من الصفات الحميدة التفاؤل بالخير

عايد القزلان التميمي
1446/02/11 - 2024/08/15 14:19PM
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أما بعدُ فيا أيها المؤمنون : إنّ من الصفات الحميدة، التي حثّ عليها ديننا الإسلامي  وتُحوِّل الألم إلى أمل، والتشاؤم إلى تفاؤل، والضيقَ إلى سعة، والمُصيبة إلى خير ؛ لِمَا تشتمل عليه من حُسْن ظَنٍّ بالله -تعالى-،
هي صِفَةُ التَّفَاؤُل، وتوقُّع الخير في المستقبل، مَهْمَا اشْتَدَّت المصَائِب، ، فترى المُتَفَائِل رَاضِياً عَنِ الله، مُؤمناً بِقَضائِه وَقَدَرِه، ومُتدبرا لقوله تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
وأخرج اِلْبُخَارِيّ ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيّ : ((لا طِيَرَة، وَخَيْرهَا الْفَأْل))، قَالوا: وَمَا الْفَأْل يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: ((الْكَلِمَة الصَّالِحَة يَسْمَعهَا أَحَدكُمْ))، وَفِي رِوَايَة أخرى: ((لا طِيَرَة، وَيُعْجِبنِي الْفَأْل: الْكَلِمَة الْحَسَنَة الْكَلِمَة الطَّيِّبَة))، وَفِي رِوَايَة: ((وَأُحِبّ الْفَأْل الصَّالِح)).
عباد الله إن أعظم صفات المتفائلين هو ثقتهم المطلقة في الله، وحسن ظنهم برب العالمين، فمن أحسن ظنه بربه نال أعلى درجات التفاؤل، ووفقه الله لكل خير، وألهمه الحكمة (أنا عند ظن عبدي بي) حديث قدسي.
أيها المؤمنون : وأَعْظَمُ مَصْدَرٍ لِلتَّفَاؤُل هو القرآنُ الكَرِيم،: فَمَنْ أَسْرَفَ على نَفْسِهِ بِالمَعَاصِي ؛ فَعَلَيهِ أنْ يَتَدَبَّر قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ، وسيشعر بالفرحة والسرور.
وعندما يَضِيق بِكَ الرِّزْق ولا تَقْدِر على الإِنْفَاق, فَتَذَكَّر قول الله جل وعلا {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وَتَذَكَّر قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)(رواه أحمد وابن ماجة),.
والذي يَدْعُو اللهَ تعالى، وَلَمْ يَتَحَقَّق دُعَاؤُه، إذا قرأ قولَه تعالى: ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾ فالخير قد يكون في الشر، والسعادة قد تكون في الشدة، والفرح قد يكون في الحُزن.
بل كل المصائب والشدائد إذا ما قُورنت بِرَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِه هَانَت وذَهَبَت، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾
فَتِلْك البُشْرَى للْمُتَفَائِلِين الوَاثِقين بِرحْمَةِ الله.
عبادَ الله : إنَّ مَنْ يَنْظُر في سِيرة الأنبياء والمُرْسَلِين يَجِد التفاؤل ظَاهِراً في سِيَرهم، فهذا نوحٌ -عليه السلام- لَبِثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، لم يَيْأَسْ فيها من دَعوتِهِم واسْتِجَابَتِهم، ويعقوب -عليه السلام- بعد تطاوُل السنين والأعوام، ما زال يأمل في رُؤيةِ ابْنِه يُوسُف فيقول: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)  
 وأمَّا إمام الأنبياء والمرسلين، فقد كان أحسن الناس تَفَاؤُلاً وأمَلا وصبراً، فحِين عاد من الطائف بعد أنْ طردَه بنو عبدِ يالِيلَ وآذَوْهُ وَرَجَمُوه حتى أَدْمَوْه، وَقَدْ جَاَءَهُ مَلَك الجبال فقال: إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهم الأَخْشَبَيْنِ، فأجابه صلى الله عليه وسلم - وكلُّه تفاؤل وأمل، وصبر، ورحمة،: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شيئاً» رواه البخاري ومسلم. عباد الله
"تفاءلوا بالخير تجدوه"، ما أروعها من كلمة، وما أعظمها من عبارة. المتَفَائِل بالخير سَيْحُصد الخير في نِهَاية الطريق؛ لأن التفاؤُل يِدْفَعُ بالإنسان نحو العَطَاءِ والعَمَل ،
وكما قال ربنا تبارك وتعالى ((إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا )).
وإنّ أَسَاسَ التفاؤل عِندَ المؤْمِن الثِّقَة بِالله والرِّضَا بِقَضَاِئه، و أنّه لن يُصِيبَه إلاَّ مَا كَتَبَهُ اللهُ له .
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: فالتفاؤُل الذي نَتَحَدّثُ عنْهُ هو الذي يُولّد الهمّة ويَبْعَثُ العزيمةَ وَيُجَدِّدُ النَّشَاط. فتفاءلوا يا عباد الله فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان سَيَّدُ المُتَفَائِلِين:
بل كان مُتفائلا في أَمْرِه كُلَّه، في تِرْحَالِه وحِلِّهِ، وفي حَرْبِه وسِلْمِه.
فخبَّابٌ رضي  الله عنه يَشْكُو لهُ قَسْوَة مَا يَفْعَلُه الكُفَّار بالمسلمين فيقول: (( وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ)) البخاري.
وفي الهجْرَة يُحَاِصُره المُشْرِكُون في الغَار فيَقُولُ لأَبِي بَكْرٍ (( لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ معنَا ))، وقال أيضا ((ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما )) أخرجه البخاري ومسلم

وحتى في المرض يتفاءل صلى الله عليه وسلم وينهانا عن سَبِّ الحُمَّى  وقال (( فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدمَ كما يُذهبُ الكِيرُ خبثَ الحديدِ ))أخرجه مسلم  ويزورُ المريض صلى الله عليه وسلم   فيقول (( لا بَأْسَ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ)) أخرجه البخاري .
فَكُنْ مُتَفائِلا يا عبد الله في نظرتك للناس واحذر من النظرة المتشائمة فقد حذّر منها صلى الله عليه وسلم وكان يقول، ((إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ”)) رواه مسلم .أي: هو أشدُّهم هلاكا؛ بسبب يأسه وقنوطه وتشاؤمه.
عباد الله : والمتفائل دائمًا يتوقّع الخير ، يُحسن الظنَّ بالله، والله عز وجلّ بيده مقادير الأمور، وهو سبحانه سيكشف الضرَّ ، وسيجعل بعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فرجًا، وبعد الحُزْنِ سُرورًا، فتوكلوا على اللهِ في جَميعِ أحْوالِكُم .
فاللهُ يكفي مَنْ توكَّل عليه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المرفقات

1723721038_من الصفات الحميدة التفاؤل بالخير..docx

المشاهدات 411 | التعليقات 0