مكانة مصر في الإسلام
Sheikh Sayed2019
﷽
مكانة مصر في الإسلام
إعداد : الشيخ السيد طه أحمد
الحمد لله رب العالمين ....فضل بعض الشهور علي بعض، وفضل الأماكن علي بعض فضل البيت الحرام وبيت المقدس وطور سيناء علي كل الأماكن فاقسم بهم في القرآن الكريم فقال تعالي }وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3){ التين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شرف أرض مصر وجعلها آمنة فقال تعالي علي لسان نبيه يوسف عليه السلام } وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99){ يوسف .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ)..أوصي بأهل مصر خيرا .. فقال (ﷺ): "أحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً". رواه أحمد.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون ...
إن حديثي وثنائي على مصر هو كمدح الأعرابي وثنائه على القمر:
كان يمشي في الظلام الدامس وفجأة طلع عليه القمر، فأخذ الأعرابي يناشد القمر ويشكره، ويقول: يا قمر، إن قلت: جملك الله؛ فقد جملك، وإن قلت: رفعك الله؛ فقد رفعك
مصر المسلمة التي شكرت ربها، وسجدت لمولاها.
مصر التي قدمت قلوبها طاعة لربها، وجرت دماؤها بمحبه نبيها عليه الصلاة والسلام.
إن لك يا مصر في عالم البطولة قصة، وفي دنيا التضحيات مكان، وفي مسار العبقريات كرسي لا ينسى، دخلت مصر في الإسلام طوعاً، ودخل الإسلام قلب مصر حباً، وأحب المصريون ربهم تبارك وتعالى فذادوا عن دينه، وحموا شرعه، ونشروا منهجه قديما وما زالوا ..
فالحديث عن مصر ومكانتها حبيب إلي النفس لأنني عندما أتكلم عن مصر أتكلم عن نفسي التي تهيم في حبها وتتمني أن تراها في أحسن حال وفي مقدمة الأمم وتكون لها السيادة والريادة كما كانت من قبل .
لذا فإني أكتب عنها بعواطفي ومشاعري وأبثها حبي وشوقي ، من باب رد الجميل لمصرنا الحبيبة .. أردت أن أبين مكانة مصر في الإسلام من خلال القرآن والسنة ..
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ مصر في الكتب السماوية .
2ـ مصر في القرآن الكريم .
3ـ مصر في السنة النبوية المطهرة .
4ـ مصر أرض الأنبياء والصحابة والصالجين.
5ـ عطاءات مصر .
6ـ واجبنا نحو مصر .
العنصر الأول : مصر في الكتب السماوية :ـ
قيل إن مصر ذكرت في العهدين القديم والجديد 698مرة، ومن ذلك ما روي عن كعب الأحبار قال: "مصر بلد معافاة من الفتن مَن أرادها بسوء كبه الله على وجهه".
العنصر الثاني : مصر في القرآن الكريم :ـ
لقد ذكر الله تعالى مصر في أربعة مواضع في كتابه الكريم، وفي ذلك تشريفا لها وتكريما، فقال جَلّ من قائل: }وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ (21){ يوسف
وقال سبحانه: }وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ (99){ يوسف
وقال أصدق القائلين:} وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتٗا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَةٗ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (87){ يونس
وقال عز وجلّ قاصاً قول فرعون: }قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ (51){ الزخرف
وذكرها سبحانه إشارة في مواضع عديدة تبلغ قرابة الثلاثين، وذلك نحو قوله تعالى: }وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ.. (30){ يوسف (المدينة هي مصر) .
وقوله تعالى: {وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا ...(15){القصص ( المدينة مصر)
وكقوله تعالى قاصاً قول آل فرعون: {وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ (127){ الأعراف.
- وكقوله تعالى قاصاً قول ناصح موسى عليه الصلاة والسلام: }وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ(20) { القصص... إلى آخر تلك المواضع الكثيرة.
- وقد وصف سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف فقال جل من قائل: }كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ (25) وَزُرُوعٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ (26) وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ (27) كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ (28)} الدخان .
- وقد وُصفت مصر في القرآن بأنها خزائن الأرض فقال سبحانه وتعالى قاصاً قولَ يوسف عليه الصلاة والسلام: }قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ (55){ يوسف . وما ذلك إلا لكثرة خيراتها، وعظم غلاتها، وجودة أرضها.
وخزائن الأرض هنا وزارة مالية مصر والتى تعد خزائن الأرض كما ذكر ربنا فقيمة مصر في ذلك الوقت تعادل الكوكب الأرضي بأسره
- ولم يذكر نهر من الأنهار في القرآن سوى النيل، وذلك في قوله تعالى: }وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ .. (7){ القصص
والمفسرون على أن المقصود باليم هنا هو نيل مصر.
- وقال الكندي: لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله تعالى عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.
وأقسم بها في القرآن الكريم فقال تعالي { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3){ التين .
وهي منزل للأنبياء والأماكن المقدسة ، فمصر مليئة بالأماكن المقدسة ومهبط لكثير من الأنبياء، ففيها سيناء التي ذكرها الله في القرآن أكثر من مرة،
قال تعالى: " {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ(20)}المؤمنون
أي وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور "سيناء", يعصر منها الزيت, فيدَّهن ويؤتدم به.
وواعد الله موسى عليه السلام من جانب الطور الأيمن لإنزال التوراة عليه هناك، قال تعالى: "{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى(80)}طه.
ونادى الله موسى عليه السلام من نفس المكان وقربه إليه، قال تعالى{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً(52)}مريم.
وفي هذا تشريف عظيم للطور، بل سمى الله الوادي الذي كلم عليه موسى المقدس (طوى )
قال تعالى{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)}طه.
أي إني أنا ربك فاخلع نعليك, إنك الآن بوادي "طوى" الذي باركته, وذلك استعدادًا لمناجاة ربه.
وهي أرض الربوة :ـ
في مصر الربوة التي أوى إليها عيسى بن مريم وأمه على أحد أربعة أقوال للسلف، فقد قال ابن وهب وابن زيد وابن السائب أن مكان الربوة المذكورة في قوله تعالى:}وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ (50){(المؤمنون). إنها في مصر.
وهي أرض التمكين :
مصر أرض التمكين للمؤمنين المستضعفين في الأوض فقال تعالي } وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6){ القصص.
وقال تعالي }وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (21){ وقال تعالى } وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (56) { (يوسف)
والأرض في الآية هي مصر و قد ذكرت في عشر مواضع باسم الأرض في القرآن كما ذكر عبد الله بن عباس .
العنصر الثالث : مصر في السنة النبوية :ـ
- لقد أوصى رسولنا الأعظم (ﷺ) بأهل مصر خيراً ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) " ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحما ". (رواه مسلم)
والرحم لأن أم إسماعيل وهاجر من القبط، وفي لفظ: "فإن لهم ذمة وصهراً"، والصهر لأن مارية أم إبراهيم رضي الله عنه منهم، والذمة: هي الحُرمة والأمان.
- ولذلك قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قبط مصر أخوال قريش مرتين.
- وقال رسول الله (ﷺ): "أحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً".(رواه مسلم وأحمد)
- وعن أم سلمة رضي الله عنها- أن رسول الله (ﷺ) أوصى عند وفاته، فقال: " الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله ".
أخرجه الطبراني، وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن يزيد وعمرو بن حريث وغيرهما رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله - (ﷺ) " إنكم ستقدمون على قوم جعدة رءوسهم فاستوصوا بهم خيرًا؟ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله ".( رواه أبو يعلى الموصلي وعنه ابن حبان في صحيحه).
لقد صلى النبي (ﷺ) بها في رحلة الإسراء:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:" أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال انزل فصل. ففعلت فقال أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر، ثم قال انزل فصل. فصليت فقال أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه ..." (رواه مسلم)
نهرها النيل من أنهار الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة".( رواه مسلم)
العنصر الرابع : مصر أرض الأنبياء والصحابة والصالجين:ـ
عاش علي أرضها الأنبياء :ـ
كان بها صفوة خلق الله: فكان بمصر من الأنبياء: إبراهيم الخليل، ويعقوب، ويوسف. واثنا عشر نبياً من ولد يعقوب وهم الأسباط وموسى وهارون ويوشع بن نون، وعيسى بن مريم، ودانيال، عليهم الصلاة والسلام.
عاش علي أرضها الصحابة :ـ
عاش علي أرضها من الصحابة: الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص وكان أمير القوم، وعبد الله بن عمرو، وخارجة بن حذافة العدوي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيس بن أبي العاص السهمي، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح العامري،، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، هبيب بن معقل...
عاش علي أرضها الفقهاء والعلماء :ـ
الإمام الشعبي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعكرمة، ومحمد بن إسماعيل بن علية، والشافعي، وحفص الفرد ، وإبراهيم بن أدهم، ومنصور بن عمار المتكلم. يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، وأشهب، وابن القاسم وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى ، ومحمد بن عبد الحكم، والمزني، والربيع، وأحمد بن سلامة الطحاوي، وشيخ الإسلام البلقيني، وابن حجر العسقلاني...
فمن الأسماء اللامعة في العلوم الحديثة مثل ... الرياضيات والفلك والطب والفلسفة والمنطق وغيرها من العلوم: الإسكندر ذو القرنين، الذي تلا الله قصته في القرآن الكريم، ومنهم فيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطا طاليس و أرشيمدس في الهندسة وجالينوس في الطبيعة.
حتى إنها كانت وما زالت تعلم وترسل بعثاتها إلى الخليج العربي لتعليم كافة العلوم والفنون، في الأدب والفقه والشريعة والحديث والقرآن وغيرها من العلوم.
العنصر الخامس : عطاءات مصر:ـ
جعل الله جوها معتدلا وهواؤها نقيا وتتوسط الكرة الأرضية فهي بين آسيا وشمال أفريقيا، فليست هي ببلاد الطقس البارد والثلوج كروسيا وأوربا، ولا هي ببلاد الحر الشديد كالحجاز وأفريقيا، وهي منبت لجميع الثمار وأرضها خصبة لجميع الزروع، وكانت تسمى ببقرة الخلافة، أي إنها كانت تدر على دولة الخلافة في المدينة الكثير من الخير لما حدث بها جدب.
وعن كعب الأحبار أنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وأزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت طيرها.
ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية : "لا يقوم الاسلام إلا بمصر والشام ولا يموت الاسلام إلا بموت مصر والشام"
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة، وقد جباها في أول سنة عشرة ملايين دينار، وقد كانت تجبي قبل ذلك للروم عشرين مليون دينارا، فانظر كيف أتى الإسلام بالرحمة لأهل مصر.
مصر وكسوة الكعبة :ـ
لقد أرسل سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه، إلى عامله في مصر أن يصنع كسوة للكعبة المشرفة , فصنعت الكسوة من عهد عمر رضي الله عنه وظلت كسوة الكعبة تصنع هناك في مصر سنة تلو سنة حتى مرت أكثر من ألف سنة وكسوة الكعبة ترسل من مصر إلى مكة ولم يتوقف ذلك إلا قبل قرابة المائة سنة .
ولمصر من المواقف العظيمة مالها علي سبيل المثال ...
قال سعيد بن أبي هلال: مصر أم البلاد، وغوث العباد.
موقف مصر في عهد سيدنا يوسف
كانت مصر سلة الغذاء للأمة كلها فلما حدثت المجاعة في الجزيرة العربية لم يجدوا منقذا لهم يلجئون إليه إلا مصر في عهد نبي الله يوسف عليه السلام الذي قال} قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ (55){ ]يوسف[ .
والذي استطاع بفضل الله تعالي ثم بفضل تخطيطه الدقيق أن ينقذ الأمة من مجاعة محققة كادت أن تودي بالأخضر واليابس .
قال تعالي :}يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49){.]يوسف[
قص علينا القرآن قصة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام، وكيف أنقذ الله على يديه مصر وما حولها من أزمة غذائية طاحنة، ألهم الله يوسف فخطط لها أحسن التخطيط لمدة خمسة عشر عاما، أقام فيها اقتصاد مصر ـ وكانت الزراعة أساسه ومحوره ـ على زيادة الإنتاج، وتقليل الاستهلاك، وتنظيم الادخار، وإعادة الاستثمار، حتى نجت مصر من المجاعة، وخرجت من الأزمة معافاة، بل كان لها فضل على ما حولها من البلدان، التي لجأ إليها أهلها يلتمسوا عندها الميرة والمئونة، كما يبدو ذلك في قصة إخوة يوسف الذين ترددوا على مصر مرة بعد مرة، وقالوا له في المرة الأخيرة: }يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ (88)){ (يوسف). كان هذا التخطيط مما علمه الله ليوسف عليه السلام ومما أكرم الله به أهل مصر.
وكان يوسف عليه السلام هو الذي رسم معالم التخطيط، وهو الذي قام بالتنفيذ، وهو لدى الدولة مصر مكين أمين، وعلى خزانتها وأمورها حفيظ عليم.
موقف مصر في عام الرمادة :ــ
أصاب المسلمين في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه قحطٌ أكل الأخضر واليابس (عام الرمادة) وقال عمر رضي الله عنه :[والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين ] وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهارا نزل الأعراب حوله في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال.
وأخذ يقول:[يا ليت أم عمر لم تلد عمر .. يا ليتني ما عرفت الحياة.. آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين[
لأنه يرى أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرَّى، والبطون الجائعة
وفي الأخير تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية
وكان والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه الداهية العملاق، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص
أمَّا بَعْـد:
فوا غوثاه... وا غوثاه... والسلام
وأخذها عمرو بن العاص ، وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم ، ولما قرأها عمرو ؛ أجاب عمر على الهواء مباشرة، وقال:[لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر[
وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل تحمل النماء والحياة والخير والزرق والعطاء لعاصمة الإسلام
ودعا لهم عمر رضي الله عنه ، وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر.
جهاد مصر ضد الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي
سقطت القدس بأيدي الصليبيين من سنة 492 هجرية لسنة 583 هجرية حين ظهر صلاح الدين، وللعلم فإن صلاح الدين لم يكن وحده رجلا مؤمنا، بل كان واحدا من جيل كله قلوبهم متعلقة بالإيمان.
فاسمع إلى [ابن كثير]، وغيره من أهل السير وهم يسردون لك ذلك الحدث في ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة للهجرة: دخل ألف ألف مقاتل بيت المقدس، وصنعوا فيه ما لا تصنعه وحوش الغاب، وارتكبوا فيه ما لا ترتكب أكثر منه الشياطين، لبثوا فيه أسبوعًا؛ يقتلون المسلمين حتى بلغ عدد القتلى أكثر من ستين ألفًا، منهم الأئمة، والعلماء، والمُتَعبدون، والمُجَاورون، وكانوا يُجْبِرون المسلمين على إلقاء أنفسهم من أعالي البيوت؛ لأنهم يُشعلون النار عليهم وهم فيها فلا يجدون مخرجًا إلا بإلقاء أنفسهم من على السطوح، جاثوا فيها خلال الديار، وتبَّروا ما علوا تتبيرا، وأخذوا أطنان الذهب والفضة والدراهم والدنانير، ثم وُضِعت الصُلبان على بيت المقدس، وأدخلت فيه الخنازير، ونودي من على مآذن لطالما أطلق التوحيد من عليها: أن الله ثالث ثلاثة -جل الله وتبارك- فذهب الناس على وجوههم مستغيثين إلى العراق، وتباكى المسلمون في كل مكان لهذا الحدث، وظنَّ اليائسون أن لا عودة لبيت المقدس أبدًا إلى حظيرة المسلمين.
ويمضي الزمن، ويُعَدُّ الرجال، وفي سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة للهجرة 583 هـ .
أعد صلاح الدين جيشًا لاسترداد بيت المقدس، وتأديب الصليبيين على مبدئهم هم.
وفي وقت الإعداد تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى تُعَجِّل له هذا الأمر، وهذه المَكْرُمة، فإذا بالرسالة على لسان المسجد الأقصى:
يا أيها الملك الذي لمعالم الصُلبان نَكَّس
جاءت إليك ظِلامَة تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طُهِرَت وأنا على شرفي أُنَجَّس
فانتخى وصاح: وا إسلاماه، وامتنع عن الضحك، وسارع في الإعداد، ولم يُقارف بعدها ما يُوجب الغُسل.
وعندها علم الصليبيون أن هذا من جنود محمد (ﷺ) فتصالح ملوك النصارى، وجاءوا بِحَدِّهم وحديدهم، وكانوا ثلاثة وستين ألفا، فتَقَدَّم صلاح الدين إلى طبرية ففتحها بـ لا إله إلا الله، فصارت البحيرة إلى حوزته، ثم استدرجهم إلى الموضع الذي يريده هو، ثم لم يصل إلى الكفار بعدها قطرة ماء، إذ صارت البحيرة في حوزته فصاروا في عطش عظيم، وعندها تقابل الجيشان، وتواجه الفريقان، وأَسْفر وجه الإيمان، واغْبَرَّ وجه الظلم والطغيان، ودارت دائرة السوء على عبدة الصُّلبان عشية يوم الجمعة، واستمرت إلى السبت، الذي كان عسيرًا على أهل الأحد، إذ طْلعت عليهم الشمس، واشْتَدَّ الحر، وقوي العطش، وأُضْرِمت النار من قبل صلاح الدين في الحشيش التي كان تحت سنابك خيل الكفار، فاجتمع عليهم حر الشمس، وحر العطش، وحر النار، وحر السلاح، وحر رشق النبال، وحر مقابلة أهل الإيمان، وقام الخطباء يستثيرون أهل الإيمان، ثم صاح المسلمون وكبروا تكبيرة اهتز لها السهل والجبل، ثم هجموا كالسيل الدَّفَّاع لِيَنْهَزِم الكفار، ويُؤسَر ملوكهم، ويُقْتَل منهم ثلاثون ألفًا، حتى قِيْل لم يَبْقَ أحد، ويُؤسَر منهم ثلاثون ألفًا، حتى قيل لم يُقْتل أحد .
فلم يُسْمع بمثل هذا اليوم في عِزِ الإسلام وأهله إلا في عصر الصحابة، حتى ذُكِر أن بعض الفلاحين رئي وهو يقود نيفا وثلاثين أسيرا يربطهم في طنب خيمته، وباع بعضهم أسيرًا بنعل يلبسها، وباع بعضهم أسيرًا بكلب يحرس له غنمه، ثم أمر السلطان صلاح الدين جيوشه أن تستريح لتتقدم إلى فتح بيت المقدس، ففي هذه الاستراحة كيف كانت النفوس المؤمنة التي لا تيأس؟ الرؤوس لم تُرفع من سجودها، والدموع لم تُمْسح من خدودها، يوم عادت البِيَعُ مساجد، والمكان الذي يُقال فيه إن الله ثالث ثلاثة، صار يُشهد فيه أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ثم صار نحو بيت المقدس ليفتحه من جهته الشرقية ويخرجهم منه والتقى بالصليبيين في حطين في آخر ربيع الآخر، وكان عدد الصليبيين ستين ألفاً ومعهم ملوك أوروبا، وانتصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين ، وفي السابع والعشرين من رجب سنة (583 هـ) حاصرت جيوش صلاح الدين بيت المقدس من كل الجوانب، واستعد المجاهدون والمتطوعة برميها بالنفاطات وبالمجانيق، وعند ذلك عرض بليان بن نيزران والي القدس من قبل الصليبيين على صلاح الدين الأيوبي أن يتنازل له بالقدس صلحاً، فقال له صلاح الدين : والله لا آخذها إلا عنوة كما أخذتموها من المسلمين عنوة، وأقتل رجالكم وأسبي نساءكم، فقال له بليان بن برزان : إذاً والله نقتل كل من معنا من أسرى المسلمين، وكانوا خمسة آلاف أسير- ونقتل نساءنا وأطفالنا، ونهدم المصانع (يعني: البيوت) ونغور نبع بيسان، ثم نخرج إليكم نقاتلكم في الصحراء، لا يقتل منا قتيل إلا قتل منكم عشرة ودون قيامة تقوم القيامة، وهنا استشار صلاح الدين رجال مشورته ورق لأسرى المسلمين، ورضي أن يخرجوا من بيت المقدس ، فكان له ذلك على أن يبذلَ كل رجل منهم ويخرج ذليلا، يبذل عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة، وعن الطفل دينارين، ومن عجز كان أسيرًا للمؤمنين، فعجز منهم ستة عشر ألفًا كانوا أسرى للمسلمين، ودخل المسلمون بيت المقدس، وطَهَّروه من الصليب، وطَهروه من الخنزير، ونادى المسلمون بالآذان، وَوُحدوا الرحمن، وجاء الحق وبَطلت الأباطيل، وكَثُرت السجدات، وتنوعت العبادات، وارتفعت الدعوات، وتَنَزَّلت البركات، وتَجَلَّت الكربات، وأُقِيمت الصلوات، وأَذَّن المُؤَذِنون وخَرِسَ القسيسون، وأُحْضِر منبر [نور الدين] الشهيد عليه رحمة الله الجليل الذي كان يأمل أن يكون الفتح على يديه فكان على يدي تلميذه [صلاح الدين].
وكان نور الدين محموداً قد عمل بحلب منبراَ أمر الصناع بالمبالغة في تحسينه واتقانه، وقال: هذا عملناه لينصب بالبيت المقدس، فعمله النجارون عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله فأمر بإحضاره، فحمل من حلب ونصب بالقدس، وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنه، وكان هذا من كرامات نور الدين وحسن مقاصده" كان كلما مر عليه ملأ سخروا منه كما كان الناس يسخرون من نبي الله نوح عليه السلام وهو يصنع السفينة . وَرَقى الخطيب المنبر في أول جمعة بعد تعطل للجمعة والجماعة في المسجد الأقصى دام واحدًا وتسعين عامًا، فكان مما بدأ به الخطيب خطبته بعد أن حمد الله أن قال: }فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (45){ ]الأنعام [. لله الأمر من قبل ومن بعد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
جهاد مصر ضد التتار بقيادة قطز:ــ
من وقت أن فتحت مصر وأصبحت قلعة الإسلام الأولى لصد أي عدوان على العالم الإسلامي، وكيف لا وقد أوصى الرسول (ﷺ) أصحابه بذلك، فعن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: " إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيراً، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة". (أخرجه: ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن عساكر).
دخل التتار العالم الإسلامي فدمروه.. هدموا المساجد، ومزقوا المصاحف، وذبحوا الشيوخ، وقتلوا الأطفال، وعبثوا بالأعراض، بل دمروا عاصمة الدنيا بغداد
وزحفوا إلى مصر ليحتلوها، وخرج المصريون وراء الملك المسلم قطز الذي يحمل لافتة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكانت عين جالوت
والذي حث الناس على الجهاد هو العالم سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى.
والتقى التتار الأمة البربرية البشعة، التي لم يعلم في تاريخ الإنسان أمة أشرس ولا أقوى ولا أشجع منها، التقوا بالمسلمين المصريين؛ بجيل محمد عليه الصلاة والسلام .
ولما حضرت المعركة والتقى الجمعان، قام قطز فألقى لأمته من على رأسه، وأخذ يهتف في المعركة: وا إسلاماه... وا إسلاماه... وا إسلاماه
فقدموا المهج رخيصة، وسكبوا الدماء هادرة معطاءة طاهرة، وانتصر الإسلام وسحق التتار، ومنيوا بهزيمة لم يسمع بمثلها في التاريخ
مصر والعدوان الثلاثي
أتى العدوان الثلاثي الغاشم يريد اجتياح مصر، وخرج المؤمنون بعقيدتهم وتوحيدهم يدافعون الدول الثلاث، خرجوا يهتفون مع صباح مصر :
أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة *** أرض الأبوة والسؤددا
فجرد حسامك من غمده *** فليس له اليوم أن يغمدا
وسحقوا العدوان الثلاثي، واندحر العميل الغادر الغاشم بنصر الله ثم بضربات المؤمنين، وكلكم يعلم أن العالم الإسلامي حارب إسرائيل ما يقارب أربعين سنة، فكانت مصر أكثر الأمة جراحاً، وأعظمها تضحيةً، وأكبرها إنفاقاً، وأجلها مصيبةً..
هذه مصر ..قدمت آلاف وملايين الأبناء البررة المؤمنين، والدماء الذكية الطاهرة، والآراء الحكيمة السديدة.
العنصر السادس : واجبنا نحو مصر :ـ
هذا الوطن الغالي مصر محل عبادتنا لربنا , فيه مساجدنا , ومدارسنا وجامعتنا ،وأهلنا ،وعلماؤنا , وأموالنا ،حيث تعلمنا أمور ديننا ودنيانا ، قدمت لنا ولغيرنا الكثير ،فكان لزاما علينا أن نؤدي واجبنا نحوه ونعرف أن أداؤنا للواجب ليس منة ولا تفضلا وإنما واجب ودين في رقبتنا نسأل عنه أمام الله تعالي ، نؤجر إن وفينا ونعاقب إن قصرنا ، فمن حق الوطن علينا :ـــ
1ـ المحافظة على تديُّن مصر ،ونشْر الخير بين أبنائها، ومقارعة الفساد فيها:ـ
فبلدنا قام على الإسلام، ويُحكَم فيه بالإسلام ، وأنظار الملايين من المسلمين تتَّجه نحو دِين وتديُّنِ بلادنا، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين.
ولا بد أن نعلم أن إشاعة الفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء وطننا خيانةٌ عظمي لهذا الوطن .
و يعد من أكبر الخيانة الوطنية حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها. ولن يتم ذلك إلا بالإصلاح الشامل في وطننا ، ويعتبر الإصلاح واجب على كل فرد في الوطن ولا اعفاء لأحد، لأن كل فرد مطالب بالإصلاح على الأقل داخل محيط أسرته؛ فقد جعل رسولنا الكريم (ﷺ) كلَّ فرد مسؤولاً، والمقصود من المسؤولية هي الإصلاح؛ فيقول النبي (ﷺ) :}كلُّكم راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده، ومسؤول عن رعيته{ ]رواه البخاري ومسلم[ .
بل أخذ النبي (ﷺ) العهدَ على أصحابه عند دخولهم في الإسلام بأن يكونوا مُصلِحين، وذلك بالنصح لكل المسلمين، فشرط على كل واحد منهم أن يكون مصلحًا، وذلك بأن يكون ناصحًا، ومن ذلك حديث جَرِير بن عبدالله رضي الله عنه في الصحيحين يقول: "أتيت النبي (ﷺ) قلتُ أبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ، (والنصح لكل مسلم)، فبايعتُه على هذا".
• وإذا أردنا النجاة لمصر ولأهلها، فعلينا بالإصلاح؛ فإن الله سبحانه جعل النجاة فيه؛ قال تعالى } وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117){ [هود].
فقال سبحانه مصلحون، ولم يقل: صالحون؛ لأن مجرد الصلاح لا ينجِّي الأمم؛ لأن النبي (ﷺ) سئل؛ كما في الصحيحين: "أَنَهْلِك وفينا الصالحون، قال:(نعم، إذا كثر الخبث).
وها هم أصحاب السبت، حرَّم الله عليهم الصيد يوم السبت، فكانوا يتحايلون على شرع الله. ونجد الصالحين في هذا المكان انقسموا إلى فريقين:ـ
ـ فريق نقل نفسه إلى درجة الإصلاح، وأنكروا عليهم ما يفعلونه من مخالفتهم لشرع ربهم.
ـ وفريق صالح سكت، بل عاتب مَن أراد الإصلاح، فقالوا لهم}لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164){[ 164]؛ فانظروا إلى عاقبة ذلك، أن نجَّى الله المصلحين؛ فقال سبحانه } فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ (165){ [الأعراف]؛ أي المصلحين، } وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165){ [165]،
واختلف المفسرون في الصالحين الذين سكتوا، وفريق منهم على أنهم هلكوا مع من هلك. فما استحق المسلمون الخيرية إلا بالإصلاح؛ قال تعالى }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){ [آل عمران]،
فقدَّم الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أساس وركن الإصلاح على الإيمان به؛ لأهميته؛ فكل إنسان خاسر إلا المؤمنَ الصالح المصلح، اقرؤوا معي سورة العصر؛ ففيها بيان الفوز ولكن لمن؟: ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3){ [العصر].
2ـ الحفاظ علي أمن واستقرار مصر :ـ
الأمن والأمان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب، وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب، الأمن في الأوطان لا يُشتَرى بالأموال، ولا يُبتاع بالأثمان، ولا تفرضه القوَّة، ولا يُدرِكه الدهاء؛ وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان رب العالمين } فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4){ [قريش].
بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات وتتطوَّر الصناعات.
الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق هو الملك الحقيقي، والسعادة المنشودة؛ قال رسول الله (ﷺ) :}مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها{.( رواه البخاري والترمذي)
إذا خلَتِ البلاد من الأمن، فلا تسَلْ عن الهرج والمرج، إذا ضاعَ الأمن حلَّ الخوف وتَبِعَه الفقر، وهما قرينان لا ينفكَّان؛ قال سبحانه عن القرية التي كفَرتْ بأنعُم الله:} فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112){ [النحل].
فالأمن والاستقرار إذَا من أهمِّ مُقوِّمات العيش ومطالب الحياة، والواقع والتاريخ يُؤكِّد هذا كلَّه، فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها.
ولذا كان من النعيم المستلذِّ به عند أهل الجنَّة نعيمُ الأمن والأمان ؛ } وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37){ ]سبأ[
وفي المقابل حينما تخلو الدِّيار من الأمن والأمان، تُصبِح أرضًا موحشةً، وإنْ كان فيها ما فيها من النعيم والخيرات، بل إنَّ التشريد بين الأنام، واللجوء إلى الخيام، ليُصبِح أهنأ وأهون من هذا المقام.
قال تعالي }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67){ [العنكبوت].
3ـ العمل الجاد من أجل نهضة مصر:ـ
كل مواطن في البلد هو في الحقيقه جندي من جنوده ، والاسلام يخاطب المؤمنين في الدعوة والجهاد والسعي الى العمل الصالح دون تفريق بين الفرد وآخر فليس هناك جنود مسؤولون عن الوطن وآخرون ينعمون بخيراته ولا يتحملون مسؤوليه اتجاهه .
العمل من أجل أن يعود لمصر مكانتها الرائدة بين الدول كما كانت من قبل، فالعمل الصالح من الإيمان كما هو في كثير من الآيات في الكتاب الكريم قال تعالى}مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62){ ]البقرة [ .
وقال تعالى } مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (69){ ]المائدة [
وقال تعالى}مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97){ ]النحل[
وغيرها من الآيات الكثيرة التي ربطت بين الايمان والعمل الصالح فلابد من الانتماء الذي اشرنا اليه من الالتزام بالسلوك والعمل وهذا العمل لا يحد بنوع معين وإنما هو متروك لإمكانيات الشخص وقدراته ومؤهلاته وهو تنوع يتيح تكاملا في العطاء ويتطلب ابتداء استشعار الواجب تجاه الوطن وأن القادر غير معذور إطلاقا عن الاسهام في الواجب وفق اللبنة التي يتمكن من وضعها في بناء وطنه.
وإن من خير الأعمال ما عم نفعه وأدني الأعمال ما اقتصر عمل صاحبه علي نفسه.
4 ـ الدفاع عن مصر ضد أي عدوان:ـ
يقول الله تعالى في قصة طالوت وجالوت } أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (246){ ]البقرة [ .
فدلالات هذه الآية تشير إلى أهميه القتال من أجل الديار والأبناء فيما لا يتعارض مع الإسلام وأن هذا جهاد في سبيل الله .
وعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ، رضي الله عنه ، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ ﷺ يقولُ: "منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ ".
(رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
ومن أغلى الأموال الأرض التي نسكنها ونحيا عليها ولا يصح أن نفرط في أوطاننا وأراضينا بل الحفاظ عليها أمر واجب شرعا .
فاللهم الطف بأهل مصر .. اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك واحفظ بلاد المسلمين يا رب العالمين ، اللهم تول أهل مصر برعايتك..
اللهم احقن دمائهم ... اللهمّ بدّل خوفهم أمنا ، اللهم ول عليهم خيارهم ،اللهم احقن دماءهم واحفظ أعراضهم و سلم ذراريهم و أموالهم.
نسألك اللهم أن تعصم دماء المسلمين وأموالهم وأن تجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وان تصرف عنهم شرارهم وجميع بلاد المسلمين ،
اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
اللهم آمين . والحمد لله رب العالمين .
المرفقات
1668369476_مكانة مصر في الإسلام.pdf