من أحسن ما قيل في فضائل عشر ذي الحجة من الترغيب

عبدالرحمن اللهيبي
1443/12/02 - 2022/07/01 01:04AM

من جميل المنقول في فضائل عشر ذي الحجة 

 

الحمد لله الذي أفاض على عباده من سحائب الجود وسوابغ الإنعام ما لا يعد ولا يحصر، أحمده سبحانه وأشكره شرع لنا مواسمَ يُنيب فيها العبدُ ويغسل قلبه من دنس الذنوب ويتطهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله نبي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المحشر.

أما بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ، فبِها تتحقَّق الخيراتُ وتحصل المسرَّات وتُدفع الكُرُبات " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ".

عبادَ الله، أظلتنا أيامٌ هي أعظمُ الأيّامِ عند الله فضلاً , وأرفعُها قدرا , وأكثر الأوقات بركة وأجرًا، لَحَظَاتُهَا أَنفَسُ اللَّحَظَاتِ ، وَسَاعَاتُهَا أَغلَى السَّاعَاتِ ، وَأَيَّامُهَا هِيَ أَفضَلُ أيام الدنيا وَأَحَبُّهَا إِلى اللهِ ـ تَعَالى.

إنّها أيّام العشرِ الأول من ذي الحجّة , هي للمؤمنين مغنَمٌ لاكتساب الخَيرات ...هي لهم فُرصة لتحصيل الحسناتِ والحَطّ من السيِّئات والترقي لأرفعِ للدّرجات ، قال ابن رجب: "فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبَه نفحةٌ من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بها من النار وما فيها من الدركات".

أيها المحبون لربهم، إن كنتم تحبون ربكم حقا فإن الله يحب منكم العمل الصالح في هذه الأيام المقبلة فأروا الله فيها من أنفسكم ما يحبه منكم قال :((ما مِن أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام)) قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله إلاّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء)) فكل عمل صالح تعملونه في أيام العشر هو أحب عند الله وأزكى من الجهاد في سبيل الله في غير هذه الأيام

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما عملٌ أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى)).

قال ابن رجب رحمه الله: "وقد دلت هذا الأحاديث على أن العمل في أيام العشر أحبُ إلى الله من العمل في أيام الدنيا كلِّها من غير استثناء شيء منها " فهي أفضل حتى من أيام شهر رمضان

ولأجل ما في هذه العشر من الفضيلة فإنه يُشرع صومُها، عدا اليوم العاشر منها فيحرم .. فعند أبي داود والنسائيّ عن بعض نساء النبي وفيه أنّه كان يصوم تسعَ ذي الحجة ، وذلك لما للصيام من أجر عظيم عند الله، قال : ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)) أخرجه البخاري

فكيف إذن بأجر الصيام إذا وقع في هذه الأيام

معاشرَ المسلمين، ومن خصائِص هذه العشر فضيلةُ الإكثار من التهليل والتكبيرِ والتحميد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ما مِن أيّام أعظمُ عند الله ولا أحبّ إلى الله العملُ فيهنّ من أيّام العشر، فأكثِروا فيهنّ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) روى البخاريّ في صحيحه: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السّوق في أيّام العشر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما".

فأكثروا يا مسلمون في هذه الأيام من التكبير والتهليل والتحميد ومن الصلاة والسنن الرواتب والصيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وصلة الأرحام وأبواب الخير مشرعة وطرق الخير كثيرة

فأَينَ الَّذِينَ يَسعَونَ إِلى مَا يُحِبُّهُ اللهُ فَلْيَجِدُّوا ؟

أين من يبغون جنة عرضها السموات والأرض فليهبوا؟
أَينَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا فَلْيُشَمِّرُوا ؟

أَينَ المُنفِقُونَ والمُتَصَدِّقُونَ فَلْيُكثِرُوا ؟

أَينَ مَن يَقضُونَ الحَاجَاتِ وَيُفَرِّجُونَ الكُرُبَاتِ فَلْيَبذُلُوا ؟
أيّها المسلمون، المغبونُ وربي من انصرَف عن طاعة الله والمحروم من خُذل عن التقرب لمولاه لا سيّما في هذه الأيام الفاضلة ، محروم وربي من حُرم العملُ فيها وجعلها كسائر أيام العام.

والله الذي لا رب غيره ولا إله سواه , إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ مَا بَعدَهَا خَسَارَةٌ ، أَن تَمُرَّ هَذِهِ العَشرُ وَالعَبدُ حَالٍ قَد لا تُرضِي اللهَ

وَأَيُّ إِعرَاضٍ أَشَدُّ مِن أَن يُحِبَّ اللهُ مِنكَ العَمَلَ الصَّالِحَ هذه الأيام ثُمَّ لا تقبل على ربك بما يحبه منك ولا تلتفت إليه وأنت الفقير إليه وهو الغني عنك

بارك الله لي ولكم في القرآن..ِ

 

 

 

 

 

 

 

 

عباد الله : إن أهل الجاهلية في جاهليتهم كانوا يفخرون بخدمة الحجيج وهم على الكفر البواح والشرك الصراح فأنت أحق أن تفخر بذلك

هذا وقد كان السلف -رحمهم الله- لا يرخون ستارا في بيوتهم دون الحاج فيأتي الحاج يطعم ويشرب دون سؤال أو طلب.

فيا أهل البلد الحرام قد أكرمكم الله بجواره وسكنى بيته الحرام فأكرموا أضيافه وزوار بيته فإنهم وفد الله أتوه تلبية لدعوته قال  " الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ " فحَقٌ على أهل البلد الحرام أن يكرموا وفد الله وضيوف الرحمن

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " لَوْ يَعْلَمُ الْمُقِيمُونَ مَا لِلْحُجَّاجِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ لأَتَوْهُمْ حِينَ يَقْدُمُونَ عليهم حَتَّى يُقَبِّلُوا رَوَاحِلَهُمْ لأَنَّهُمْ وَفْدُ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ "

أرأيتم لو أن وفدا خاصا بالملك مقبل عليه ألا تعد لهم المواكب ويفسح لهم الطرق ولا يجرؤ أحد على مضايقتهم فكيف بوفد ملك الملوك، وإنك يا عبد الله حين تقوم على خدمة وفد الله ورفادتهم فإنما تؤدي بذلك عبادة جليلة وقربة عظيمة ويعظم الأجر حين تكون في العشر المباركة وفي البلد الحرام ..

فافسحوا لهم في الطريق وقفوا لهم بسياراتكم لتمكينهم من العبور وأغيثوا ملهوفهم وأعينوا محتاجهم وأنجدوا مكروبهم وقابلوهم بالكلمة طيبة وعلى محياكم ابتسامة مشرقة

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ  فاغتنِموا ـ رحمكم الله ـ هذه الأيامَ المباركة واجتهدوا في العبادةِ بشتّى أنواعها ، وَتَزَوَّدُوا مِن نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ بَعدَ الفَرَائِضِ وَوَاظِبُوا عَلَيهَا وَاقرَؤُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أَفضَلُ الذِّكرِ وليكن لأحدكم ختمة في هذه الأيام ، وَخُذُوا حَظَّكُم مِن قِيَامِ اللَّيلِ وَصَلاةِ الضُّحَى وَالصَّدَقَاتِ فوالذي نفسي بيده لسَرَعَانَ مَا ستَنْقَضِي هذه الأيام المباركة , وَمَا أَعْجَلَ مَا تُغَادِرُ , فَالرَّابِحُ مَنْ أَوْدَعَ فيها مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فنبيُّكم يروي عن ربِّه عزّ وجلّ قوله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد…

المشاهدات 1148 | التعليقات 0