من أحكام السفر وآدابه.

عبدالله بن رجا الروقي
1435/05/19 - 2014/03/20 11:32AM
الخطبة الأولى:
أما بعد فان من أعظم ما يجب على المسلم تعلمه هو ماافترضه الله عليه ومن ذلك صلاة الفريضة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام.
وإن من هذا أحكام صلاة المسافر التي يخل بها بعض الناس ويُقصّرون فيها وهم لايشعرون فكان لابد من التذكير ببعض أحكامها :
فأولها: أنه لايجوز الترخص بشيء من رخص السفر إلا بعد مفارقة المسافر بلده فبعض الناس ربما جمع بين الظهر والعصر مثلا قبل أن يخرج من بلده بحجة أنه يريد السفر وهذا لايجوز وعليه إعادة الصلاتين إن كان قصرهما ؛ لأن القصر رخصة خاصة بالمسافر وهو لم يسافر إلى الآن قال تعالى:(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)
فعلق قصر الصلاة بالضرب في الأرض وهو السفر.
وأما إن كان جمع من دون قصر فيعيد العصر فقط لأنه لاعذر له يبيح الجمع.

ثانيا: إذا صلى المسافر الجمعة في المسجد مع المقيمين فإنه لايجوز جمع العصر إليها لأن الجمعة لها أحكام مستقلة عن صلاة الظهر.

ثالثا: من دخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم أجلها حتى دخل إلى بلده فإن عليه أن يصليها تامة ولا يقصر.
مثال ذلك من دخل عليه وقت صلاة الظهر حال سفره ثم أخرها ليؤديها في بلده الذي سيدخل إليه قبل صلاة العصر فإنه إذا دخل بلده لايجوز له قصرها بل يصليها أربعا.
وأنبه هنا أن بعض المسافرين إذا دخل بلده قبل أذان العصر ، وهو لم يصل الظهر أخّرها ليصليها جمعا مع العصر وهذا لايحل له لأنه بدخوله بلده قد انقطعت أحكام السفر في حقه ووجب عليه أن يؤديها قبل خروج وقتها، ومثل ذلك يقال في صلاة المغرب.
وكذلك لو أن مسافرا وجبت في حقه صلاتي الظهر والعصر ودخل بلده بعد صلاة العصر فالواجب أن يصليهما أربعا أربعا ولايقصر لأنه صار مقيما.
رابعا: إذا صلى المسافر خلف مقيم فالواجب عليه أن يتم ولايقصر لحديث موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم ﷺ . رواه احمد
وهذا الخطأ يقع فيه كثير من المسافرين فتجده إذا أدرك مع الإمام الركعة الثالثة من الصلاة الرباعية سلم مع الإمام بحجة أنه يصلي قصرا مع أن الواجب عليه الإتمام كما سبق.

خامساً: من شروط الترخص برخص السفر :
أن يكون السفر مسافة قصر وهي نحو من ثلاثة وثمانين كيلاً.
ويظن بعض الناس أن المسافر لا يحل له الترخص حتى يقطع مسافة القصر وهذا خلاف الصحيح بل للمسافر أن يترخص بتلك الرخص إذا تجاوز بنيان بلده مادام ناويا لمسافة القصر لحديث أَنَسِ رضي الله عنه قال صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مع النبي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا والعصر بذي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري.
وذوالحليفة موضع قريب من المدينة.

سادساً: يسن للمسافر أن يصلي جميع النوافل كالضحى والوتر ويستثنى من ذلك الرواتب فقد كان النبي ﷺ لايصلي منها في السفر إلا راتبة الفجر.

سابعاً: الصلاتان المجموعتان وقتهما واحد فصلاة الظهر وصلاة العصر - مثلاً- لمن أراد جمعهما يبدأ الوقت لهما من دخول وقت صلاة الظهر إلى دخول وقت صلاة المغرب فما بين هذين الوقتين وقت للجمع فللمسافر أن يصليهما في أول الوقت أو آخره أو أثنائه .
مع العلم أن ماقبيل وقت صلاة المغرب - وهو عندما تتضيف الشمس حتى تغرب - وقتٌ لايجوز تأخير الصلاة إليه إلا لضرورة.

ثامناً : للمسافر أن يجمع بين الصلاتين ولو ظن أنه يصل إلى بلده قبل خروج وقت الأولى ، فلو دخل عليه وقت الظهر مثلاً وقد بقي على دخوله بلده مسافة يسيرة ، فله أن يجمع بين الظهر والعصر ولا تلزمه العصر إذا نودي لها وهو في بلده لأنه أداها على وجه مأذون به شرعاً . لكن إن أخر الثانية ليؤديها في بلده بعد الوصول فهو أحسن.
هذه بعض الأحكام عن صلاة المسافر.
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم...


الخطبة الثانية:
أما بعد فأُذكر بآداب أخرى تتعلق بالسفر منها دعاء السفر فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا اسْتَوَى على بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قال:
( سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللهم إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ ما تَرْضَى اللهم هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللهم أنت الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الْأَهْلِ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ ) وإذا رَجَعَ قَالَهُنَّ وزاد فِيهِنَّ ( آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ) رواه مسلم .
وهذا الدعاء حري بكل مسلم أن يحافظ عليه
لمافيه من الخير الكثير ففيه دعاء المسافر بالبر والتقوى في سفره وكم من مسافر ارتكب ماحرم الله في سفره.
وفيه الدعاء بتيسير مشاق السفر وكم من مسافر لقي في سفره العنت والمشقة.
وفيه الدعاء بحفظه وحفظ أهله وكم من مسافر لم يعد من سفره سالماً وكم من مسافر عاد إلى أهله وقد ابتلي بمرض أحدهم أو فقده.
فهذا الحديث تضمن أدعية عظيمة فينبغي أن يُحرص على قراءته في كل سفر.

ومن الآداب أن يكثر من الدعاء في السفر
فالسفر موطن من مواطن إجابة الدعاء فعلى المسافر أن يحرص على الدعاء له ولوالديه والمسلمين لعلها توافق ساعة استجابة فيفوز بخيري الدنيا والآخرة قال ﷺ : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم. رواه ابوداود.

ومن السنة إذا عاد المسافر إلى بلده أن يبدأ بالمسجد قبل منزله فيصلي فيه ركعتين لحدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيّ ﷺ كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس. رواه البخاري ومسلم.

ومما يحذر منه التساهل في سفر المرأة بلا محرم فقد نهى النبي ﷺ عن ذلك قال ﷺ: لا تسافِرَنَّ امرأةٌ إلا ومعها محرمٌ . متفق عليه.
وقال ﷺ : لا يحلُّ لإمرأةٍ ، تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ تسافرُ مسيرةَ ثلاثِ ليالٍ ، إلا ومعها ذو محرمٍ. رواه مسلم.
فلايجوز للمرأة السفر مع غير محارمها حتى لو كان معها جمع من النساء الثقات.

اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا وتب علينا
إنك أنت التواب الرحيم.
المشاهدات 2002 | التعليقات 0