من أحكام الصيام وآدابه

إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إخوة الإيمان والعقيدة ... اشكروا اللهَ أن بلَّغكم شهرَ رمضانَ العظيمَ، الذي أنزلَ فيه أحسنَ كتبِهِ، وبعثَ فيه خاتمَ رسلِه، وجعله روضةً من رياضِ الجنة، وموسماً عظيماً من مواسمِ الخير، فيه تغلق أبوابُ النيرانِ، وفيه تفتح أبوابُ الجنان وتصفد الشياطين.

واعلموا ... أن اللهَ تعالى شرعَ الصيامَ لتتَّقوه، وأن الله تعالى قد خصَّ الصيامَ بأجرٍ عظيمٍ، وذلك فضلُ الله يؤتِيه من يشاءُ، واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ، قال ﷺ : قال الله تعالى: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له، يضاعفُ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها إلى سبعمائةِ ضعفٍ، إلا الصومَ فإنه لي، وأنا أَجزِي به).

إن الفضائلَ والأجورَ التي جعلها اللهُ تعالى للصائمين لا تحصلُ إلا إذا أخلصَ فيه العبادُ للهِ تعالى، واقتفي فيه أثرَ النبيِّ ﷺ، فإن اللهَ تعالى طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّباً، قال ﷺ (من صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه) والإيمانُ والاحتسابُ إنما يكون بإخلاصِ النيةِ للهِ تعالى وابتغاءَ وجهِهِ، ومتابعةِ النبيِّ ﷺ.

فعليك يا عبد الله، بإخلاصِ النيةِ للهِ تعالى، ومتابعة النبي ﷺ في قوله وفعله، فإن اللهَ لا يقبلُ من العمَلِ إلا ما كان خالصاً، وابتُغي به وجهُه، فاجتهدوا بارك الله فيكم في معرفة سننِ نبيكم وأحوالِه وأقواله، فإن فيهما خيرَ الدنيا والآخرة.

أيها المؤمنون ... إن مما يجِبُ على الصائمِ أن يعلَمَه أحكامَ المفطرات التي يجبُ عليه اجتنابُها في الصِّيامِ، وقد ذكرها اللهُ تعالى في قوله ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) فأكبرُ هذه المفطراتِ وأعظمُها: الجماعُ في نهارِ رمضانَ، فإنّ فيه الكفارةَ المغلظةَ وهي عِتقُ رقبةٍ، فإن لم يجد فصيامُ شهرين متتابعين، فإن لم يستطِعْ فإطعامُ ستين مسكيناً.

أما ثاني هذه المفطراتِ: فهو إنزالُ المنيِّ بشهوةٍ اختياراً، فإذا نزلَ المنيُّ بغيرِ اختيارٍ، كأنْ يحتلمَ الصائمُ فإنه لا يفطرُ بذلك.

وثالثُ هذه المفطراتِ: الأكلُ والشُّربُ، سواءٌ كان عن طريقِ الفمِّ أو الأنفِ، لقوله ﷺ (بالغْ في الاستنشاقِ، إلا أن تكونَ صائما).

ومما يلتحق بالأكلِ والشربِ في حصولِ الفطرِ به الإبرَ المغذيةَ، والتي يستغني بها آخذُها عن الطعامِ والشرابِ؛ لأنها بمعناهما. وأما الإبرُ العلاجيةُ فإنها لا تفطِّر؛ لأنها لا تقومُ مقامَ الطعامِ والشرابِ.

ورابعُ هذه المفطراتِ: تعمُّد القيءِ، وهو إخراجُ ما في الجوفِ من طعامٍ أو شرابٍ، فإذا تعمَّد ذلك الصائمُ، وخرجَ منه شيءٌ فإنه يفطر بذلك، لكن إذا خرجَ ما في جوفِه بدونِ تعمُّدٍ ولا معالجةٍ، فإنه لا يفطرُ وصيامُه صحيحٌ، لقوله ﷺ (من ذرعه القيء –أي: غلبه- فليس عليه القضاء، ومن استقاءَ عمداً فليقض).

عبدالله ... إنَّ من رحمةِ الله بنا أن هذه المفطِّراتِ، لا يفْطرُ بها الصائمُ إلا إذا فعلها عالماً ذاكراً مختاراً، فلا يفطرُ إن فعلَها جاهلاً، كأن يفعلَ شيئاً من المفطراتِ يظنُّ أنها لا تفطِّر، أو يظنُّ أن الفجرَ لم يطلعْ، وهو طالعٌ، أو يظنُّ أن الشمسَ قد غربت، وهي لم تغربْ، فليس عليه في ذلك حرجٌ ولا قضاءٌ، وصيامُه صحيحٌ، لقوله تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) وقالت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله عنهما : أفْطَرْنا على عهدِ النبيِّ ﷺ في يومِ غيمٍ، ثم طلعَت الشمسُ. ولم تذكرْ أن النبيَّ ﷺ أمرَهُم بالقضاءِ، وهذا يفيدُ أنه لا يجبُ القضاءُ مع الجهلِ بالحالِ، لكن متى علِمَ بأنه في نهارِ وَجَبَ عليه الإمساكُ.

ولا يفطرُ الصائمُ إذا فعل شيئاً من هذه المفطراتِ ناسياً؛ لقولِ الله ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) ولقوله ﷺ ( من نسِيَ وهو صائمٌ فأكلَ أو شربَ فليتمَّ صومَه، فإنما أطعمَه اللهُ وسقاه ).

ولا يفطر الصائمُ أيضاً إذا حصل له شيءٌ من هذه المفطراتِ، بغيرِ اختيارِه، فلو طارَ إلى جوفِه غبارٌ، أو تسرب إلى جوفه ماءٌ عند المضمضةِ أو الاستنشاقِ، فلا شيء عليه، وصومه صحيح.

عباد الله ... إن من المفطراتِ خروجَ دمِ الحيضِ أو النفاسِ، وهذا المفطرُ مما تختصُّ به النساءُ، فمتى خرجَ دمُ الحيضِ أو النفاس أفطرت المرأةُ، ولو كان ذلك قبلَ غروبِ الشمسِ بثانية ، وعليها قضاءُ ذلك اليومِ، لكن لو أحسَّت بحركته قبل الغروبِ، ولم يخرجْ إلا بعده فصومُها صحيحٌ، ولا قضاء عليها.

أيها المؤمنون ... إن مما أباحه اللهُ تعالى للصائمِ الاكتحالَ بأيِّ كُحلٍ شاءَ؛ وللصائم التطيِّبُ بأيِّ طِيبٍ كان، إلا إن كان بخوراً، فعليه ألا يستنشقَه، لئلا يدخلَ الدخانُ إلى جوفِه، ويجوز له أن يبخِّرَ ثيابَه ، أو المكانَ الذي يجلسُ فيه.

ومما يجوزُ للصائم أيضًا أن يقطِّرَ دواءً في عينِه أو أذنِه، وأن يداويَ جروحَه، فليست هذه الأمورُ مما يحصلُ به الفطرُ.

ويسنُّ للصائمِ أن يتسوكَ في أوَّلِ النهارِ وآخرِه، ومن سنن الصوم أن يعجِّلَ الفطرَ وأن يؤخِّرَ السُّحورَ، لقول النبي ﷺ (لا يزالُ الدِّين ظاهراً ما عجلَ الناسُ الفطرَ؛ فإن اليهودَ والنصارى يؤخِّرون).

ومما يُسنُّ للصائم أن يُفطِرَ على رُطَبٍ، فإن لم يكن فتَمْرٍ، فإن لم يكن فماءٍ، فإن لم يكن فعلى ما شاءَ مما أحلَّ اللهُ تعالى، من الطعامِ والشرابِ.

هذه بعضُ الأحكامِ الشرعيةِ والآدابِ النبويةِ التي يجِبُ على الصَّائمِ تعلُّمُها، فاحرصوا على معرفتِها والعمـلِ بهـا، فإن أشكلَ عليكم شـيءٌ من ذلك، فاعملـوا بوصيةِ اللهِ لكم، حيث قال ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمون، وأستغفر الله ....

 

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين ... اغتنموا هذا الموسمَ الكريمَ بالاستكثارِ من الطاعاتِ والقرباتِ، واحذروا فيه مواقعةَ السيئاتِ، فإن السيئةَ في رمضانَ أعظمُ عندَ اللهِ تعالى من السيئةِ في غيرِه.

بادروا - يا عبادَ اللهِ - بالأعمالِ الصالحاتِ ، واحذروا التسويفَ والتأجيلَ ، فإنه أصلُ كلِّ عجزٍ وبلاءٍ، وإيَّاكم والفتورَ والمللَ:

فما هي إلا ساعةٌ ثم تنقضِي **** ويُصبِحُ ذو الأحزانِ فرحانَ جاذلا

أيها المؤمنون ... إن الله تعالى قد فرضَ عليكم الصيامَ لغايةٍ كبرى، ولمقصدٍ أسمَى، ألا وهو تحقيقُ التقوى في قلوبِكم وأقوالِكم وأعمالِكم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) وقال النبيُّ ﷺ ( من لم يدَعْ قولَ الزورِ والعملَ به، فليس للهِ حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابَه ).

فليس مقصودَ الشارعِ من الصومِ الجوعُ والعطشُ، ولا تركُ اللذةِ والشهوةِ فحسبْ، بل مقصودُه الأعظمُ استقامُة القلب والجوارح على الطاعة.

طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه **** في شَهرِه وبحبلِ اللهِ معتصما

فأعيذكم باللهِ - يا أيها المؤمنون - أن تكونوا ممن منعَ نفسَه الطعامَ والشرابَ وما أحلَّ اللهُ، ثم أسرفَ على نفسِه بارتكابِ المعاصي ومقارفةِ السيئاتِ.

إن تقوى اللهِ التي من أجلِها شرَعَ الصيامَ هي أن تجعلَ -يا عبد الله- بينك وبين عذابِ اللهِ وقايةً، بفعلِ الطاعةِ وتركِ المعصيةِ.

فيا ليت شعري، هل اتقى اللهَ عبدٌ صامَ عن الطعامِ والشرابِ، ثم أضاعَ الصلاةَ واتبعَ الشهواتِ؟! وأحيا لياليَ شهرِه بالملاهي والمنكراتِ؟! وشغلَ أُذنَه بسماعِ المحرماتِ، ونظرَه بالنظرِ إلى الممنوعاتِ والمحظوراتِ؟!

هل اتقى اللهَ رجلٌ ضيَّع الواجباتِ وأهملَ الأولادَ والبناتَ، ويسر لهم سبلَ الفسادِ؟!

لا والله، لا والله، لم يتقِّ اللهَ من تورَّطَ في تلك السيئاتِ، إنما اتقى الله من قامِ بالواجباتِ وانتهى عن المنهياتِ وزاده صيامُه استقامةً وصلاحاً.

اللهم أصلح قلوبنا واغفرْ ذنوبنا، اللهم بارك لنا في رمضانَ، وارزقنا فيه الأعمالَ الصالحات، واجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتسابًا.

عباد الله ... صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه....

المشاهدات 3372 | التعليقات 0