلْعةُ مَعْروضةً بغَيْرِ طَريقِ المُزايَدَةِ، واسْتَقَرَّ الثَّمَنُ بالتَّراضي بين المتعاقدَيْنِ، أما إذا كانت مَعْروضةً بطَريقِ المُزايَدَةِ، فلا بَأْسَ بذلك باتِّفاقِ أهْلِ العِلْمِ  .
فعليكَ أيها المسلمُ أنْ تَحْرِصَ على الكسبِ الحلالِ، وأنْ تحذرَ من الكسبِ الحرامِ. ألاَ وإنَّ منَ الكسبِ الحَرَامِ والذي كَثُرَ انتشارُهُ: ما يُعْرَف بالتستُّرِ التجاريّ، ومنه: فتحُ المواطن مَحَلاً تجارياً أو مؤسسةً باسم والدته أو زوجته وهيَ له، أو يفتح المحلَّ باسمه وهو للعاملِ، وهذا فيه أضرار اقتصادية وأمنية واجتماعية ولها أثر سيء على الفرد حيث يزيد من البطالة في المجتمع .أثر
عباد الله وَالتَّسَتُّرُ مُحَرَّمٌ بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَذِبًا وَزُورًا وَتَدْلِيسًا، وَمُجَرَّمٌ في ِالنِّظَامِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةٍ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْأَنْظِمَةِ الَّتِي أقرتها الدولة.  وقد أفتت  اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءِ عندما سُئلت عن ذلك حيث قالت : (لا يجوزُ ذلكَ لِما فيهِ من الكذبِ والمخادعةِ لوليِّ الأمرِ والاحتيالِ عليهِ ،) انتهى.
عِبَاد اَللَّهِ وَمِنْ اَلْأَخْلَاقِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ اَلْفَاضِلَةِ اَلَّتِي يَجِبُ عَلَى اَلتَّاجِرِ اَلْمُسْلِمِ اَلْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالتَّحَلِّي بِهَا اَلِالْتِزَامُ بِأَنْظِمَةِ اَلْعَمَلِ وَلَوَائِحِهِ وَقَوَانِينِهِ اَلْمُحَدَّدَةِ مِنْ اَلْجِهَاتِ اَلْحُكُومِيَّةِ وَطَاعَةُ وَلِيِّ اَلْأَمْرِ بِذَلِكَ من أجل ِحِفْظِ حُقُوقِ وَمَصَالِحِ اَلنَّاسِ وَالْمُجْتَمَعِ .
 
 بَارَكَ اَللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي اَلْوَحْيَيْنِ ، وَرزقنَا اِتِّبَاع سُنَةِ سَيِّد اَلْمُرْسَلِينَ ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمِ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَهَ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ
اَلصَّادِقُ اَلْأَمِينِ ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا     
   أما بعدُ فيا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَامِ نَسْتَقْبِلُ شَهْرِ شَعْبَانَ , وَهُوَ مِنْ أَيَامِ اللهِ التِي نَحْنُ مُتَعَبِدُونَ لِلهِ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّهُ بِكثرة الصيام , حَيْثُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا القَلِيْل , عباد الله وعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ : ( قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) حسنه الألباني
فَالصِّيَامُ فِيْ هَذِا الشَّهْرِ كَالرَّاتِبَةِ القَبْلِيَّةِ لِرَمَضَانَ , كَمَا أَنَّ صِيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّالَ كَالرَّاتِبَةِ البَعْدِيَّةِ . وَاَلذِيْ يَنْبَغِيْ لِلعَاقِلِ أَنْ يَغْتَنِمَ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهِ فِيْ طَاعَةِ الرَّبِ عَزَّ وَجَلَّ
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات

1677214178_من تعاملات الناس في البيع والشراء وفضل شعبان.docx

المشاهدات 642 | التعليقات 0