مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ: أَكْلُ الرِّبَا

مبارك العشوان 1
1446/07/30 - 2025/01/30 02:03AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ).

عِبَادَ اللهِ: فِتْنَةُ المَالِ مِنْ أَشَدِّ الفِتَنِ وَأَخْطَرِهَا؛ هُوَ فِتْنَةٌ فِي حُبِّهِ وَتَعَلُّقِ القُلُوبِ بِهِ؛ فِتْنَةٌ فِي الحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلَى جَمْعِهِ وَتَنْمِيَتِهِ؛ فِتْنَةٌ فِي إِنْفَاقِهِ وَإِسْرَافِهِ، وَفِي البُخْلُ بِهِ وَإِمْسَاكِهِ.

وَالمَالُ الحَرَامُ شَرٌّ وَوَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ؛ شَرُّ عَلَيهِ فِي حَيَاتِهِ وَحَتَّى بَعْدَ مَمَاتِهِ.

وَإِنَّ مِنَ الأَمْوَالِ المُحَرَّمَةِ؛ بَلْ مِنَ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ المُوبِقَاتِ المَهْلِكَاتِ: أَكْلُ الرِّبَا؛ فَهُوَ كَبِيرَةٌ؛ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَهَا، أَوْ كَانَ عَوْنًا لِفَاعِلِهَا؛ يَقُولُ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ   وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ].

وَيَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَابَاةُ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ.

وَيَقُولُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: عَدُّ الرِّبَا كَبِيْرَةً، هُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيهِ؛ اِتِّبَاعًا لِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ كَبِيرَةً، بِلْ هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ وَأَعْظَمِهَا. اهـ

عِبَادَ اللهِ: حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الرِّبَا، وَحَرَّمَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَتَوَعَّدَ عَلَيهِ بِأنْوَاعٍ مِنَ الوَعِيدِ، وَأَمَرَ بِتَرْكِهِ وَعَدَمِ العَوْدَةِ إِلَيهِ؛ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:

{ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[البقرة  275]

وَقَالَ: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة  276] قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: يُخبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَمْحَقُ الرِّبَا أَيْ: يُذْهِبُهُ؛ إِمَّا بِأَنْ يُذْهِبَهُ بِالكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أوْ يَحْرِمُهُ بَرَكَةَ مَالِهِ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ؛ بَلْ يُعْدِمُهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ يَومَ القِيَامَةِ... وَفِي مُنَاسَبَةِ خَتْمِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: { وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم } أنَّ الْمُرَابِي لَا يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ مِنَ الحَلَالِ، وَلَا يَكْتَفِي بِمَا شَرَعَ لَهُ مِنَ الكَسْبِ المُبَاحِ، فَهُوَ يَسْعَى فِي أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ بأَنْوَاعِ المَكَاسِبِ الخَبِيثَةِ، فَهُوَ جَحُودٌ لِمَا عَلَيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، ظَلُومٌ آثِمٌ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ. اهـ

وَمِمَّا جَاءَ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الرِّبَا: أَمْرُ اللهِ بِتَرْكِهِ، وَإِيْذَانُهُ بِالحَرْبِ لِمَنْ لَمْ يَتْرُكْهُ، وَوَصْفُهُ بِالظُّلْمِ؛ قَالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } [البقرة 278ـ 279 ]

وَمِنَ الوَعِيدِ لِآكِلِ الرِّبَا: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَنَّهُ أَتَى: (عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ؛ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ... ) إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ، وَفِيهِ: ( وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا...)[رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا العِقَابَ لَهُ.

أَعَاذَنِي اللهُ وَإيَّاكُمْ مِنْ عِقَابِهِ، وَجَنَّبَنَا الرِّبَا وَالحَرَامَ بِكُلِّ صُوَرِهِ، وَرَزَقَنَا الرِّزْقَ الطَّيِّبَ الحَلَالَ.

 

الخطبة الثانية:

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ طَلَبَ الرِّزْقِ الحَلَالِ أَمْرٌ مَحْمُودٌ شْرْعًا وَطَبْعًا  قَالَ تَعَالَى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الجمعة 10]

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

فَلْنَطْلُبِ الرِّزْقَ فِيمَا أَبَاحَ اللهُ، وَلْنَبْتَعِدْ كُلَّ البُعْدِ عمَّا حَرَّمَ اللهُ  وَلْنَعْلَمْ أَنَّ قَلِيْلًا يُغْنِي خَيرٌ مِنْ كَثِيْرٍ يُلْهِي، وَأَنَّ فِي الحَلَالِ غُنْيَةٌ عَنِ الحَرَامِ، وَأَنَّ الخَيْرَ وَالبَرَكَةَ فِي الحَلَالِ وَلَوْ قَلَّ  وَالشَّرَّ وَالمَحْقَ فِي الحَرَامِ وَلَوْ كَثُرَ.

وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ الإِنْسَانَ مَهْمَا حَصَّلَ مِنْ مُتَعِ الدُّنْيَا، وَمَهْمَا جَمَعَ مِنْ كُنُوزِهَا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ يَومٍ يُفَارِقُهَا أَوْ تُفَارِقُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ يَومٍ يُسْأَلُ فِيهِ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ.  

يَقُولُ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللهُ: مُصِيبَتَانِ لَمْ يَسمَعِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِمِثْلِهِمَا لِلْعَبْدِ فِي مَالِهِ عِنْدَ المَوتِ، قِيْلَ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلُّهُ، وَيُسْأَلُ عَنْهُ كُلُّهُ.

لِنَطْلُبِ الرِّزقَ بِعَمَلِ أيدِينْا، أَوْ بِالبَيْعِ المَبْرُورِ الذِي لَا رِبَا فِيهِ وَلَا غِشَّ، أَوْ بِالعَمَلِ الوَظِيفِي؛ وَلْنُؤَدِّهِ كَمَا طُلِبَ مِنَّا.

ثُمَّ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ الشُّبُهَاتِ؛ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ  وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ.

لِنَسْأَلْ عَنِ المُعَامَلَاتِ قَبْلَ الإِقْدَامِ عَلَيْهَا؛ وَلْنَعْرِفْ مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ؛ سَوَاءً كَانَتْ بَيْعًا، أَوْ شِرَاءً، أَوْ إِجَارَةً، أَوْ قَرْضًا، أَوْ مُدَايَنَةً، أَوْ أَسْهُمًا.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1738191779_4حديث( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... )1446.pdf

1738191780_4حديث( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... )1446.docx

المشاهدات 303 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا