(مكانة العلماء وحرمة التعدي عليهم) خطب مختارة

الفريق العلمي
1439/06/04 - 2018/02/20 14:54PM

من أعظم سنن الله -عز وجل-  في خلقه أن أرسل إليهم رسلًا، يهدونهم إلى عبادته -عز وجل-  ويبصرونهم بشرعه وحقوقه، وكان من سُنة الله -عز وجل-  في الأمم السابقة أن الناس إذا دب إليهم الضلال والانحراف وبدأوا يحيدون عن صراط الله المستقيم، أرسل إليهم رسولاً، يذود الناس إلى دينه القويم وصراطه المستقيم؛ حتى ختمت النبوات والرسالات برسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن من رحمة الله ولطفه بعباده هيَّأ لهم علماءَ ربانيين، أخذوا بميراث نبيهم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، ولا يزال لهم في هذه الأمة أثر وبقية، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني).

 

كما أن من رحمة الله -جل في علاه- بأمة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن علماءها خيارُها، بخلاف الأمم السابقة؛ فقد ذكر العلامة ابن تيمية-رحمه الله-؛ حيث قال: "كل أمة قبل مبعث محمد-صلى الله عليه وسلم- علماؤُها شرارها، إلا المسلمين فإن علماءَها خيارُها".

 

والمتأمل في نصوص الكتاب والسنة يدرك عظيم ما ناله أهل العلم من الشرف والمنزلة، ومن هذه النصوص التي أخبرت بهذه المنزلة العظيمة لهذه الثلة المباركة، قوله -سبحانه- في أعظم شهادة في القرآن: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [ آل عمران: 18]، وقد ذكر الإمام ابن القيم أن في هذه الآية عشرة أوجه تدل على شرف العلم وفضل العلماء، ومنها: أن الله  -عز وجل- استشهدهم من بين سائر الخلق، وضمَّ شهادتهم إلى شهادته -سبحانه- وإلى شهادة الملائكة، إضافة إلى أن الله أشهدهم على أعظم مشهود به، وهذه أجلُّ وأعظم شهادة في القرآن؛ لأن المشهود به هو: شهادة التوحيد التي لا يعدلها شيء.

 

وإن مما يؤكد على مكانة العلماء وعظيم مقامهم ومنزلتهم، أن الله أخبر أنهم ليسوا كغيرهم في الفضل والقدر، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [ الزمر: 9]، وقال في موضع آخر: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ) [ الرعد: 19]؛ فوصف سائر الخلق بالعمى، إلا من أوتي العلم، بل إن الله -تعالى- أثنى على عقولهم وأفهامهم؛ فقال:  (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ) [العنكبوت:43]؛ يقول بعض السلف: "إذا استعصى عليَّ فَهم مَثَلٍ في القرآن حزنت لذلك؛ لأن الله -عز وجل- ، يقول: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ) [ العنكبوت:43].

 

أيها المؤمنون: وقد يتساءل متسائل؟ لماذا اختص الله أهل العلم بهذه المكانة والمنزلة؟

والجواب: أنهم أعظم الخلق خشية لله -سبحانه- القائل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28]، والمعنى: إنما يخاف الله؛ فيتقي عقابه بطاعته العلماء العارفين بقدرته؛  لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته؛ فخافه وخشي عقابه وعذابه".

 

وكذلك لأن أهل العلم صمام أمان للأمة؛ فإذا غاب العلماء عنها ضلت في دينها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"، ولذلك رفع الله درجتهم وأعلى منزلتهم، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11].

والمعنى كما ذكره غير واحد من أهل التفسير، أي: "يرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين، الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به"، بل إن فضل العالم على غيره كفضل النبي الكريم على أدنى أمته؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ"، فيا له من فضل ويا له من ثناء، ولله در القائل حين قال:

ما الفخر إلا لأهل العلم إنه *** على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنه *** والجاهـلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعـش حيـاً به أبداً *** الناس موتى وأهل العلم أحياء"14

 

عباد الله: فإن جميع ما ذكر من الفضل والمكانة لا يكون إلا في حق العلماء الربانيين العاملين الذين قصدوا بعلمهم وجه الله الكريم؛ فكانوا أحق الناس بالمحبة والتعظيم والتوقير بعد الله، وبعد رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن العلم ميراث الأنبياء، والعلماء ورثته، ومحبة العالم تحمل على تعلّم علمه واتّباعه، والعمل بذلك دين ندين به.

 

وتعالوا -أيها الأخيار- لننظر في أقوال سلفنا الصالح عن ورثة الأنبياء، ومن ذلك: قول ابن القيم-رحمه الله- في العلماء أنهم هم: "النجوم لكل عبد سائر يبغي الإله وجنة الحيوان"، وقال ميمون بن مهران في بيان حقيقة أهل العلم: "إنهم في البلد كالماء العذب". أي أن الناس يردون إليه، وكما قال الحسن: "الدنيا ظلمة إلا مجالس أهل العلم".

 

فوا عجبا للذين يلمزون العلماء ويدعون إلى إسقاطهم، بحجة أنهم بشر مثلنا، ونقول لهؤلاء لا خلاف في أنهم بشر مثلنا؛ لكن ما فضلوا به أن الله اصطفاهم لحفظ دينه وتبليغ شرعه وتعليمه للناس، وإرشادهم إلى ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم

 

أيها المؤمنون: وقروا علماءكم واحفظوا لهم مكانتهم التي أنزلهم الله إياها، واحذروا الوقيعة فيهم؛ فذلك سبب لهلاك المتطاولين عليهم في الدنيا والآخرة، ولذا قال ابن المبارك-رحمه الله: "من تكلم في الأمراء ذهبت دنياه، ومن تكلم في العلماء ذهبت آخرته، ومن تكلم في الإخوان ذهبت مروءته".

 

ثم اعلموا أن بالحديث عن العلماء تعرض لوعيد شديد، وبلاء كبير؛ فإن في ذلك مبارزة للملك الجليل؛ حيث جاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه، أن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ"، وإنما الولاية -ولا شك- لأهل العلم أصالة، ويتبعهم الناس، بما عندهم من كتاب الله، وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها المسلمون: العلماء هم الحياة وهم المصابيح التي يستنير بها الناس، وصدق القائل:

الأَرْضُ تَحْيَا إِذَا مَا عَاشَ عَالِمُهَا *** وَإِنْ يَمُتْ عَالِمٌ مِنْهَا يَمُتْ طَرَفُ

كَالأَرْضِ تَحْيَا إِذَا مَا الْغَيْثُ حَلَّ بِهَا *** وَإِنْ أَبَى حَلَّ فِي أَكْنَافِهَا التَّلَفُ

 

خطباؤنا الكرام: ذكروا الناس بمقام علمائكم وأخبروهم بفضلهم ومناقبهم وأعلنوا فيهم أن يرجعوا إليهم في كل ما اختلفوا فيه من أمرهم، والله قد أمرهم بذلك؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

 

مكانة العلماء وواجباتهم - الشيخ د.: عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/181416

مكانة العلماء - الشيخ د.: صالح بن عبد الله بن حميد

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/183642

مكانة العلماء، ومكر السفهاء - الشيخ: عبد الله بن محمد البصري

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172767

مكانة العلماء - معالم وضوابط - الشيخ د.: محمد بن عدنان السمان

           https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/177486

مكانة العلماء - الشيخ: مقبل بن حمد المقبل

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172599

مكانة العلماء والتحذير من الطعن فيهم - الشيخ: علي بن يحيى الحدادي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/182542

تعظيم قدر العلماء وخطورة تنقصهم - الشيخ: محمد ابراهيم السبر

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172567

في فضل العلماء العاملين والحث على التعلم منهم - الشيخ د.: صالح بن فوزان الفوزان

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172935

فضل العلماء وحفظ مكانتهم العظيمة - الشيخ: عبد الرحمن بن محمد الهرفي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/177807

توقير العلماء - الشيخ د.: سعد بن عبد الله السبر

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/182084

أين من يعرف لعالمنا حقه؟ - الشيخ: عبد الله بن محمد البصري

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172766

الإرهاب التغريبي ضد العلماء - الشيخ: سامي بن خالد الحمود

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172771

واجب الأمة نحو علمائها - الشيخ د.: صالح بن عبد الله بن حميد

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172011

العلماء ورثة الأنبياء - الشيخ: أحمد حسين الفقيهي

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172322

المشاهدات 2220 | التعليقات 0