من السبع الموبقات أكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات

مبارك العشوان
1437/02/07 - 2015/11/19 15:51PM
إن الحمد لله...أما بعد: فاتقوا الله...مسلمون.
عباد الله: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ). في هذا الحديث العظيم؛ عباد الله: حذر النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب وعظائمها؛ ومن هذه الكبائر: أكلُ مال اليتيم. واليتيمُ: هو من مات أبوه وهو دون البلوغ.
ويتأكدُ التذكيرُ بحقوق اليتامى؛ في زمنٍ كهذا؛ كثُر فيه الأيتام وكثرت، وتنوعت أسبابُ اليُتْمِ، وفقدِ الآباء، فالمجاعات تُهلك والأمراض تُهلك، وحوادثُ السيارات تُهلك، والحروبُ التي تعصف بالعالم؛ تقضي كلَّ يوم على مئاتِ الرجال؛ فتُيتمُ أطفالَهم وتُرمِّل نساءَهم، والعلاقاتُ المحرمةُ أيها الناس؛ تُخَلِفُ أطفالا يخرجون إلى الدنيا فلا يجدون أبًا ولا أُمَّا؛ وهؤلاء كاليتامى، بل أشد حالا منهم، وقد سُئلتِ اللجنة الدائمة للبحوثِ العلميةِ والإفتاء: هل يُلحَقُ باليتيمِ مجهولُ النسب؟ فأجابت: بأن مجهولي النسب في حكم اليتيم لفقدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجة للعنايةِ والرعايةِ من معروفي النسب؛ لعدم معرفة قريبٍ لهم يلجئون إليه عند الضرورة، وعلى ذلك فإن من يكفُل طفلا من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم... الخ. عباد الله: حق اليتيم من أعظم الحقوق، وتضييعه من أعظم الظلم فاليتيم بأمس الحاجة إلى من يقوم عليه؛ إلى من يقوم بما يصلحه في دينه؛ من تربيته، وتعليمه، وتوجيهه، وتأديبه، وبما يصلحه

في دنياه؛ من مأكله، ومشربه، وملبسه، ومسكنه، وحفظ مالهِ وتنميته؛ حاجةُ اليتيمِ إلى كُلِّ هذا حاجة مُلِحَّة؛ وحتى تستشعر أخي المسلم مقدار حاجة اليتيم؛ تذكر تلك الساعة التي يقترب فيها أجلك وتودع فيها دنياك، ينظُر إليك أولادك، وتنظُر إليهم؛ تتمنى لهم راعيًا بعدك يقوم على تربيتهم ومعيشتهم.
أيها المؤمنون؛ أيها الجسد الواحد: لقد أمر الله تعالى بالإحسان لليتامى، وأجزل الثواب لمن قام على رعايتهم، وقرن حقهم مع حقوق أخرى بحقه جل وعلا؛ ففي القرآن الكريم: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83. وقال تعالى: { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36. وجاءت البشارة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعالي المنازل في جنات النعيم؛ لكافل اليتيم؛ ففي البخاري أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ). وعند مسلم: ( كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ...). ومعنى ( له أو لغيره) أي: سواء كان اليتيم قريباً منه كالأم تكفل ولدها اليتيم أو الجد أو الجدة أو الأخ أو كان لم يكن هناك قرابة. فكافل اليتيم يحوز هذا الأجر العظيم.
الإنفاق على اليتامى: من أفضل وجوه الإنفاق، والإمساك عنهم من أقبح وجوه الإمساك؛ فقد أثنى الله تعالى على عباده الأبرار:

فقال: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }الإنسان 8 عباد الله: وكما حث الله تعالى على إكرام اليتامى؛ ووعد عليه عظيم الثواب؛ فقد حذر تبارك وتعالى من ظلمهم وتوعد عليه بأليم العقاب، حذر تعالى، من التفريط في حقوق اليتامى والتقصير فيها، وأكلِ أموالهم؛ فقال جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } النساء 10 وقال تعالى: { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } الإسراء 34 وقال تعالى: { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } الفجر17 وقال تعالى: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ }الضحى9 وقال تبارك وتعالى:{ أَرَءيْتَ الَّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتـــِيمَ } الماعون:1-2 وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ ). رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني. ومعنى ( أُحَرِّجُ ) : أُلْحِقُ الحَرَجَ وَهُوَ الإثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا وَأُحَذِّرُ مِنْ ذلِكَ تَحْذِيراً بَليغاً، وَأزْجُرُ عَنْهُ زجراً أكيداً.
وفي هذا الحديث التأكيد على حق آخر، وهو حق المرأة؛ فلنتق الله في حقوق النساء؛ ليتق اللهَ كلُ قائمٍ على امرأة، أو مسئولٍ عنها، سواء كانت زوجة له، أو بنتا، أو أختا، أو خادمة،أو موظفة، أو غير ذلك. المرأةُ أيها الناسُ ضعيفة؛ ويزداد ضعفها، ويعظمُ على مجتمعِها حقُّها؛ إذا فقدت زوجَها، والقائمَ على رعايتها، وليبشرْ بعظيمِ الأجرِ مَن سعى عليها ففي الحديث: ( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ ) رواه البخاري.
ألا فاتقوا الله عباد الله في ضعفائكم، وأحسنوا يحببكم الله ويحسن إليكم. بارك الله لي ولكم ... وأقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية:
الحمد لله...أما بعد: فإن من الكبائر التي جاء هذا الحديث بالتحذير منها: ( التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ) وهو: الفرارُ يومَ الجهادِ ولقاءِ العدو في الحرب.
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الأنفال15-16 قال الإمام السعدي رحمه الله: يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان ... إلى أن قال: وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يولِّ دُبُرَهُ فَارًّا وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غِرَّتَهُ، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز... الخ.
عباد الله: ومن الكبائر التي جاء هذا الحديث بالتحذير منــــــــها: ( قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ) القذف هو الرمي بفاحشة الزنا واللواط، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات: أي رمي النساء العفائف الغافلات عن الفواحش بالفاحشة، بأن يقول لها يا زانية، أو ما يشبهها من الكلمات؛ ومثله قذف الرجل المحصن من كبائر الذنوب.

قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } النور 23، 25
قال الشيخ الفوزان حفظه الله: هذا جزاؤه في الآخرة، أما جزاؤه في الدنيا فهو عدة أمور: الأول: يقام عليه الحد بأن يجلد ثمانين جلدة إذا لم يأت بأربعة شهود يشهدون على ما نطق به لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } النور 4. الثاني: سقوط عدالته لقوله تعـــــالى: { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } النور آية 4 .
الثالث: وصفه بالفسق لقوله تعالى: { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } النور: 4، 5
ألا فاحفظوا ألسنتكم رحمكم الله؛ وطهروها عن الوقيعة في أعراض المسلمين.
ثم صلوا وسلموا...
المشاهدات 2050 | التعليقات 0