من أحكام اليمين

عبدالله بن رجا الروقي
1435/04/27 - 2014/02/27 13:12PM
أما بعد فإن المسلم مأمور بحفظ لسانه قال تعالى : ﴿ ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد ﴾ وإن من ذلك حفظ الأيمان من معصية الله فيها
قال تعالى : ﴿ واحفظوا أيمانكم ﴾
وقال تعالى: ﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتّم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إنّ الله يعلم ما تفعلون ﴾

وإن من معصية الله في اليمين الحلف بغير الله فهو من الشرك الأصغر ، الذي هو أعظم من كبائر الذنوب ، قال ﷺ : من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. رواه البخاري ومسلم
وقال ﷺ : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك رواه ابوداود والترمذي
فلايجوز الحلف بغير الله كالنبي ﷺ أو الأمانة أو الوالدين ، بل الواجب على من أراد أن يحلف ألا يحلف إلا بالله وحده.
وإن من أعظم الأيمان إثما: اليمين التي تكون سببا في أخذ مال المسلم بغير حق وهذا يكون كثيرا في معاملات البيع والشراء فيحلف أنه أعطي في السلعة كذا وهو كاذب ، وقد جاء الوعيد الشديد على ذلك في قوله تعالى : ﴿ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم، فتزل قدم بعد ثبوتها، وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم ﴾
وكذلك في قوله تعالى:
﴿ إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم ﴾
فذكر الله في الآية خمس عقوبات لمن حلف كاذبا لأجل الدنيا: أنه لاخلاق له في الآخرة ولايكلمه الله ولاينظر إليه يوم القيامة ، ولايزكيه ، وله عذاب أليم.

وقد قال ﷺ : من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة ، لقي الله وهو عليه غضبان ، ثم قرأ رسول الله ﷺ مصداقه من كتاب الله جل ذكره : ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ﴾ . الآية .
متفق عليه.
وقال ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم : رجل حلف على سلعة : لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ... الحديث. رواه البخاري
وهذا الوعيد عام لمن أخذ حق مسلم بيمينه ولو كان يسيرا جدا ، قال ﷺ :من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه ، فقد أوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة . فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيرا ، يا رسول الله ؟ قال : وإن قضيبا من أراك. رواه مسلم.
وقضيب الأراك هو السواك.
وهذه اليمين تسمى اليمين الغموس قال أهل العلم : إنما سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار.
ولا تجدي فيها الكفارة ؛ لعظيم إثمها وإنما تجب فيها التوبة ، والاستغفار.
وهي من من كبائر الذنوب فقد سئل النبي ﷺ عن الكبائر فقال : ( الإشراك باللّه ) قال : ثمّ ماذا ؟ قال : ( ثمّ عقوق الوالدين ) قال : ثمّ ماذا ؟ قال : ( اليمين الغموس ).
رواه البخاري.
وليعلم المسلم أن كل مايحصله من المال بسبب الحلف الكاذب لاخير فيه ولا بركة بل ربما كان سببا في ذهاب الكسب كله قال ﷺ: الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للربح " متفق عليه.
وما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي، فعاقبتها اضمحلال وذهاب وعقاب.
بارك الله لنا في الكتاب والسنة ونفعنا بمافيهما من الإيمان ، والحكمة.

الخطبة الثانية:
أما بعد فمن الأيمان أيضا الحلف على أمر مستقبل أن يتركه أو يفعله.
كأن يقول والله لا أذهب إلى فلان أو والله لأفعلن كذا ، فهذا إن خالف ما حلف عليه وجبت عليه الكفارة ، حتى لوحلف على ضيفه ليأكل عنده فلم يأكل فعليه كفارة وهكذا لو حلف على زوجته ، أو على ابنه ، فلم يفعلا ماحلف عليه فتجب الكفارة أيضا.
وقد ذكر الله تعالى كفارة هذه اليمين في قوله سبحانه :
﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ﴾
فكفارة اليمين كما في الآية هي: ثلاثة على التخيير ، وهي الإطعام والكسوة والعتق فيطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز ونحوه من قوت البلد، ومقدار نصف الصاع كيلو ونصف، ويجزئ في ذلك أن يغدي عشرة مساكين، أو يعشيهم.
أويكسوهم لكل مسكين قميص، أويعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع شيئا من هذه الثلاث المذكورة صام ثلاثة أيام.
وقد دلت الآية أنه لا يجزئ الصيام مع القدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق؛ لأن الله سبحانه رتب إجزاء الصيام على عدم وجود الطعام أو الكسوة أو العتق ، فما يظنه بعض الناس أن الكفارة صيام ثلاثة أيام حتى ولو كان قادرا على الإطعام أو الكسوة أو العتق : هو خطأ يجب التنبه له.

ومن أحكام هذه الكفارة أنه لو دفع الطعام إلى بيت عائلة فقراء وهم عشرة أو أكثر أجزأ ذلك، فإن كانوا أقل من عشرة كمل العشرة من غيرهم ، وليعلم أنه لا يجزئ في كفارة اليمين دفع القيمة.

وقوله تعالى ( واحفظوا أيمانكم ) يشمل حفظها من الحلف بغير الله ومن الحلف بالله كذبا ومن إكثار الحلف بالله وكذلك تشمل الآية حفظها بعدم الحنث فيها إلا مااستثناه الشرع وبتكفيرها إذا حنث فيها.

وليُعلم أن من السنة عند الحلف على أمر مستقبل أن يقرنه بقول: إن شاء الله ، فإن هذا سبب في تحقق المراد ، ولا كفارة على الحالف إذا خالف ماحلف عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:( لو قال : إن شاء اللهُ ، لم يحنثْ . وكان دركًا لحاجتِه ) .
رواه مسلم.

ومن رحمة الله عزوجل بعباده أنه لم يؤاخذهم بمايجري على ألسنتهم من غير قصد وهي يمين اللغو التي لايعقد عليها القلب وإنما هو لفظ جاء على اللسان من غير قصد اليمين كقول الرّجل: لا والله، وبلى والله، فهذا لا كفاره فيه ولامؤاخذة ، للآية السابقة ولقوله تعالى: ﴿ لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم ﴾

عباد الله إن كثرة الحلف بالله تدل على أنه ليس في قلب الحالف من تعظيم الله ما يقتضي هيبة الحلف بالله، وتعظيم الله تعالى من تمام التوحيد.
فالمشروع في حق الإنسان أن يتجنب كثرة الحلف
فإن الإكثار من الحلف بلا حاجة في الأمور الدنيوية مكروه ؛ لعموم قول الله تعالى: {واحفظوا أيمانكم}
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها...
المرفقات

414.doc

المشاهدات 1835 | التعليقات 0