من أحكام البيع ، خطبة مختصرة موافقة للتعميم، الثانية: سنة الصوم في شعبان
نجم الدين
من أحكام البيع والشراء الخطبة الثانية: سُنَةُ الصيام في شعبان 4/8/1444هـ
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ؛ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين وسَلَّمَ تَسْـلِيمًا كَــثِيْــرا، أمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ،حَقَّ التَّقْوَى،﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [ آل عمران : 102].
عبادالله: لا يكاد يمر على يوم على عموم الناس إلا ولهم معاملة في البيع أو الشراء، أو كليهما، فينبغي مراعاة أحكام الشريعة في بيعنا وشرائنا، ومن ذلك الحذر من الغش في البيع ، قَاْلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رواه مسلم
فلا ينبغي بيع شيء فيه عيب، وإخفاء ذلك على المشتري، ولا بركة في بيعٍ ولا مبيعٍ ولا مالٍ خالطهُ الغش، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » رواه البخاري ومسلم
عبادالله: علينا جميعا السماحةُ في البيع والشراء، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» رواه البخاري ومسلم
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدْخَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا، وَبَائِعًا وَقَاضِيًا، وَمُقْتَضِيًا " أخرجه أحمد في مسنده، والنسائي و ابن ماجة، وحسّنهُ الألباني.
فهذا وصف فيه ثناءٌ و وعدٌ بالأجرِ لمن كانَ يتصِفُّ بالسهولةِ إذا اشترى مِن غيرِهِ، فلا يبالغ في المجادلةِ في ثمن السلعة، كما أنه سَهْلٌ لا يتأخرُ في دَفعِ ثمنها، وهو سَهْلٌ إذا كان باْئعا، فلا يخدع غيرَهُ بمحاسنِ سلعةٍ، وهو يُـخفِي عُيوبَـها، وهو سَهْلٌ إذا كان قاضيا، أي سَهْلٌ في قَضاءِ الدَيْنِ الذي عليه، فلا يُــؤخرُ، ولا يُـماطلُ، وهو قَادرٌ على القضاء، و إذا جاء يقضي ماعليه، لا يحاولُ ولا يُلحُّ لكي يُــنقِصَ مِنْ دَفعِ ما عليه مِنْ حَقٍ، كما أنه سَهْلٌ إذا كان "مقتضيا" أي يتصف بالسهولة في مطالبته غيره بــمَـــالِهِ، فلا يُعسّرُ، ولا يُــضــيّقُ عليهم.
أيها المسلمون : قد يحصل البيع ، ويثبت، ثم يأتي المشتري، يطلب من البائع المسامحة، والإقالة، ويتراجع عن الشراء، فلو رفض البائعُ الرجوع، لأنه ثبتَ البيعُ وصَــــحَّ، فهذا حقٌ له، لكن لو تسامحَ مع المشتري، وقَبِلَ منهُ رُجُوعَهُ ، ففي ذلك أجرٌ عظيم، لأن هذا من السماحة، والتيسير، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أحمد، وأبوداود، وابن ماجه،وقال الألباني: حديث صحيح.
فيغفرُ اللهُ لهذا البائع الذي أَقَالَ المشتري، ويُقِيلُ عثرَتَهُ يومَ القيامة، فيغفِرُ زلّتَهُ، ويزيلُ عنه المشقةَ في ذلك اليوم العظيم، فهو سبحانه جوادٌ كريم، غفور، رحيم.
ومن كان له دَيْنٌ على مسلمٍ ، وهو يعلم أنّه مُعــسِرٌ، فليصبر عليه، حتى تتيسرَ أُمُورُه، وإن أسقطَ الدينَ كلَّـــهُ أو بعضَــهُ فهو أعظَمُ في أجرِهِ، قال تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. [ البقرة : 280].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ» رواه مسلم
عباد الله:
والحذر من احتكار السلع، وهو حبس السلعة التي يحتاج الناس إليها، من أجل تقل في السوق ويرتفع سعرها، يحبسها التاجر عن العرض ، مع حاجة الناس إليها، فإذا ارتفعت باعها، قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» رواه مسلم، ومعنى خاطئ، أي: آثم وعاصٍ.
باركَ اللّهُ لِي ولَكُم في الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بـما فِــيهِ مِنَ الآيَاتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُوُلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ ا الْجَلِيلَ لي وَلَكم ولِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ : الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لاشريك لهُ، تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا ، أمَّا بَعْدُ:
عبادالله اتقو الله جل وعلا، قال تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [ الحشر:18]
أيها المسلمون، دخل علينا شهر شعبان ، ومن السُّنَةِ الصيام فيه ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ " رواه البخار ومسلم
فتقربوا إلى الله تعالى بنوافل الأعمال، وأحيوا سُنّةَ نبيكُم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ﴿...وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [ المزمل:20]
وصَلُّوا وَسَلِّمُوا -رحمكم الله- على مَنْ أمركم الله بالصلاة عليه، فقال عَـــزّ مِنْ قائل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ الأحزاب:56]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَاْبِهِ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَ اقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بكرمكَ وَمَنّكَ، يَاْ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.اَللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيْمَنْ خَافَكَ، وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ.
رَبِّ أَعِنّا وَلَا تُعِنْ عَلَينا، وَانْصُرْنا وَلَا تَنْصُرْ عَلَينا، وَامْكُرْ لِنا وَلَا تَمْكُرْ عَلَينا، وَاهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَى لِنا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيّنا.
عبادالله :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ النحل:90] فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرَكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ على نِعَمهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1677184983_من أحكام البيع والشراء.pdf
1677185017_من أحكام البيع والشراء.docx