مقدمات في الدعاء - 8

ماجد بن سليمان الرسي
1446/07/09 - 2025/01/09 07:57AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

***

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأرسل الرسل لذلك قال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون﴾، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾.

***

عباد الله، تقدم في الخطب الماضية بيان الأسباب التي إذا بذلها الداعي كان دعاءه قريبا للإجابة، واليوم نأخذ هذه الفائدة في أسباب إجابة الدعاء من كلام ابن القيم )رحمه الله)، قال )رحمه الله) في مقدمة كتابه «الداء والدواء»:

«هٰهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تَسـتدعي قبول المـحِل، وقوة همة الفاعل، وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول الـمَحِل المُنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الـحسيَّة، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيـعة لذلك الدواء، وقد يكون لـمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تامٍّ كان انتفاع البدن به بحـسب ذلك القبول، وكذلك القلب إذا أخذ الرُّقَى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفسٌ فعَّالة وهِمَّة مؤثرة؛ أثَّـر في إزالة الداء.

وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخَلَّف عنه أثره، إمَّا لضعفٍ في نفسه، بأن يكون دعاء لا يُحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنـزلة القَوس الرَّخو جدًّا، فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا.

وإما لحصول المانع من الإجابة، من أكل الحرام والظلم، ورَين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو، وغلبتها عليها، كما في «مستدرك الحاكم» من حديث أبـي هريرة عن النبي )صلى الله عليه وسلم): «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يَقبل دعاء مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ»([1]).

فهذا دواءٌ نافعٌ مُزيلٌ للداء، ولكن غفلة القلب عن الله تُبطل قوته.

وكذلك أكل الحرام يُبطل قوته ويضعفها، كما في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله )صلى الله عليه وسلم): «أيُّها الناس، إن الله طَيِّبٌ لا يَقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم﴾، وقال: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم﴾»، ثم ذكر الرجل يُطيل السَّفر، أشعث أغبر، يَمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومَطعمه حرام، ومَشربه حرام، ومَلْبَسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّـى يُستجاب لذلك»»([2]).

ثم قال رحمه الله: «والأدعية والتعوذات بمنـزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بِحَدِّه فقط، فمتى كان السلاح سلاحًا تامًّا لا آفة به، والساعِد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يَجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثمَّ مانعٌ من الإجابة؛ لم يحصل الأثرُ»[3].

وقال رحمه الله: «وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الاجابة الستة، وهي الثُّـلُث الأخـير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصـلوات المكـتـوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضـى الصلاة، وآخر سـاعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خـشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب، وذِلَّةً له وتضـرعًا ورِقَّةً، واستـقبل الداعي القبلة، وكان على طهارةٍ، ورفع يديـه إلى الله، وبدأ بـحمد الله والثناء عليه، ثم ثـنَّـى بالصلاة على محمد عبده ورسوله )صلى الله عليه وسلم)، ثم قَدَّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألـحَّ عليه في المسألة، وتـمَلَّقهُ (أي تودد إليه) ودعاهُ رغـبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقَدَّم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يَكادُ يُرَدُّ أبدًا، ولا سِيَّما إن صادف الأدعية التي أخبر النبيُّ )صلى الله عليه وسلم) أنها مِظِنَّة الإجابة، أو أنها مُتضمنة للاسم الأعظم»[4]. انتهى كلامه )رحمه الله).

 

***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

***

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) تقدم تخريجه.
([2]) تقدم تخريجه، وهنا انتهى كلامه في ص 10.
[3] ص 21 .
[4] ص 14 .

المرفقات

1736398660_مقدمات في الدعاء - 8.doc

1736398661_مقدمات في الدعاء - 8.pdf

المشاهدات 74 | التعليقات 0