من الانتصارات التاريخية للمسلمين على أعدائهم


من الانتصارات التاريخية للمسلمين على أعدائهم 1 ربيع الثاني 1438[1]
الحمدلله وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, لا ناصر إلا هو سبحانه وتعالى ولا رب لنا سواه, وأشهد أن سيدنا محمدا رسول رب العالمين وقدوة الناس أجمعين, نُصر بالرعب مسيرة شهر, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون وتمسَّكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم, تفلحوا وترشدوا وتنتصروا على أعدائكم.
عباد الله: يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}[2] قال الإمام السعدي رحمه الله: (هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره, وأما الذين كفروا بربهم، ونصروا الباطل، فإنهم في تعس، أي: انتكاس من أمرهم وخذلان)[3].
أيها المسلمون: لقد خلَّد التاريخ انتصارات المسلمين على أعدائهم ومن أهم تلك الانتصارات, انتصارهم على المرتدين في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وانتصارهم قبلها على المشركين في بدر وفي أحد ويوم الأحزاب, وغيرها من المعارك التي خاضها المسلمون, ومن أعظمها نصراً الانتصار على الروم في اليرموك عام ثلاثة عشر وعلى الفرس في القادسية عام خمسة عشر من الهجرة, وكذلك انتصار المسلمين في معركة فتح الفتوح نهاوند عام واحدٍ وعشرين من الهجرة فتمزَّقت امبراطورية فارس إلى الأبد, وانهزم الروم بعد اليرموك حتى انزووا في روما معقل النصارى في أوربا, واتسعت رقعة الخلافة الراشدة في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما حتى بلغت المغرب الأقصى غرباً والصين وإلى ما وراء السند وبلاد الهند شرقاً وأذربيجان بروسيا شمالاً, وخضعت معظم المعمورة لحكم المسلمين, وجاءت الخلافة الأموية وفتحت الأندلس في أوربا وبقي المسلمون حكَّاما لها قروناً كثيرة, ثم بعد ذلك جاءت الخلافة العبَّاسية وما زالت في انتصارات متتابعة قروناً متعددة ثم بعدها الدولة العثمانية واستمرت قروناً.
أيها المسلمون: لم تكن انتصارات المسلمين بدعاً من الأمر, بل كانت بنصر الله لهم, وذلك لمَّا نصروا دينهم, وجاهدوا أعداءَهم جهاداً كبيراً قال تعالى: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[4] قال الإمام السعدي: (لا تطع الكافرين في ترك شيءٍ مما أُرسلت به, بل ابذل جهدك في تبليغ ما أرسلت به, وجاهدهم بالقرآن جهادًا كبيرًا أي: لا تبق من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل إلا بذلته ولو رأيتَ منهم من التكذيب والجراءَة ما رأيت فابذل جهدك واستفرغ وِسعك، ولا تيأس من هدايتهم ولا تترك إبلاغهم لأهوائهم)[5].
أيها المسلمون: عندما احتل الصليبيون بيت المقدس, قيَّض الله للأمَّة مجاهداً كبيراً وناصراً للإسلام موفَّقاً وهو القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فقد حرص على جمع شمل المسلمين وغلَّب المصالح العامة للأمَّة وأبعدَ الرافضة فلم يكونوا في جيشه الذي انتصر فيه على الصليبيين في معركة حطين, فعاد بيت المقدس إلى أهله المسلمين, وذلك في الخامس والعشرين من ربيع الثاني عام ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة من الهجرة حيثُ بلغ عدد المسلمين فيها خمسة وعشرون ألفا وعدد الصليبيين ثلاثٌ وستون ألفا.
عباد الله: ومن انتصارات المسلمين الكبرى انتصارهم على المغول في معركة عين جالوت في الخامس والعشرين من رمضان عام ثمانٍ وخمسينَ وستمائة من الهجرة بقيادة المظفر المملوكي سيف الدين قطز رحمه الله وتخطيط من القائد الظاهر دين بيبرس رحمه الله وذلك بعد أن سقطت بغداد بخيانةٍ من الوزير ابن العلقمي الرافضي وتسليم دمشق وسقوط حلب وغيرها من المدن الشامية والعراقية في يد المغول, لأن المسلمين حينها يُحارب بعضهم بعضاً, ولم يتحدوا في مواجهة العدو المشترك المتمثل في التحالف المغولي الصليبي الرافضي, فما كان من المظفَّر قطز رحمه الله إلا أن وحَّد صفوف جيشه وجمع ما استطاع من القوة والجنود وحثهم على اجتماع الكلمة والجهاد في سبيل الله, ونادى في الناس بحيَّ على الجهاد, فاجتمعت كلمة المسلمين على يده بعد أن أقام العدل في الناس, ولقد أثنى عليه علماء عصره ثناءً عاطراً لصلاحه وصدقه وغيرته على دين الإسلام ومناصرته للمسلمين في الشام والعراق, ولاحق المغول بعد عين جالوت حتى طردهم ورجعوا من حيث أتوا أذلة صاغرين, وسلمت بلاد المسلمين من استمرار بطش المغول وإفسادهم.
عباد الله: إنَّ في المسلمين في هذا العصر من القوة ومن مقوِّمات التمكين في الأرض ما ليس عند غيرهم, إلا أنَّ الركون إلى الدنيا, وغلبة الطمع فيها, وعدم النظر في المصالح العامة للمسلمين, وكثرة النزاع والشقاق أدَّى بهم إلى ما ترونه من ضعف وتسلُّط العدو الأثيم.
أيها المسلمون: إنَّ الإسلام وأهله هم المنتصرون وهم للأرض وارثون, قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}[6] وقال تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[7] وقال تعالى:{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[8] قال الإمام السعدي رحمه الله: (الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم، وهذه بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند الله، بأن كانت أحواله مستقيمة، وقاتل من أمر بقتالهم، أنه غالب منصور)[9].
عباد الله: إنَّ على المسلم أن يتيقن بأنَّ نصر الله لعباده المؤمنين متحقق لا محالة, مهما ادلهمت الأمور وعظمت النوازل, ومهما مكر الأعداء ومهما أجلبوا علينا بخيلهم ورجلهم, فهم مهزومون ونحن بحول الله وقوته ومشيئته منتصرون, ولكن من هم المنتصرون منَّا؟! إنهم من أقاموا دين الله حق القيام, واتبعوا ما جاء في السنة والقرآن, ولن تزال الحرب قائمة بين المسلمين والكفار إلى قيام الساعة وحتى ينطق الحجر؛ نصرة للمسلمين, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ) متفق عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني...
[1] خطبة تم إعدادها ضحى الأحد 26 ربيع الأول 1438هـ عمر المشاري (سدير-الداخلة).

[2] سورة محمد: (7، 8).

[3] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 785).

[4] سورة الفرقان: (52).

[5] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 584)

[6] سورة الحج (40/41).

[7] سورة الأعراف (128).

[8] سورة الصافات (173).

[9] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 709)
المرفقات

من الانتصارات التاريخية للمسلمين على أعدائهم.docx

من الانتصارات التاريخية للمسلمين على أعدائهم.docx

المشاهدات 1104 | التعليقات 0