منهج أهل السنة والجماعة

منهج أهل السنة والجماعة

ألقيت في جامع حمراء الأسد بالمدينة النبوية

بتاريخ 22/ ذو القعدة/ 1442

عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي
عناصر الخطبة:

1-خبر افتراق هذه الأمة.

2- معالم الفرقة الناجية.

3- صلة أهل السنة بالصحابة.

4- مصدر التلقي عند أهل السنة.

5- أسماء أهل السنة الواردة في النصوص.

6-تعظيمهم للسنة واتباعهم لها.

7-تركهم للإحداث في الدين.

8-التسليم للنصوص.

9-فضل علم السلف ولزوم فهمهم.

10-عقيدة أهل السنة في الصحابة.

11- عقيدة أهل السنة في الإمامة والجماعة.

12- توقير أهل السنة للعلماء.

13-منهج أهل السنة ليس مسؤولا عن أخطاء من انتسب إليه زورا.

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران: 102].

 

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) [النساء: 1].

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً) [الأحزاب: 70 -71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -ﷺ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله..

اصطفى الله هذه الأمة على العالمين، واصطفى لها الدين، واصطفى لها خير المرسلين صلى الله عليه وسلم ، ثم شاء الحكيم العليم أن يقع الاختلاف والافتراق.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».

 

وفي رواية: «كلها في النار إلا واحدة وهي: الجماعة».

وفي رواية: قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي».

 

لقد بين لنا نبينا ﷺ معالم هذا المنهجِ الكريم المختار، السالمِ من البدع والضلال في هذه الدار، والناجي يوم القيامة من عذاب النار.

 

إنه المنهَج العظيم الوضَّاء، وطريقُ الصحابة الأتقِياء، والتابعين الأوفِياء.

 

إنهم أهل السنة والجماعة، أتباع صالح سلف المؤمنين، الذين آمنوا بمثل ما آمنوا به، فكانوا من المهتدين.

 

إنهم من وصفهم المُصطفى - ﷺ -: «مَن كان على مثلِ ما أنا عليه اليوم وأصحابِي»

 

رأسهم صحابة رسول الله ﷺ الذين تعلموا سنته وعلموها، وعملوا بها ونقلوها.

 

إن طريق أهل السنة والجماعة هو امتداد لأهل الإسلام، الذي انشق عنه المخالفون، وتنكب عنه الزائغون المحدثون.

 

إنهم المعتصمون بحبل الله، الذين يمسّكون بالكتاب، ويعضون على السنة، ويقدمونهما على كل رأي ومذهب، وعقل وهوى.

 

السنة والسلفية هي اتباع نهج الصدر الأول من هذه الأمة؛ هي الإسلامُ بصفائه ووسطيته، وعدله ورحمته، وشمولِه وسعتِه، وعقيدته وأخلاقه وعبادته.

 

بعيدة عن نزغات الغلو ودركات الجفاء؛ برَّأها الله من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

 

إنهم أهل الحق، الأعلم بالحق، والأرحم بالخلق.

 

إنهم أهل السنة والجماعة، الذين سعدوا بوصية رسول الله -ﷺ-، حيث قال: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

 

إنهم "أهل الجماعة"؛ الذين اجتمعوا على الحق و السنة، واجتمعوا على أئمتهم.

 

إنها الطائفة المنصورة في قول إمامهم ﷺ "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

 

ستبقى هذه الطائفة ظاهرة بالحجة والبيان، واليد والسنان، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

إنهم أهل الحديث والأثر: المعظمون لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، المقتفون لآثار الصحابة الكرام.

 

إنهم السلفيون السائرون على طريق السلف في الاعتقاد والعمل، المقتدون بالصحابة والتابعين وتابعيهم؛ المستمسكون بما كان عليه صالحو القرون الثلاثة المفضلة بقوله ﷺ "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ".

 

ليس لهم اسم يُعرفون به إلا الإسلام و السنة والجماعة وما في معناها.

 

ليسوا حزبا سياسيا ولا حركة ثورية، ولا تيارا ولا طريقة؛ ولا جماعةً ذاتَ قيادة وبيعة.

بل هي الامتداد للإسلام المحض الخالص عن الشوب.

 

يتبعون ما جاء في كتاب الله عز وجل وما صح من سنة نبيه ﷺ ظاهرا وباطنا، في كل صغيرٍ وكبيرٍ، عملاً بقولِه - سبحانه -: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

 

ليس لهم إمام معظم ينتسبون إليه؛ يأخذون كلامه كله، ويدعون ما خالفه إلا رسول الله  .

 

فالكتاب حجتهم، والسنة عدتهم، والنبي فئتهم، وإليه نسبتهم.

 

إن أهل السنة أصحابَ الحديث، صاحبُ مقالتهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون، وبذلك يفتخرون.

فمن يوازيهم في شرف الذكر؟، ومن يباهيهم في علو الاسم و ساحة الفخر؟.

 

هم أعلم الناس بأحواله -ﷺ- وأقواله وأفعاله، والعصمة عندهم ليست لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكل يؤخذ من قوله ويُرد إلا رسول الله -ﷺ-؛ هم أشد الناس حبّاً للسنة، وأحرصهم على اتباعها، وأكثرهم موالاة لأهلها.

 

يعتقدون كمال الدين، وأن النبي بلغ ما أنزل إليه من رب العالمين.

وأنه - صلوات الله وسلامه عليه - تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

فما من خير إلا والنبي - ﷺ  - دل أمته عليه، وما من شر إلا حذر أمته منه.

فلم يبتدعوا في الدين، ولم يتبعوا غير سبيل المؤمنين.

 

عباد الله..

لا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم و الاستسلام.

قال الزهري: (من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم)

ومن خصائص أهل السنة والجماعة أنهم أهل تسليم تام لنصوص الكتاب والسنة، يعظمونها ولا يعارضونها، وينقادون لها ويتبعونها.

 

يقطعون ألا تعارض بين النقل الصحيح والعقل السليم؛ لأن كل ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع فهو حق وصدق، فلا يمكن أن يناقضه العقل السليم.

 

أيها المسلمون أهلَ السنة والجماعة..

إن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، أعمق صلة بوحي الله تعالى، وأطهر الناس سيرة وأصح لسانا، زكاهم الله تعالى ورضي عنهم، فهم خير الأمة، وأفقه الأمة بالقرآن والسنة.

 

وإذا اختلف الناس؛ فإن الأجدر بالنجاة والصواب، من كان في جانب الأصحاب، فإنهم أبر الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأصحها فطرة، وأحسنها سريرة، وأصرحها برهانا، حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول ﷺ  وأدركوا مراده.

 

 اختارهم الله تعالى على علم على العالمين، سوى الأنبياء والمرسلين، وكل من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة رضي الله عنهم.

 

ولقد اعتصم أهل السنة والجماعة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين فعصمهم الله من التفرق والضلال، فقالوا بما قال به السلف، وسكتوا عما سكتوا عنه، ووسعهم ما وسع السلف.

 

إنهم أهل التوسُّط والاعتِدال، الخيار العدول في الأقوال والأفعال، يلزمون الوسطية، التي هي لزوم هديِ أزكى البشرية، وموافقة سنة خير البرية - ﷺ - .

 

يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ويتولونهم، و لا يغلون في حب أحد منهم ، و لا يتبرأون من أحد منهم ، يبغضون من يبغضهم ، و بغير الخير يذكرهم .

 

يرون حبهم دينا و إيمانا و إحسانا ، و يرون بغضهم كفرا و نفاقا و طغيانا.

 

يرون السمع والطاعة بالمعروف لأئمة المسلمين فريضة، وجمعَ قلوب الناس عليهم عقيدة، لا يخرجون على ولاة أمورهم بالسيف أو اللسان، يدعون لهم بالصلاح ولا يدعون عليهم، ولا ينزعون يدا من طاعتهم .

 

يتبعون السنة والجماعة ، و يجتنبون الشذوذ و الخلاف و الفُرقة.

يرون الجماعة حقا و صوابا ، و الفُرقة زيغا و عذابا.

 

قال رسولُ الله - ﷺ -: « يد الله مع الجماعة»

عصمهم الله من فتنة الغلو في التكفير؛ فلا يكفر بعضهم بعضاً، ولا يستحلون دماء المسلمين، يردون أمر التكفير إلى الله ورسوله وأهل العلم المعتبرين، ويقفون في ذلك عند نصوص الوحي المبين.

 

يعدلون في معاملتهم للقريبِ والبعيدِ، والعدوِّ والصديقِ.

لا يوالون ولا يعادون إلا على الدين والإيمان، يحبون المؤمنين ولو تباعدت بهم الأبدان، واختلفت الألسن والألوان، ويعادون من عادى الله ورسوله، ولو كان أقرب الناس.

 

يؤدون حقوق المسلمين ويهتمون بشأنهم، وينصرونهم ويكفون الأذى عنهم.

 

وبعد عباد الله.. فإن علماء السلف من السابقين ، و من بعدَهم من التابعين، ومن سار على طريقهم من المعاصرين – أهلَ الخير و الأثر، و أهلَ الفقه و النظر – لا يُذكرون إلا بالجميل ، و من ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.

 

الْعُلَمَاءِ الربانيون، والدعاة الصادقون، يلزم إجلالهم وتوقيرهم، وَاحْتِرَامَهُمْ وَتَقْدِيرَهُمْ ، كيف لا؟ وهم وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَمَنَةُ وَحْيِ اللهِ، أَمْضَوْا أَوقَاتَهُمْ مَعَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي نُصْحِ الْأُمَّةِ.

 

اللهم ثبتنا على الإيمان والسنة ، و اختم لنا بهما ، واعصمنا من الأهواء المختلفة ، واسلك بنا سبيل السابقين الأولين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه ومن تبعه.

أما بعد..

فإن الالتزام بمنهج السلف الصالح حتمٌ لا خيار فيه؛ لأنه التزام بدين الله ، وأداء للواجب الذي أمر به الله ؛ قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: 112].

 

إن منهج أهل السنة والجماعة ليس مسؤولا عن رعونات من انتسب إليه زورا وبهتانا، أو أُلصق به كيدا وعدوانا.

 

إن سبيل أهل السنة منهج يعبر عن نفسه؛ لا يملك أحد أن يكون المتحدث باسمه.

 

وإن على الصادقين في انتمائهم لهذا المنهج الأصيل، أمانةَ الدفاع عنه وإبرازِ محاسنه، ودعوةِ الناس إليه برفق وحكمة.

 

وبعد عباد الله.. فـ "لن يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولُها".

فعليكم بسيل السلف أهل التقى والهدى، تسعدوا في الدنيا والأخرى.

قال الله تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

 

 

ثم صلوا وسلموا عباد الله.. على إمام أهل السنّة والجماعة،

صلوا وسلموا على صاحب الحوض والشفاعة.

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

اللهم أحينا على سنته، وأمتنا على ملته، واجعلنا في الدنيا ممن نصر شريعته، وفي الآخرة ممن فاز بشفاعته.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

المرفقات

1630226126_خطبة منهج أهل السنة والجماعة.docx

1630226126_خطبة منهج أهل السنة والجماعة.pdf

المشاهدات 843 | التعليقات 0