من أشراط الساعة الصغرى (1)

مريزيق بن فليح السواط
1433/07/04 - 2012/05/25 00:22AM

إن الحمد لله...

أما بعد: ففي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أتتكم الساعة بغتة، بعثت أنا والساعة هكذا، صبحتكم ومستكم" أي: توقعوا قيامها، وترقبوا مجيئها، فكأنكم بها وقد فاجأتكم على بغتة، في الصباح أو في المساء، فابدروا إلى التوبة، وازهدوا في الدنيا، وتذكروا الآخرة وأهوالها، "إن ما توعدون لأت وما أنتم بمعجزين".

عباد الله:
إن الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، فلم يترك خيرا ألا دلَّ أمته عليه، ولا شرا إلا حذرها منه، ولما كانت هذه الأمة هي أخر الأمم، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل، خصها الله تعالى بظهور أشراط الساعة فيها، فبينها لهم في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبر أن هذه العلامات خارجة فيهم لامحالة، فأوجب عليهم الإيمان بها، والتصديق بما جاء عنها، حتى يستعدوا لها، ويتزودوا بالصالحات قبل وقوعها، قال تعالى: "أن تقولَ نفسٌ يا حسرتى على ما فرطتُ في جنب الله وإن كنتُ لمن الساخرين. أو تقولَ لو أن الله هداني لكنتُ من المتقين. أو تقولَ حين ترى العذابَ لو أن لي كرةً فأكونَ من المحسنين".
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الساعة أحمرت عيناه، وعلى صوته، وأشتد غضبه، كأنه نذير جيش صبحكم ومساكم، وكان الصحابة رضي الله عنهم مع رسوخ إيمانهم، وصدق تدينهم، وكثرة تعبدهم، يشفقون من قيام الساعة، ويخافون من وقوعها، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذات غَداة الدجال فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل. فخافوا من خروجه لعظم فتنته، وشدة محنته، فذكر أشراط الساعة ليس للتسلي والتشويق، وليس لقضاء الوقت في الحديث عن غرائبها وعجائبها، وليس من باب الترف العلمي، بل تذكر أخبارها، ومقدمات وقوعها، ليزداد الناس إيمانا وتصديقا بها، فيبادروا أجالهم بما ينفعهم عند مولاهم، ويحذروا من الغفلة قبل حسابهم، ويتفكروا في عاقبة أمرهم وتفريطهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم، " إقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا، ولا يزدادون من الله إلا بُعدا" وذلك لعماهم عن عاقبة أمرهم، وإستحكام الغفلة على قلوبهم، وركونهم إلى الدنيا وملذاتها.

أيها المسلمون:
أشراط الساعة منها أشراط صغرى، وأشراط كبرى، وحديثنا عن بعض أشراط الساعة الصغرى، ومن ذلك ماأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من ضياع الأمانة فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة" فقالت: كيف إضاعتها يارسول الله؟ قال: "إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فأنتظر الساعة" قال بن بطال رحمه الله: ومعنى "أسند الأمر إلى غير أهله" أي أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلَّدوا غير أهل الدين، فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها. وهذا أمر مشاهد اليوم فأمور الناس من إمارة، ووزارة، وقضاء، وفتوى، وتدريس، وغيرها من الوظائف، تُسند إلى غير القادرين عليها، الحريصين على تسييرها، فضاعت حقوق الناس، واسْتُخف بمصالحهم، حتى غارت صدورهم، وثارت الفتن بينهم، فأصبحت الوظائف والترقيات، ليست بالقدرات والشهادات، وإنما بالمعرفة والواسطات، وإعطاء الحقوق، وإنهاء المعاملات، ليس بالنظام واتباع الإجراءات، وإنما بالرشوة، وأكل المال بالسحت، لقد اضطربت الموازين، وفسدت القيم، حتى وصلنا إلى درجة انطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة في أمر العامة" قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه" واستمر مسلسل السقوط، ووسد الأمر إلى غير أهله، وندُر أن تجد الأمين، فقام سوق التزكية بالباطل، وتوزيع الألقاب على من لا يستحقها _مفكر، محامي، مهتم بشئون المرآة_ وهو في الحقيقة خائن لأمته، مضيع لدينه وأمانته، مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى يقال للرجل: ما أجلده! وما أظرفه! وما أعقله! ومافي قلبه مثقال حبة خردل من إيمان".

ومن أشراط الساعة ظهور الفُحش، وقطيعة الرحم، وسوء المُجاورة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يَظهر الفُحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المُجاورة" وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فانتشر الفُحش، وسُمع البذيء من الكلام، عند كثير من الناس غير مبالين بما يقولون، ولا مكترثين بما يتحدثون، فغدا الرجل يتحدث بما يرتكب من المعاصي والمنكرات، ويتفاخر بما وقع فيه من الموبقات، ويتباها بها أما أقرانه، بل زاد الأمر حتى وصل إلى قيام البعض بتصوير أفعاله الأثمة، وتصرفاته المشينة، وعرضها على أصدقائه وأصحابه، استخفافا بعقوبة الله، واظهارا للعناد، وتجسيرا للوقوع فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يُصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه".
وأما قطيعة الرحم فقد عمت لغلبة الجهل، وانتشار الأنانية وحب الدنيا، والانشغال بها، فأصبح الأبن لا يصل أبويه، والقريب لا يزور قريبه، واستكثر البعض حتى رفع سماعة الهاتف ليتفقد أحوال قرابته، ويسأل عن حال أهله وأرحامه، فالتقاطع والتدابر سمة هذا العصر والله والمستعان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذلك لكي، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقرووا إن شئتم "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم".
وأما سوء الجوار، فحدث ولا حرج، فكم من جار لا يعرف جاره؟ ولا يتفقد أحواله؟ بل لا يكف شره عنه؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره".

ومن أشراط الساعة إتباع سَنن اليهود والنصارى، والتشبه بهم، والتخلق بأخلاقهم، والاعجاب بحضارتهم وعادتهم وتقاليدهم، عن إبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع" فقيل يا رسول الله: كفارس والروم؟ قال: "ومن الناس إلا أولئك" وقد وقع التشبه بالكفار فتشبه بعض رجالنا برجالهم، ونسائنا بنسائهم، وافتتنوا بهم، واقتفوا أثرهم، وأتبعوا طرائقهم، حتى لو دخلوا مدخلا ضيق وردئ كجحر الضب لتبعهم الناس، فرئينا موضات عفنة، وقصات مستنكرة، وتقليعات غريبة، تجد شاب قد وضع سلسالا على صدوره!!! وآخر يلبس بنطلون ضيق من الأسفل، واسع من الآعلى يكاد أن يسقط!!! وثالث يجعل شعر رأسه كأكوام القش!!! أما النساء فالموضة جعلت من ملابس بناتنا، وقصات شعورهن، بل حتى مشيتهن، أضحوكة لكل العقلاء!!!!
عباد الله:
ومن أعظم وأشنع أنواع التشبه بالكفار الإحتكام الى قوانينهم، ونبذ الشريعة، وترك التحاكم إلى الكتاب والسنة، واستعاضة زبالة أذهان الغرب، وحثالة أفكارهم، وفرضها على الناس، وادعاء كمالها وعدلها، ومسواتها بين الناس "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون".


الحمد لله على إحسانه...
عباد الله:
ومن أشراط الساعة فشو الزنا، وكثرته بين الناس، فعن أنس رضي الله عنه قال: لأحدثنّكم حديثًا لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله يقول: "من أشراط الساعة أن يَقلَّ العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد" وعن بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعه حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير" قلت: إن ذلك لكائن؟ قال: "نعم ليكونن" ولقد فشا الزنا اليوم في كثير من المجتمعات نتيجة الحرية المزعومة للمرآة، واختلاطها بالرجال، والخلوة بهم، وانتشار وسائل الفساد، والأندية الليلية، وشواطئ العراة. والقنوات الفضائية تبث الصور الفاتنة، والأفلام الهابطة. وسهولة السفر إلى البلاد الموبؤة، والأماكن المشبوهه، وغدا سوق الخياسة، وابتذال المرآة، والمتاجرة بجسدها، وجعلها ألعوبة بيد الرجال في المراقص والبارات، سمة للمرآة الغربية ومن حذا حذوها من بنات المسلمين، وحفظ الله نساء هذه البلاد من هذا السقوط والابتذال، وجعل منهن القدوة في العفة والطهر، وأن حاول عباد الفروج، وأبالسة الفساد، العبث بهن، وإخراجهن من قيمهن وعفافهن، تحت مسميات المطالبة بحقوق المرآة، وعملها، ومشاركتها في عملية الإصلاح والبناء.

ومن أشراط الساعة شرب الخمر لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة" وذكر منها "ويكثر شرب الخمر" والآن شرب الخمر منتشر في العالم، وشركاته تصنع وتقذف بالأسواق أشكالا وألوانا، ويباع جهارا نهارا، ويشرب علانية في الأسواق والطرقات، وللخمر اليوم دعايات هائلة، وإعلانات ضخمة، وميزانيات دول تقوم على بيعها، بل أصبحت من مكملات الترف، ودليل على الوجاهه، فالذي لا يشرب متخلف قاصر العقل!!!! مع أنها أم الخبائث، ومن شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، وحتى يستحلوا شربها، سموها بغير اسمها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها أياه" فسموها مشروبات روحية، وسكي، فودكا، فوقع كثيرون في شربها، واستحلوا تعاطيها، حتى لم يسلم كثير من أبناء المسلمين من شرها.

ومن أشراط الساعة ظهور المعازف وإستحلالها، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في هذه الأمة خسف، ومسخ، وقذف" فقام رجل من المسلمين فقال يا رسول الله: ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور" والقينات هن المغنيات، وما أكثر ظهورهن اليوم عبر القنوات الفضائية، وظهورهن على المسارح وفي الهواء الطلق وأمام الملايين من المشاهدين والمعجبين، فظهور المرآة تغني وترقص أمر شاع وانتشر!!! أما المعازف والموسيقى فلم يسلم منها أحد ففي كل مكان، وعلى كل حال تسمع المعازف، ترفع سماعة الهاتف تجد معازف!!! تفتح التلفزيون أو المذياع تجد معازف!!! برامج الكمبيوتر معازف!!! ألعاب الأطفال معازف!!! بل داخل المساجد معازف عن طريق الجوالات، وأجهزة الإتصال!!! بل تجد من يُفتي بجوازها، فتستحل المعازف باسم الفن، وغذاء القلب، وموسيقى هادئة، وموشحات دينية، ولا حول ولا قوة ألا بالله، فحصل الظهور وعم وطم، وبقيت العقوبة من خسف وقذف ومسخ نسأل الله العافية.

ومن أشراط الساعة كثرت الكذب، وعدم التثبت في الأخبار، فعن أبي هريره رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في أخر أمتي أناس يحدثونكم مالم تسمعوا أنتم ولا أبائكم فإياكم وإياهم" يكذب الرجل الكذبة فتبلغ الأفاق، وتذهب يمينا وشمالا، عن طريق الانترنت تذهب شرقا وغربا، وتجد الحديث عنها في المنتديات والمجالس، وتتناقلها رسائل الجوال، ومواقع التواصل، وهي كذب فكم خيرا صدت؟؟ وكم من شر نشرت؟؟ وكم من شريف اتهمت؟؟ وكم من عفيفة بالباطل رمت؟؟.
المشاهدات 2153 | التعليقات 0