منزلةالصدق والصادقين

الشيخ علاء الشال
1442/07/04 - 2021/02/16 21:49PM

منزلةالصدق والصادقين
=============== خطبة الجمعة القادمة ان شاء الله
1- منزلة الصدق فى الاسلام
2-عاقبة الصدق حميدة وعاقبة الكذب وخيمة
3-مواقف أهل الصدق
4-مواطن الصدق ومجالاته
العنصر الأول : منزلة الصدق فى الاسلام
***********************************
الصدق منزلة عظيمة ومرتبة عالية، فهي أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء، وإن أمراً بهذه المنزلة جدير بأن يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق إليه المتسابقون. ولا يمكن أن يصل إلى تلك المنزلة الرفيعة إلاّ من عرف حقيقتها حق المعرفة، فالصدق ليس محصوراً في الأقوال فحسب، بل يتعدى ذلك، فمفهوم الصدق أوسع وأشمل مما يظنه كثير من الناس.
والصدق مطلب أساس في حياة المؤمن، وهو رأس الفضائل، وعنوان الصلاح والفضل. أثنى الله تعالى على مَن لزمه فصار له خُلقًا، فقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ [الحديد: 19].

بالصدق يتميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران. وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من اعتمده سما قدره وعلت مكانته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته وظهرت حجته.

أمر الله تعالى به فقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أخرج البخاري ومسلم واللفظ له عَنْ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ».

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة.

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الصدق أمانة، والكذب خيانة.

ولما كان حمل النفس على الصدق في جميع أمورها شاقا عليها، ولا يمكن لعبد أن يأتي به على وجهه إلا بعون الله وتوفيقه، أمر الله نبيه أن يسأله الصدق في المخرج والمدخل، فقال عز وجل: ﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80].

الصدق من صفات الله عز وجل:

قال سبحانه: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾.

الصدق من صفات الأنبياء والرسل:

﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾.

إبراهيم: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 83، 84]. ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41].

إِسْحَاق وَيَعْقُوب: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 49، 50].

إسماعيل: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 54].

إدريس: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: 56].

يوسف: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾ [يوسف: 46].

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا ويقينا، كان معروفًا بالصدق في قومه، وقد كان ذلك فيه بمثابة السّجيّة والطّبع فعرف بذلك حتّى قبل البعثة، وكان لذلك يلقّب بالصّادق الأمين، واشتهر بهذا وعرف به بين أقرانه. وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق»، وصدق الله- عزّ وجلّ- إذ قال: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 2 - 4].

أخرج البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، - وفي رواية ما جربنا عليك كذبا- قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [المسد: 1، 2].

الصدق من صفات المتقين؛ قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ. ﴿ وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33].

الصحابة: ﴿ لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].
أخرج البخاري عن أَبي الدَّرْدَاءِ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال في حق أبي بكر رضي الله عنه: « هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ ».
الواقع المر الذى نعيشه
----------------------
مصيبة! نتحدث بالصدق ونقول الحقيقة ثم لا يقبل منا!

وهذا هو واقعنا اليوم، فنكذب ونلفق بالأيمان الكاذبة حتى نعد من الصادقين، وإن صدقنا وقلنا الحق لم يقبل منا، فماذا نفعل؟ أليست هذه من علامات آخر الزمان؟

فَقَدْ روى أصحاب السنن حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيه: «سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيهاالصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة» قالوا: "من الرويبضه يارسول الله؟" قال: "التافه يتكلم في أمرالعامة".أخرج أحمد وابن ماجة والحاكم
صدقت يارسول الله، بأبي أنت وأمي، ياحبيبي وكأنك ترى مانعيشه من كذب وتلفيق لحكايات وقصص مخترعة عن الناس، وناهيك من كلام التافهين فى أمور الدين.
هذه أشراط الساعة ظهرت فينا والله المستعان فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً
جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:18-19].

إن أنت تحدثت بالصدق فسترضي الله تبارك وتعالى، وإن أنت كذبت فستسخط الله تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ابتغى رضا الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس في سخط الله سخط الله عليه، وأسخط الناس عليه).

لسان حال الصادق:

فليتك تحلو والحياة مريرة ***وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر***وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين***وكل الذي فوق التراب تراب

من الذي يملك الضر والنفع؟ أليس هو الله؟!

أنت تبتغي رضا من؟ رضا الله أم رضا المخلوق؟!

أحبتي! كثير اليوم من يجامل، ويتنازل عن دينه، ويتنازل عن مبادئه، ويتنازل عن قيمه في سبيل عرض من الدنيا قليل، لما تنزل قول الحق تبارك وتعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59] قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: (أتضيع أمتي الصلاة؟) أتضيع أمة محمد الصلاة! تعجب بأبي هو وأمي، هل يعقل أن أمة محمد تنام وتتخلف عن الصلوات؟ فقال جبريل عليه السلام: (يا محمد! يأتي أقوام من أمتك يبيعون دينهم كله بعرض من الدنيا قليل)
نسأل الله أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

هذا موقف يمر بي وبك في كثير من الأحيان، يمر بنا في متاجرنا.. في أماكن وظائفنا .. في شوارعنا.. في كل مكان، أصبح الكذب سمة بارزة في المجتمع، الجميع يكذب إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وقل أن نرى الصادقين.

العنصر الثانى :عاقبة الصدق حميدة وعاقبة الكذب وخيمة
**********************************************
اعلموا -بارك الله فيكم- أن الصدق امتحان وابتلاء، ولكن عواقب الصدق دائماً حميدة، والكذب -والعياذ بالله- وبال وشر على صاحبه، وعواقبه دائماً وخيمة، وحبل الكذب قصير مهما طال، والبضاعة النادرة إذا قلت في الأسواق غلا ثمنها، وزاد طلب الناس عليها، والبضاعة التي نحتاجها اليوم بضاعة الصدق.

قال ابن القيم رحمه الله: من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] منزلة الصادقين، المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، المنزلة التي فرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان، الصدق الذي صرع الباطل وطرحه، من صال به لم ترد صولته، ومن جال به لم ترد جولته، وهو باب الدخول على الرحمن، قال الله: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119]، وقال: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب:8]، مرتبة الصادقين أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء، قال الله: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].

الصدق من مراتب الأنبياء كما قال الله عن أنبيائه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا [مريم:41]، وقال عن إسماعيل: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، وقال عن يوسف: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ [يوسف:46].

سبب بلوغ الصديق مرتبة الصدق:

بلغ مرتبة الصدق من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لكن السؤال: كيف بلغها؟ وكيف وصل إلى تلك المرتبة العالية؟

وصلها بالأفعال لا بالأقوال، والمواقف هي التي تبين طبيعة الرجال، أما في الرخاء فالجميع يدعي، لكن يأبى الله إلا أن يمتحن هذا ويمتحن ذاك، ليظهر كل إنسان على حقيقته، وهذه سنة ماضية في الأولين وسنة ماضية في اللاحقين: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا [العنكبوت:2-3] وما أقلهم! وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] وما أكثرهم!

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43].

الصدق مرتبة رفيعة بلغها الصديق رضي الله عنه وأرضاه بأفعاله، قالها وصدق الأقوال بالأفعال، والأفعال أبلغ أثراً من الأقوال، جاء أهل مكة إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه في أول البعثة يقولون له: إن صاحبك -يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم- يدعي أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع من ليلته.

القلوب التي لم ترض بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً لم تستطع أن تتصور هذا، فقالوا: يا أبا بكر ! صاحبك يدعي أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع من ليلته، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: أوقد قال؟ قالوا: نعم، قال: صدق! بكل صراحة وبكل ثقة ويقين، وبلا أدنى تردد ولا ريب، وهذه من علامات الإيمان: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]، ما عنده شك أن قدرة الله مطلقة، وأن علم الله مطلق، وأن الله على كل شيء قدير.

قالوا: إنه يقول: أسري به وعرج به في ليلة واحدة، والمطايا لا تقطع هذه المسافة إلا في شهور طويلة، ثم ترجع في شهور أطول بعد تعب وعناء، وصاحبك من ليلة واحدة أسري به ثم عرج به إلى السماء، قال: أوقد قال؟ قالوا: نعم، قال: صدق، نصدقه فيما هو أعظم من هذا، نصدقه في خبر السماء صباح مساء، أفلا نصدق أنه أسري به ثم عرج به إلى السماء؟! فـ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] فسمي أبو بكر من بعدها بـالصديق ، وجاء بالصدق وصدق به.

والمواقف التي تثبت أن الصديق أهل لهذه الكلمة كثيرة، يوم الهجرة يوم امتحان عظيم، فيه تغير مجرى حياة البشرية، وانتقلت قوة الإسلام من مكة إلى المدينة، ومن هناك انطلقت كتائب الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها؛ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، فكان يوم الهجرة يوماً عظيماً، والذي حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالهجرة، وبدءوا بالخروج آحاداً وفرادى وجماعات، وبقي -بأبي هو وأمي- ينتظر الأمر من السماء حتى يخرج إلى المدينة، وأبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- يعد العدة لمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، إنها رحلة من أخطر الرحلات، خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مطلوب حياً أو ميتاً، تخيل رجل تطلبه استخبارات الجزيرة كلها، رجل مطارد من القاصي والداني، من يأتي به حياً أو ميتاً فله مائة ناقة من أطيب أموال العرب، فمن الذي يجازف في مرافقته؟ وماذا تعني مرافقة هذا الرجل في تلك الرحلة الصعبة؟ تعني الموت، لا معنى لتلك الرحلة والمرافقة إلا الموت والهلاك.

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يخبره بأن الله قد أذن له بالهجرة؛ بكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وأخذ يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: الصحبة الصحبة، أسألك بالله الصحبة الصحبة!

أتعي ماذا تعني الصحبة؟ أتعي ماذا تعني تلك المرافقة في تلك الرحلة؟ إنها الموت والهلاك، يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: ما غبطت الصديق على شيء كيوم الهجرة. فهو يوم غير الله فيه مجرى البشرية.

وفي طريق الهجرة أظهر الصديق العجب العجاب، أظهر من الصدق والتفاني في خدمة الدين ما الله به عليم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر : (تارة يسير عن يميني، وتارة عن شمالي، وتارة من أمامي، وتارة من خلفي، قلت: عجب أمرك يا أبا بكر ! قال: يا رسول الله! أتذكر الرصد فأخاف عليك، إن أنا هلكت يهلك رجل واحد، وإن أنت تهلك تهلك البشرية كلها) استحق الصديق أن يكون ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].

ثم المواقف تبين أن الصديق صادق في قوله وفي فعله، في الرخاء يدعي الجميع وصلاً لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم للنفقة، فقال عمر : والله لأتصدقن اليوم بصدقة ما تصدقها الصديق . منافسة على الطاعات، ومسابقة إلى مرضاة رب الأرض والسماوات، لا كما هو الواقع اليوم، سباق على الدنيا وعلى حطامها، انقلبت الموازين، فبدلاً من أن نتسابق إلى مرضاة الله، بدأنا نتسابق على حطام الدنيا الفانية، يقول عمر : والله لأسبقن الصديق اليوم. فأتى بنصف ماله، أتدري ماذا يعني نصف المال؟ أن تخرج نصف الرصيد الذي تملكه، وتنفقه بنفس طيبة راضية في سبيل الله، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنصف ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا أبقيت لأهلك يا عمر ؟ قال: أبقيت مثله) أي: أنفقت النصف وأبقيت النصف الآخر لأهلي. ثم ظل عمر يترقب قدوم الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فجاء ووضع ماله كله في حضن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر ؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) فقال عمر : تباً لك يا عمر ! مثلك ينافس الصديق ؟

ما غيرته الخلافة وما غيرته الإمارة، بل زادته تواضعاً وبذلاً للناس رضي الله عنه وأرضاه، يقول عمر : كنت أراه يصلي الفجر، ثم ينطلق من مصلاه مسرعاً، فقلت: إلى أين يذهب الصديق في مثل هذه الساعة، فتتبعته، فوجدته يدخل بيتاً من بيوت المسلمين، فيمكث فيه حيناً من الزمن، ثم يخرج، فقلت: سأرى ماذا يفعل الصديق في ذلك البيت؟

يقول عمر : فلما خرج الصديق دخلت البيت، فإذا فيه امرأة عمياء معها صبية صغار، قلت: من أنت يا أمة الله؟! قالت: عمياء حسيرة كسيرة، قلت: ومن هذا الرجل الذي يدخل عليكم؟ قالت: ما نعرفه، ما تدري أن هذا خليفة النبي صلى الله عليه وسلم! ما تدري أن هذا هو أمير المؤمنين وقائدهم رضي الله عنه وأرضاه! قال عمر : وماذا يصنع عندكم؟ قالت: يحلب شاتنا، ويكنس دارنا، ويطعم صغارنا، ثم يمضي في سبيله!

هذا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ما غيرته الخلافة والإمارة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : لأسبقن الصديق غداً، قال عمر : فجئتها مبكراً قبل أن يأتيها الصديق في ذلك اليوم، فقالت لي: لقد سبقك صاحبك! جاءها أبو بكر في ذلك اليوم قبل الوقت المعتاد الذي كان يأتيها فيه! فقال عمر : تباً لك يا عمر ! مثلك ينافس الصديق ؟!

سخروا أنفسهم وسخروا أموالهم وسخروا أوقاتهم كلها لمرضاة الله تبارك وتعالى، فقال الله عنهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب:23].
العنصر الثالث:مواقف أهل الصدق
*****************************
المواقف هي التي تبين حقيقة الرجال، أعظم مصيبة مرت على الأمة هي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ما ابتليت الأمة ببلاء، وما أصيبت بمصيبة أعظم من فقد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حين مات ترك رجالاً يعرفون قيمة المسئولية، يعرفون أنهم مسئولون عن هذا الدين، وأنهم سيبذلون كل غالٍ وكل نفيس من أجل نصرة هذا الدين، لما مات النبي صلى الله عليه وسلم بدأت علامات النفاق وبدأت المصائب والآلام تهاجم المدينة الصغيرة من كل الجهات، ارتدت الجزيرة ولم يبق على الإسلام إلا مكة والمدينة، وبدأت الروم والفرس تتربص بالمسلمين الدوائر، فقيض الله للمرتدين أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، فشاور القوم: ماذا تقولون في هذه الأوضاع؟

شتان بين حال الأمة بالأمس وحالها اليوم، في الأمس وجدت الأمة من ينصر دينها، ويصون أعراضها، ويحقن دماءها، ويحفظ مقدساتها في كل مكان، أين لنا بمثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟!

قال أبو بكر لمن معه: ما رأيكم؟ شاورهم في المرتدين، قالوا: هناك جيش صغير أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم لتأديب الروم بقيادة أسامة بن زيد الشاب الصغير ابن السابعة عشرة!

اسمع يا ابن السابعة عشرة، قواد الجيوش من أبناء السابعة عشرة والثامنة عشرة، فماذا يقدم لنا أبناء السابعة عشرة والثامنة عشرة اليوم؟ بعث معاذ سفيراً إلى اليمن وهو ابن ثمان عشرة سنة، فماذا يقدم لنا الشباب اليوم؟

النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بارك لذلك الجيش ودعا له بالخروج، ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج الجيش، وارتد من ارتد، وجمع أبو بكر المهاجرين والأنصار يستشيرهم في الأمر، فقال عمر : نصبر على المرتدين ما داموا يقيمون الصلاة حتى تنجلي الأمور، وتذهب الأحزان، وتخف الآلام، ثم شاور عثمان وعلياً فقالا بمثل مقولة عمر رضي الله عنهم وأرضاهم، أما الصديق الملهم من ربه فكان له رأي آخر، قال: أما جيش أسامة فيمضي في طريقه، من يكون ابن قحافة حتى يخالف أمراً من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبقية الباقية من الرجال تجتمع في المسجد استعداداً للخروج لمقاتلة المرتدين، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه. وقال مقولته التي لا زال التاريخ يشهد لها: أينقص الدين وأنا حي؟!

فانظر إلى ديننا، وإلى بيوتنا وأسواقنا، وإلى كل مكان، من منا قال هذه المقولة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وبذل الغالي والنفيس من أجل نصرة هذا الدين؟

خرج جيش أسامة وخرج أبو بكر رضي الله عنه بالرجال، فقاتلوا المرتدين، ومن أول معركة انتصر الصديق ، وعاد للمدينة واستعد للخروج مرة ثانية، فأشاروا عليه بالبقاء، وقالوا: يا خليفة رسول الله! لا تفتنا في نفسك، فجهز الجيوش، وانطلقت الألوية، حتى فاءت الجزيرة ورجعت إلى دين الله أفواجاً، من الذي أعادها؟

أعادها الرجال، أعادها الذين صدقوا مع الله، فصدق الله معهم، بالمواقف يعرف الرجال، وفي الشدة يعرف الرجال لا في الرخاء.

و من اروع القصص الواقعية عن الصدق ، واحدة وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم .

أعرابى صدق مع الله

آمن رجل من الاعراب برسول الله صلى الله عليه و سلم فاتبعه و صدق بما جاء به . و في يوم من الايام طلب هذا الأعرابي من رسول الله أن يسمح له بأن يهاجر معه في احدى الغزوات ، و بعد غزوة خيبر غنم المسلمون بعض الغنائم فقسمها رسول الله بين أصحابه كعادته و أمر أصحابه باعطاء قسم الى ذلك الاعرابي ...

فلما وصلو عنده اعطوه القسم ، فقال : ما هذا ؟ قالو نصيبك من غزوة خيبر قسمه رسول الله لك .. فذهب الى رسول الله ، و قال له : يا رسول الله !! ما على هذا اتبعتك - يعني لم أؤمن بك من أجل هذه الغنائم - ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا فأموت فأدخل الجنة - مشيرا الى حلقه - أي يريد أن يُقتل في سبيل الله - يا له من رجل صادق مع الله - فقال له سيد الخلق : " ان تصدق الله يصدقك" يعني ان كنت صادقا في ما تقول فسيعطيك الله ما تطلب...

دخل الأعرابي في القتال فرجعوا به الى رسول الله مقتولا !! فقال :" اهو اهو " هل هو ذالك الاعرابي ؟ قال أصحابه نعم ، فقال " صدق الله فصدقه "...

فكفنه رسول الله ثم صلى عليه و قال في دعائه : " اللهم هذا عبدك ، خرج مهاجرا في سبيلك ، قُتل شهيدا ، و أنا عليه شهيد ". رواه النسائي: كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهداء ، والبيهقي: ، وصححه الألباني

- قال الشيخ عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-: بَنَيْتُ أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أُمِّي أربعين دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولمَّا وصلنا أرض (هَمْدَان) خرج علينا عرب، فأخذوا القافلة، فمرَّ واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا. فظنَّ أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدَتْني أُمِّي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها. فصاح باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أُمِّك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله!! ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك. فقال مَنْ معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعًا ببركة الصدق وسببه[الصفوري: نزهة المجالس ومنتخب النفائس 1/131، و انظر سيد حسين العفاني: صلاح الأمة في علو الهمة 5/45.].
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: عمِّي أنس بن النضر -سُمِّيت به- لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبُر عليه، فقال: أول مشهد قد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبتُ عنه!! أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو، إلى أين؟ قال: واهًا لريح الجنة!! أجدها دون أُحُد. فقاتل حتى قُتل، فوُجِدَ في جسده بضعٌ وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، قالت عمَّتِي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عَرَفت أخي إلاَّ ببنانه. ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [سورة الأحزاب: 23][رواه مسلم].
- عن الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي، قال: رِبْعِيُّ بن حِرَاشٍ، تابعي ثقة، لم يكذب قط، كان له ابنان عاصيان زمن الحجاج، فقيل للحجاج: إنَّ أباهما لم يكذب قط، لو أرسلت إليه فسألتَه عنهما. فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ فقال: هما في البيت. فقال: قد عفونا عنهما بصدقك " ذكره الخطيب البغدادي: فى تاريخ بغداد
وصدق ربى الذى قال:
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].
العنصر الرابع: مواطن الصدق ومجالاته
*********************************
1- الصدق مع الله
أعظم مجالات الصدق ومواطنه: الصدق مع الله تبارك وتعالى، لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، أسألك بالله العظيم: هل الصادق ينام عن الصلوات؟ أليس النوم وقت الصلاة من علامات المنافقين؟ أليس التخلف عن الصلوات والتكاسل في أداء الطاعات من صفات المنافقين والعياذ بالله؟ فأين صليت اليوم؟ وهل كنت صادقاً أم كنت من الكاذبين؟!
فعليكم بالصدق مع الله فهو خير لكم قال الله تعالى :
﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21] ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 23، 24]. ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ﴾.

الصدق مع الله يقتضي من العبد أن يسعى جاهدا فيما يرضي ربه سبحانه، من أعمال وأقوال وأحوال؛ قال سبحانه: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾، وقال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

الصدق في الأحوال؛ في النيات:
وهذا يستلزم أن تكون بواعث الأعمال والأقوال كلها لله عز وجل، وأن يكون ظاهر العبد معبرا عن باطنه. الصدق في الأحوال يقتضي حسن الانقياد والإذعان، والخضوع والإخلاص، والخوف والرجاء، والرضا والتوكل والمحبة والحياء، والإجلال، والتعظيم لله وحده... ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

الصدق في الأقوال:
الصدق في القول يستوجب على المسلم أن يحفظ لسانه فلا يتكلم إلا بصدق ولا ينطق إلا بحق، فأحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به سامعه. خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ﴾.

والصدق في القول مطلوب وواجب في الشهادات والتزكيات وغيرها، كما قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].

والصدق في القول مطلوب وواجب أيضا في نقل الأخبار؛ وهذا بدوره يتطلب من الناقل التثبت فيما يقال واجتناب الظنون والأوهام، والحذر من التحدث بكل ما يسمع. م عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ».

الصدق في الأعمال؛ ويتحقق بما يلي:
• العمل بمقتضى العلم الشرعي، كما أخبر سبحانه وتعالى عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾. وقد أنكر سبحانه وتعالى على مَن خالف ما عنده من العلم الشرعي فقال جلّ وعلا: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾. وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

• استواء السريرة والعلانية في الحق، بأن يكون الباطن مثل الظاهر، أو خيرًا منه، فتكون الأعمال الصالحة الظاهرة التي يقوم بها المسلم ترجمة صادقة لما هو مستقر في باطنه، وهذا يستلزم أن يجاهد الإنسان نفسه لتكون سريرته وعلانيته واحدة، وألا تدل أعماله الظاهرة على أمر باطن لا يتصف به حقيقة. ﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾. ﴿قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾ [آل عمران: 167].

• الإتقان في كل عمل صالح يقوم به المسلم، بأداء الأعمال والحقوق كاملة مُوَفّرة، فلا بخس ولا غش ولا خداع ولا ظلم. فبهذا يؤدي المسلم عمله على خير وجه، ويحسن إلى نفسه فلا يلحقه تبعة في عمله، ويحسن إلى الآخرين بتوفيهم حقوقهم. عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ». وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ».

الصدق في الأعمال لا يتحقق إلا بثمن، ولا يصير خُلُقًا إلا بتضحية ومجاهدة طويلة وشاقة، إنه خُلُق لا يتحمله إلا المخلص المتجرد لله تعالى، الذي يُضَحّي في سبيل ذلك بكل حظوظ النفس ومُتَع الحياة، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾.

الصدق في الأعمال يقتضي أن يكون العبد مطيعا لربه ممتثلا لأمره، ومجتنبا لنهيه، آخذا بكتابه مقتديا برسوله.
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ***هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته ***إن المحب لمن يحب مطيع

قال الغزالي في (خلق المسلم) "العمل الصادق هو العمل الذي لا ريبة فيه لأنه وليد اليقين، ولا هوى معه لأنه قرين الإخلاص، ولا عوج عليه لأنه نبعٌ من الحق".

قال إبراهيم الخواص: الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه، أو فضل يعمل فيه.

فعليكم بالصدق الزموه وكونوا مع أهله، ففيه النجاة، وفيه الفرَج.

فالصدق يكشف عن معدن الإنسان وحسن سريرته، وطيب سيرته، كما أن الكذب يكشف عن خبث طوية صاحبه، وقبح سيرته. الصدق منجاة، والكذب مرداة. الصدق محبوب ممدوح في العقول السليمة، والفطر السويّة. والكذب مذموم ممقوت تمجه الطباع والفطر السليمة.

2) الصدق مع الخلق:
• حاجة المجتمع إلى خلق الصدق في التعامل بين أفراده:
فالصدق ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية، بل هو أكبر أبواب السعادة للأفراد وللأمة.
الصدقُ أفْضَلُ ما حضرتَ به
ولربما ضرّ الفتى كذبهُ

ولعل أصدق ميزان لرقي أمة من الأمم صدق أفرادها في أقوالهم وأعمالهم، وإنها لأزمة كبيرة تلك التي يعاني منها الناس في تعاملهم عندما يفقدون الثقة فيما بينهم نتيجة فقدهم لخلق الصدق، وانتشار خلق الكذب بينهم: الكذب في الأقوال والكذب في الأعمال، والكذب في النيات، فليس غريباً إذن أن تقف الشرائع كلها مشددة في خلق الصدق، منكِرة رذيلة الكذب.

إن العلاقات الاجتماعية، والمعاملات الإنسانية، تعتمد على شرف الكلمة وصدقها، ولولا الثقة بشرف الكلمة وصدقها لتفككت معظم الروابط الاجتماعية بين الناس، ويكفي أن نتصور مجتمعاً قائما على الكذب لندرك مبلغ تفككه وتمزقه، وانعدام صور التعاون والتلاحم بين أفراده.

كيف يكون لمجتمع ما كيان متماسك وأفراده لا يتعاملون فيما بينهم بالصدق؟ وكيف يكون لمثل هذا المجتمع رصيد من ثقافة أو تاريخ أو حضارة في غياب الصدق بين أفراده؟

كيف يوثق بنقل المعارف والعلوم إذا غاب الصدق في المجتمع؟

كيف يوثق بنقل الأخبار والتواريخ إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع؟

كيف يوثق بالوعود والعهود ما لم يكن الصدق أساس التعامل بين الناس؟

كيف يوثق بالدعاوى والشهادات ودلائل الإثبات، إذا غاب الصدق وحل محله الكذب والافتراء؟...

كيف يهنأ لمجتمع عيش إذا ما حلت به السنوات الخداعات، تقلب فيها الموازين، وينتشر فيها المكر والخديعة، والكذب والحيل. وقد حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم:
أخرج أحمد وابن ماجة والحاكم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ، يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ».

ما أجمل أن يكون الصدق مشاعا بين الناس، بين الأسر، بين الجيران، في البيوت والمدارس والمؤسسات، في الشوارع والمتاجر والأسواق. في كل مكان، ومع كل إنسان.

فواجب على الآباء والأمهات وكافة المربين أن يغرسوا فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها.

أخرج أحمد وأبو داود والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ ». وكم من الأمهات يكذبن على أبنائهن، وكم من الآباء يكذبون على أبنائهم، وما علموا أنهم بذلك يغرسون خلق الكذب في نفوس أبنائهم. فأين الآباء والأمهات من تربية أبنائهم على الصدق؟ والسير بهم في طريق الصادقين؟..
ومن أعظم مجالات الصدق: أن نصدق مع أنفسنا، ومن صدق مع الله صدق مع نفسه.

ومن أعظم مجالات الصدق: أن نصدق مع الآخرين، وأن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا. فالصدق طريق الجنة لأنه يهدى الى البر والبريهدى الى الجنة
قال رسول الله صل الله عليه وسلم " إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدى الى الجنة .." البخاري ومسلم .:بل الصدق باب الطمأنينة
عن ابي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب :ـ حفظت من رسول الله "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة ، وإن الكذب ريبه ..." الترمذي، أحمد ، وصححه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي .
3] الصدق فى البيع والشراء:
عن أبي خالد حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما .. البخاري ومسلم .
4]طلب الشهادة بصدق:
عن أبي ثابت وقيل أبي سعيد وقيل أبي الوليد سهل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " . رواه مسلم .
5] الصدق فى الحديث:
عن عبدالله بن عمر بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا ( حفظ أمانة ، وحسن خليقة ، وصدق حديث – وعفه في مطعم ) . أحمد – وصححه الألباني .

6]الصدق في التوبة:

أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله عباد الله! اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.

أتدرون من الصادق؟ الصادق هو الذي يصدق في توبته وفي رجعته وإنابته إلى ربه تبارك وتعالى، لذلك جاء في سياق سورة التوبة بعد أن ذكر الله أخبار الثلاثة الذين خلفوا: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118]، ثم قال الله في الآية التي تليها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] أي: كونوا مع الذين تابوا وصدقوا في توبتهم ورجعتهم وإنابتهم إلى ربهم تبارك وتعالى.

كثير منا يتوب، ولكنه يكذب في توبته، ويتمادى في خطئه وزلته، وتناسى أن الله يمهل، وأنّ الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون.

قال منصور بن عمار : كان لي صديق مسرفا على نفسه، ثم تاب، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد، ففقدته أياماً، فقيل لي: هو مريض، فأتيت إلى داره، فخرجت إلي ابنته، فقالت: من تريد؟ قلت: قولي لأبيك: فلان، فاستأذنت لي، ثم دخلت، فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه، وقد اسود وجهه، وذرفت عيناه، وغلظت شفتاه، فقلت له وأنا خائف منه: يا أخي! أكثر من قول: لا إله إلا الله، ففتح عينيه فنظر إلى بشدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقلت له ثانية: أكثر من قول: لا إله إلا الله، ثم قلتها له ثالثة، ففتح عينيه وقال: يا أخي منصور ! هذه كلمة قد حيل بيني وبينها، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قلت: يا أخي! أين تلك الصلاة؟ أين ذلك الصيام؟ أين التهجد والقيام؟ فقال: كان كل ذلك لغير الله، وكانت توبتي كاذبة، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني، وأذكر به، وكنت أفعل ذلك رياء للناس، فأبى الله إلا أن يطرحه، قال: فكنت إذا خلوت بنفسي أغلقت الأبواب، وأسدلت الستور، وشربت الخمور، وبارزت ربي بالمعاصي، ودمت على تلك مدة من الزمان، فأصابني مرض، وأشرفت على الهلاك، فقلت لابنتي هذه: ناوليني المصحف وأخرجوني إلى وسط الدار في الفناء، قال: فأخذوني إلى وسط الدار في الفناء، ومعي المصحف، فنظرت فيه وقرأت فيه، فقلت: اللهم بحق كلامك هذا في هذا القرآن العظيم إلا شفيتني، وأنا أعاهدك ألا أعود إلى الذنب مرة ثانية، ففرج الله

المشاهدات 437 | التعليقات 0