من أحكام الزكاة والتثبت في مصرفها
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي منَّ على عباده بصيام شهرِ رمضانً وفَتَحَ لهم فيه أبوابَ القيامِ والبذلِ والإحسانِ وتلاوةِ القرآنِ، وبشَّرَ مَنْ وفَى وقَدَّمَ وبَذلَ ما في وسْعه بالروحِ والريحانِ وسُكنى الجنانِ، وأشهدُ أن لا إلَه إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له المتفرِّدُ بالجودِ والعطاءِ والإنعامِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه خير الأنامِ في البرَِّ والإحسانِ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ، أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ تقواه طريقُ الوصولِ لجنَّةِ الرَّحمنِ.
أيُّها المؤمنونَ: زكاةُ المالِ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ ملكَ نصابًا، وحالَ عليه الحولُ، فيُخرجُ ربْعَ العشرِ من جميعِ أموالِه، سواءٌ كانتْ سيولةً أو عقارًا، أو عروضَ تجارةٍ، وللحاجةِ الماسةِ لمعرفةِ بعضِ أحكامِ الزكاةِ ولكثرةِ الأسئلةِ في رمضانَ عن ذلك أحببتُ أن أُجْمِلَ أحكامَ الزكاةِ في المسائلِ الآتيةِ:
أولاً: لابدَّ من النِّيةِ عندَ إخراجِ الزكاةِ، لقولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنَّما الأعمالُ بالنيِّاتِ وإنَّما لكلِّ امرىءٍ ما نَوى..)(رواه البخاري (1) ومسلم (1907).
ثانيًا: النصابُ في هذا العامِ ألفُ ريالٍ، فمن وُجِدَتْ عنده وحالَ عليهَا الحولُ وَجَبَ أنْ يُخرجَ منهَا خمسةً وعشرينَ ريالاً.
ثالثًا: الزكاةُ تجبُ في مالِ الرجالِ والنساءِ والصغارِ والكبارِ والمجانينَ، وعلى وليِّ القاصرينَ أن يُخرجهَا عنهم.
رابعاً: مَنْ كانَ عنده عروضُ تجارةٍ فعليه تقويمُها عند حولانِ الحولِ وضمُّها إلى
ما عندَه من السيولةِ وإخراجُ زكاتِها رُبعَ العشرِ.
خامسًا: العقاراتُ المؤجرةُ، الزكاةُ في أُجرتِها إذا حالَ عليها الحولُ، وهي عنده أو عند المستأجرِ.
سادسًا: الأراضي المملوكةُ للشخصِ إن كانتْ معدةً للتجارةِ ومعروضةً للبيعِ فتجبُ زكاتُها حَسَبَ قيمتِها عندَ حولانِ الحولِ، وأمَّا إن كانتْ غيرَ معدةٍ للتجارةِ ولم تَتَحدَّدْ نيةُ مالكِها فيها، فلا زكاةَ فيها.
سابعًا: الأشياءُ الثابتةُ عندَ التُّجارِ مثلُ سياراتِ نَقْلِ البضائعِ أو الثلاجاتِ وما في حكمِها لا زكاةَ فيها، بل الزكاةُ في ناتجِ المحلِّ وما يجتمعُ من دخْلِه عندَ حولانِ الحولِ.
ثامنًا: الحليُّ الذي تَلبسُه المرأةُ خِلالَ السنةِ لا زكاةَ فيه في أصحِّ قولي العلماءِ.
تاسعًا: مَنْ كانَ له دخلٌ شهريٌ من أيِّ جهةٍ كانتْ، فعليه أَنْ يحدِّدَ يومًا في السنةِ ثم يُزكِّيْ ما اجْتَمَعَ منه.
عاشرًا: أثلاثُ الموتى وأموالُ الأوقافِ والأموالُ المتبرعُ بها وأموالُ الجمعياتِ الخيِّريِة التي تبرَّعَ الناسُ بها أو اجتمعتْ من استثماراتِ الجمعياتِ لا زكاةَ فيها.
أَحَدَ عشرَ: مَنْ أَبْدلَ مالَه بمالٍ زكويٍّ آخرَ، كمن عندَه نقودٌ واشترى بهَا أرضًا وأعدَّها للبيعِ، فعليه أَنْ يُزكِّيَ الأرضَ وحولُها حولُ النقودِ.
اثنا عشرَ: جميعُ الديونِ التي للشَّخصِ على الآخرينَ تُزكَّى عندَ مرورِ حولِه إلا إذا كانتْ على مماطلينَ أو معسرينَ، فإنَّه لا يُزكِّيها إلا إذا قَبَضَها مرةً واحدةً.
ثلاثةَ عشرَ: لا يُحسمُ الدَّينُ الذي على الشخصِ عندَ زكاةِ أموالِه، بل يُزكِّيْ جميعَ ما عندَه دونَ نظرٍ لما عليه من الدينِ إلا إذا كانَ حالاً فعليه سدادُه.
أربعةَ عشرَ: الذين يُقسِّطونَ في معاملاتِهم عليهم أَنْ يحسبوا ما عندَ الناسِ لهم ويُزكُّونها كلَّها، ما لم يكونوا معسرينَ أو مماطلينَ.
خمسةَ عشرَ: المساهماتُ العقاريةُ والتجاريةُ وأصحابُ الأسهمِ عليهم أَنْ يُزكُّوهَا حَسَبَ قيمتِها عندَ حولانِ الحولِ، سواءٌ كانتْ رابحةً أو خاسرةً.
ستَّةَ عَشرَ: إذا أراد المسلمُ أَنْ يعرفَ الواجبَ عليه في زكاةِ أموالِه عندَ حولانِ الحولِ عليه أَنْ يَقْسمَ مَالَه على أربعينَ والناتجُ هو ما يجبُ إخراجُه زكاةً عن هذا المالِ.
سَبْعةَ عَشَرَ: إذا كانَ عندَ الشخصِ أموالٌ لغيرِه يتولَّى إدارتَها أو حفْظَها كأموالِ والديْه أو إخوانِه فعليه أَنْ يَطلَبَ منهم أَنْ يُنيبُوه في إخراجِ زكاتِها، لأنَّ إخراجَ الزكاةِ عبادةٌ تحتاجُ إلى إنابةٍ.
أَعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}[النور:56].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلموا أنَّ مِنْ أحكامِ الزكاةِ أيضًا:
ثَمَانيةَ عَشَرَ: مَنْ عندَه نخلٌ في بيتِه أو استراحتِه أو مزرعتِه، فعليه أَنْ يُزكِّيَ ثمرتَها نِصفَ العشرِ، فمن كانَ عندَه ألفُ كيلو جرام من التَّمرِ وَجَبَ عليه أَنْ يُخرجَ خمسينَ كيلوا جرامًا.
تسعةَ عَشَرَ: الفقيرُ المستحقُّ للزكاةِ هو من يَحتاجُها لأكلٍ، أو شربٍ، أو لباسٍ، أو سكنٍ، أو علاجٍ، أو سدادِ دينٍ، أو زواجٍ وهو غير قادرٍ على المهرِ ونفقاتِ الزواجِ.
العشرون: لا يَجوزُ دفعُ الزكاةِ للأصولِ والفروعِ والزوجةِ، ولا مَنْ تَجَبُ على الشَّخصِ نفقتهُم، وللزوجةِ أَنْ تَدَفعَها لزوجِها إذا كانَ فقيرًا.
إحدى وعشرون: لا يَجوزُ أَنْ يشتريَ المزكيّْ بالزكاةِ طعامًا أو غيرَه ويعطيه الفقيرَ، بل تسلَّمُ له نقدًا.
اثنتان وعشرون: لا يَجوزُ للشَّخصِ أَنْ يُسقطَ الدَّينَ الذي له عندَ الآخرينَ ويحسبُه من زكاته، لأنَّه يجرُّ حظًا لنفسه بزكاتِه.
ثلاثةٌ وعشرون: تجبُ الزكاةُ في العَسَلِ في أصحِّ قولي العلماءِ، ونصابُه نصابُ الحبوبِ والثمارِ.
أربعةٌ وعشرون: يُعطى الفقيرُ من الزكاةِ قَدْرَ كفايتِه سنةً كاملةً، ما دام أنَّه ليس له مصدرُ دخلٍ غيرِ الزكاةِ.
فاحرصوا على أداءِ الزكاةِ طيبةً بها نفوسُكم، واعلموا أنَّها تُنَّمي المالَ وتطرحُ البركةَ فيه، وتحرُّوا المستحقَّ لهَا ولا تَجْعلوها عوائدَ لأشخاصٍ معيِّنين سنويًا، واحذروا من دفعِهَا لجهاتٍ خارجيةٍ أو جهاتٍ مشبوهةٍ، ومن لا يعرفُ تصريفَها بنفسِه فليسلِّمها للجهاتِ الرَّسميةِ المصرَّح لها بجمعِ الزكاةِ والصدقاتِ التي تتولَّى إيصالَها لمستحقِّيها مثلَ منصةِ (إحسان)، ومنصةِ (فُرجت)، ومنصةِ (جودي للأسكان) وغيرِها مما يكونُ تحتَ إشرافِ الجهاتِ الرسميةِ.
ولعظمِ أهميةِ مصرفِها تولَّاه اللهُ جلَّ وعلا بنفسِه فقالَ سبحانه:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم}[التوبة:60].
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 4/9/1442هـ