مِنْ الْإِحْسَاسِ إلَى الْوَعْي 1445/11/16ه

يوسف العوض
1445/11/11 - 2024/05/19 13:51PM

عِبَادَ اللهِ : الْمُؤْمِنُونَ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَدٌ وَاحِدَةٌ، وَجِسْمٌ وَاحِدٌ، وَبُنْيَانٌ وَاحِدٌ، وَالْجَمِيعُ مَسْؤُولُونَ عَنِ تَبْلِيغِ دِينِ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَاوُنِ وَالتَّأَزُرِ وَالتَّضَامُنِ مَعَ السَّعْيِ الْجَادِّ إلَى تَغْيِيرِ وَاقِعِ الْأُمَّةِ وَنَقْلِهَا مِنْ مُجَرَّدِ الْإِحْسَاسِ إلَى الْوَعْي بِأَسْبَابِ الْوَاقِعِ وَالطَّرِيقِ إلَى إخْرَاجِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَاقِعِ، التَّعَاوُنُ مِنْ أَجْلِ تَمْكِينِ مَنْهَجِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي الْأَرْضِ قَاطِبَةً مَطْلَبٌ وَضَرُورَةٌ، تَجْعَلَ كُلَّ فَرْدٍ يُضَافُ إلَى الْاخَرِ ثُمَّ تُسْتَثمرُ كَافَّةُ الْعُقُولِ وَالسُّواعدِ وَالدَّقَائِقِ، "وَالْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"وَكُلٌّ يَسْتَفِيدُ مِنْ الْاخَرِ، وَالْخَيْطُ الْوَاهِي إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِثْلُهُ أَصْبَحَ حَبْلًا مَتِينَاً يَجُرُّ الْأَثْقَالَ.

عِبَادَ اللهِ : ذَكَرَ صَاحِبُ (مَوَاقِفُ إِيمَانِيَّةٌ) أَنَّهُ فِي حَجِّ ١٣٩٥هـ رَأَى آلَافُ الْحَجَّاجِ مَنْظَرًا يُثِيرُ الْمَشَاعِرَ وَيَسْتَجِيشُ الْمَدَامِعَ، شَاهَدُوا حَاجَّيْن أَحَدُهُمَا أَعْمَى قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ، وَالثَّانِي مَشْلُولٌ بَصِيرُ الْعَنْينِ، أَرَادَ الْأَعْمَى أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ بَصَرٍ الْمَشْلُولِ، وَأَرَادَ الْمَشْلُولُ أنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ حَرَكَةِ الْأَعْمَى، فَاتَّفَقَ الْحَاجَّانِ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ الْأَعْمَى الْمَشْلُولَ فَالْحَرَكَةُ مِنَ الْأَعْمَى وَالتَّوْجِيهُ مِنَ الْمَشْلُولِ، وَقَامَا بِتَأْدِيَةِ الْمَنَاسِكِ عَلَى مَشَقَّةٍ وَجَهْدٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ فَالْأَمْرُ لَيْسَ هَيِّنًا وَكُلُكُمْ يَعْلَمُ عِنْدَ الطَّوَافِ زِحَامٌ، وَعِنْد السَّعْي زِحَامٌ، وَعِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ زِحَامٌ، وَفِي كُلِّ مَكَانس زِحَامٌ، لَكِنَّ الْعَزِيمَةَ الصَّادِقَةَ، وَالثِّقَةَ بِاَللَّهِ عَظِيمَةٌ، وَرَجَاءَ مَا عِنْدَهُ يُنْسِي الْمَتَاعِبَ وَالْمَكَارِهَ وَالْمَشَقَّةَ، أَدَّوْا فَرِيضَتَهُمْ ضَارِبِينَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةَ فِي التَّعَاوُنِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْ الطَّاقَاتِ، هَذَا كُلُّهُ فِي تَعَاوُنِ اثْنَيْن فَكَيْفَ لَوْ تَظَافَرَتْ جُهُودُ أُمَّةِ بِطَاقَاتِهَا وَمَوَاهِبِهَا، وَإِمْكَانَاتِهَا فِي خِدْمَةِ دِينِهَا، كَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ لَا شَكَّ أَنَّهُ سَيَكُونُ:

كَالْبَحْرِ يَقْذِفُ لِلْقَرِيبِ جوَاهِراً** جُودًا وَيَبْعَثُ لِلْبَعِيدِ سَحَائِباً

عِبَادَ اللهِ : إنَّ التَّعَاوُنَ طَرِيقٌ إلَى الْبِنَاءِ وَالنَّجَاحِ، وَنَظْرَةٌ يُلْقِيهَا الْمَرْءُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ تُؤَكِّدُ هَذَا الْأَمْرَ (أُمَّةُ النَّحْلِ أُمَّةُ عَجِيبَةٌ، طَائِفَةٌ مِنْها تَبْنِي الْبُيُوتَ، وَطَائِفَةٌ تَنَظُّفُهَا، وَطَائِفَةٌ تَحْرُسُهَا وَتَحْمِيهِا، وَطَائِفَةٌ تَدُلُّ عَلَى مَوَاضِعِ الْأَزْهَارِ، وَطَائِفَةٌ تَمْتَصُّ الرَّحِيقُ لِتَأْتِيَ بِهِ وَتُخْرِجُ الْعَسَلَ اللَّذِيذَ " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ"

وَالنَّمْل تَبْنِي قُرَاهَا مِنْ تَمَاسُكِهَا ... وَالنَّحْلُ يَجْنِي رَحِيقَ الزَّهْرِ أَعْوَانًا

يَقُولَ احَدُهُمْ كَلامَاً رَائعَاً :(رَغِيفُ الْخُبْزِ عَلَى صِغَرِ حَجْمِهِ لَا يَصِلُ إلَى الْإِنْسَانِ إلَّا بَعْدَ عَمَلِ عَشَرَاتٍ بَلْ مِئَاتٍ مِنْ الْبَشَرِ تَعَاوَنَتْ عَلَى تَجْهِيزِهِ وَأَعْدَادِه وَتَقْدِيمِه، وَمَنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَسْأَلْ نَفْسَهُ: مَنْ حَرَثَ الْأَرْضَ؟ وَمَنْ بَذَرَ الْحَبَّ؟ وَمَنْ سَقَاهُ بِالْمَاءِ؟ وَمَنْ نَظَّفَ الْحَشَائِشَ عَنْهُ؟ وَمَنْ حَرَسَهُ؟ وَمَنْ حَصَدَهُ وَمَنْ نَقَلَهُ إلَى الْجُرْنِ؟ وَمَنْ دَاسَه؟ وَمَنْ طَحَنَه؟ وَمَنْ خَبَزَهُ؟ وَمَنْ بِالنَّار سَوَّاهُ؟ وَمَنْ إلَيْنَا حَمَلَهُ؟ وَمَنْ قَدَّمَهُ؟ وَمَنْ؟ وَمَنْ؟ وَمِنْ؟ ...

هُنَاكَ أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ!! هَذَا الْجَهْدُ فِي رَغِيفِ الْخُبْزِ، فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ فِي خِدْمَةِ دِينِ اللَّهِ ! وَالتَّمْكِينِ لَهُ، فِي بِنَاءِ النُّفُوسِ، فِي صُنْعِ الرِّجَالِ، فِي كَشْفِ الظُّلْمِ وَأَنَارَةِ الْبَصَائِرِ، إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَظَافُرِ طَاقَاتٍ وَقُدُرَاتٍ، مَع صَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ وَثَبَاتٍ، "وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" .

عِبَادَ اللهِ : لنَتركْ اللَّوْمَ وَالتَّوْبِيخَ، فَاللَّوْمُ لَا يُحَرِّكُ وَلَا يَجْمَعُ، وَالتَّفْتِيشُ عَنْ الثَّغَراتِ الَّتِي يَدْخُلُ مِنْهَا الدَّاءُ أَوْلَى! وَعِنْدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ الْهُمُومِ مَا يَكْفِيهِ، وَلَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَى مُعَكِّرٍ إضَافِيّ، فَلْيُحَوَّلْ كُلٌّ مِنَّا أَخَاهُ إلَى دَاعِيَةٍ مَعَه يَحْمَلُ هَمَّ الدَّعْوَةِ.

عِبَادَ اللهِ : قَلِيلٌ دَائِمٌ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مُنْقَطِعٍ، وَالدَّيْمُومَةُ وَالِاسْتِمْرَارُ فِي الْعَطَاءِ تَجْعَلُ الْعَمَلَ وَإِنْ كَانَ ضَئِيلاً أَصِيلًا مُسْتَطَاعٌا مَذَلَّلاً يُقَامُ بِهِ فِي غَيرِمَا عَنَاء، لَيْس الْمُهِمُ قَدْرَ العَمَلِ بَلْ الِاسْتِمْرَارُ فِي أَدَائِهِ، فَالقَطْرَةُ الدَّائِمَةُ تُصْبِحُ سَيلَاً عَظِيماً.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ : قال تعالى:" وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" ، (فهذه السُّورةُ العظيمةُ القصيرةُ اشتمَلت على معانٍ عظيمةٍ، من جملتِها: التَّواصي بالحَقِّ، وهو التَّعاوُنُ على البِرِّ والتَّقوى) وَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى".

المرفقات

1716117438_التعاون.docx

المشاهدات 712 | التعليقات 0