مقتل الشيخ البوطي.. ما تخفيه العمامة!
احمد ابوبكر
1434/06/06 - 2013/04/16 02:58AM
مقتل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، في تفجير في أحد أحياء دمشق قبل أيام؛ أثار جدلاً واسعًا بين أنصار الثورة السورية بصورة خاصة، وفي الأوساط الثقافية والفكرية العربية بصورة عامة. ومصدر هذا الجدال والاختلاف هو المقارنة بين الجانب العلمي والفكري الذي يمتلكه الرجل، مما يضعه في مصاف العلماء الكبار، وبين الجانب السياسي له؛ إذ عُرف الرجل خلال حياته بممالأة نظام الأسد الأب والابن، إلا أن أكثر المواقف الصادرة عن الرجل سوءًا لدى السوريين عمومًا، هو هجومه على الثوار والتنديد بهم في خطب الجمعة، وهو ما اعتبروه بصورة غير مباشرة "فتوى مفتوحة" للنظام بالبطش والتنكيل بالمتظاهرين!
الموقف من مقتل البوطي تباين حتى بين فقهاء وعلماء الأردن؛ إذ قرأنا "تصريحات" على حائط "فيسبوك" وزير الشباب السابق والداعية "محمد نوح القضاة"، عن أنه كان مهددًا من نظام الأسد، وكان أهله رهائن لدى النظام. وكذلك تصريحات للدكتور "شرف القضاة" التي يثني فيها على علمه، لكنه ينتقد فيها مواقفه الموالية للأسد، وهي الظاهرة للجمهور. أما ما في نية الشيخ وما تخفيه العمامة من أفكار وأسرار، فهو عند الله!
ثمة مبررات للاختلاف والنقاش حول الموقف من البوطي، ولكن الأهم أننا يجب ألا نختلف على تجريم ورفض عملية الاغتيال التي حدثت، وهو الموقف الجيد والحضاري الذي أبداه معاذ الخطيب وأعلنه الجيش الحر؛ فما حدث مُدانٌ وغير مقبول؛ إذ إن مواجهة الفتوى والعلم والفكرة لا تكون بالقنبلة والسلاح ولا بالحزام الناسف، أيًّا كان الفاعل، بل بالفتوى والعلم والفكرة.
هذا في الموقف الأخلاقي والإنساني الوطني، ولكن من زاوية أخرى، يمثل البوطي نموذجًا للعلماء والفقهاء الذين "تَذَاكَوْا" في العلاقة مع السلطة السياسية، فاختاروا "المراوغة" و"التقية" في محاولة لجلب المصالح الممكنة، بدلاً من "القطيعة" أو "المواجهة" كما حدث في الصدامات التي وقعت بين "الإخوان" و"البعث" في سورية بداية من الستينيات، ووصولاً إلى الذروة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وأسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى والمشردين والمفقودين!
وبالضرورة، لا تقوم معادلة جميع الفقهاء على الموازنة بين المصالح والمفاسد، فهنالك مَن لهم مآرب شخصية ومصالح ذاتية عَلَتْ فوق الاعتبارات الدينية والسياسية، إلا أننا لو تخلصنا من الضغوط السياسية، والزاوية الحرجة التي يقف فيها العلماء والفقهاء ما بين خيار المواجهة السياسية وكلفتها عليهم وعلى الرأي العام، وبين مهادنة السلطة وكلفتها الرمزية والسياسية والإنسانية، لخرج العلماء (في حقول المعرفة المختلفة) إلى فضاء واسع من الفكر والعلم والعطاء السياسي والمعرفي!
لو تغيرت الظروف السياسية والتاريخية، لوجدنا حالاً مختلفة ومغايرة بالكلية، وربما المقارنة بين حالة "الأزهر" في عهد حسني مبارك وبين حالته اليوم تعكس هذه الفرضية بوضوح؛ إذ عندما تحرر "الأزهر" من ضغوط الدولة والأمن -التي تحسب عليه أنفاسه- ساهم خلال فترة وجيزة بدور إيجابي وحضاري بنَّاء في المرحلة الانتقالية، وقدَّم وثائق متقدِّمة، وطوَّر من دوره وحضوره، وحتى من بنيته الداخلية، وهي القضية التي يجب أن نضعها في الاعتبار عندما نحاكم ونسائل العلماء والمثقفين.
مهما كانت الاختلافات السياسية كبيرة ومشروعة، فالموقف يجب أن يكون واضحًا بحماية العقول العلمية. وربما ما حدث من "تفريغ صامت" (قتل، وتهجير، وشراء) لعلماء العراق في الفيزياء والذرَّة، وكل عقوله المبدعة بعد الاحتلال، يمنحنا مؤشِّرًا رئيسًا على هذه القيمة الكبرى للعلماء والمفكرين والمثقفين، بعيدًا عن الظرف السياسي القاتل.
لا يستوي العلماء والمفكرون والمثقفون المناضلون -ممن اختاروا طريق الكفاح من أجل الحرية- ومَن تراخَوْا واختاروا طرقًا مهادنة أسلم؛ لأسباب "برَجماتية" أو حتى شخصية. لكن هذا وذاك يقع تحت مطرقة ظروف سياسية قاسية!
محمد أبو رمان
الموقف من مقتل البوطي تباين حتى بين فقهاء وعلماء الأردن؛ إذ قرأنا "تصريحات" على حائط "فيسبوك" وزير الشباب السابق والداعية "محمد نوح القضاة"، عن أنه كان مهددًا من نظام الأسد، وكان أهله رهائن لدى النظام. وكذلك تصريحات للدكتور "شرف القضاة" التي يثني فيها على علمه، لكنه ينتقد فيها مواقفه الموالية للأسد، وهي الظاهرة للجمهور. أما ما في نية الشيخ وما تخفيه العمامة من أفكار وأسرار، فهو عند الله!
ثمة مبررات للاختلاف والنقاش حول الموقف من البوطي، ولكن الأهم أننا يجب ألا نختلف على تجريم ورفض عملية الاغتيال التي حدثت، وهو الموقف الجيد والحضاري الذي أبداه معاذ الخطيب وأعلنه الجيش الحر؛ فما حدث مُدانٌ وغير مقبول؛ إذ إن مواجهة الفتوى والعلم والفكرة لا تكون بالقنبلة والسلاح ولا بالحزام الناسف، أيًّا كان الفاعل، بل بالفتوى والعلم والفكرة.
هذا في الموقف الأخلاقي والإنساني الوطني، ولكن من زاوية أخرى، يمثل البوطي نموذجًا للعلماء والفقهاء الذين "تَذَاكَوْا" في العلاقة مع السلطة السياسية، فاختاروا "المراوغة" و"التقية" في محاولة لجلب المصالح الممكنة، بدلاً من "القطيعة" أو "المواجهة" كما حدث في الصدامات التي وقعت بين "الإخوان" و"البعث" في سورية بداية من الستينيات، ووصولاً إلى الذروة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وأسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى والمشردين والمفقودين!
وبالضرورة، لا تقوم معادلة جميع الفقهاء على الموازنة بين المصالح والمفاسد، فهنالك مَن لهم مآرب شخصية ومصالح ذاتية عَلَتْ فوق الاعتبارات الدينية والسياسية، إلا أننا لو تخلصنا من الضغوط السياسية، والزاوية الحرجة التي يقف فيها العلماء والفقهاء ما بين خيار المواجهة السياسية وكلفتها عليهم وعلى الرأي العام، وبين مهادنة السلطة وكلفتها الرمزية والسياسية والإنسانية، لخرج العلماء (في حقول المعرفة المختلفة) إلى فضاء واسع من الفكر والعلم والعطاء السياسي والمعرفي!
لو تغيرت الظروف السياسية والتاريخية، لوجدنا حالاً مختلفة ومغايرة بالكلية، وربما المقارنة بين حالة "الأزهر" في عهد حسني مبارك وبين حالته اليوم تعكس هذه الفرضية بوضوح؛ إذ عندما تحرر "الأزهر" من ضغوط الدولة والأمن -التي تحسب عليه أنفاسه- ساهم خلال فترة وجيزة بدور إيجابي وحضاري بنَّاء في المرحلة الانتقالية، وقدَّم وثائق متقدِّمة، وطوَّر من دوره وحضوره، وحتى من بنيته الداخلية، وهي القضية التي يجب أن نضعها في الاعتبار عندما نحاكم ونسائل العلماء والمثقفين.
مهما كانت الاختلافات السياسية كبيرة ومشروعة، فالموقف يجب أن يكون واضحًا بحماية العقول العلمية. وربما ما حدث من "تفريغ صامت" (قتل، وتهجير، وشراء) لعلماء العراق في الفيزياء والذرَّة، وكل عقوله المبدعة بعد الاحتلال، يمنحنا مؤشِّرًا رئيسًا على هذه القيمة الكبرى للعلماء والمفكرين والمثقفين، بعيدًا عن الظرف السياسي القاتل.
لا يستوي العلماء والمفكرون والمثقفون المناضلون -ممن اختاروا طريق الكفاح من أجل الحرية- ومَن تراخَوْا واختاروا طرقًا مهادنة أسلم؛ لأسباب "برَجماتية" أو حتى شخصية. لكن هذا وذاك يقع تحت مطرقة ظروف سياسية قاسية!
محمد أبو رمان
المشاهدات 1605 | التعليقات 2
صح لسانك شيخ رشيد ، والمرجئة فشت هذه الأيام وهي الخطر الخفي على الأمة الإسلامية
رشيد بن ابراهيم بوعافية
[font="]مع اشتراكنا جميعا في إدانة هذا العمل الهمجي غير المستغرب من النظام السوري ، أطرحُ هذا السؤال للأستاذ الكاتب : ألا ترَون أن موقف الشيخ البوطي تجاوز الموقف السياسي بمائة ألف خطوة ؟! ، الموقف السياسي تعبير رجراج قد يصل في طرفه الأدنى إلى رأي أو مجرّد فكرة وقد يصل في مستواه الأعلى من منظور شرعي إلى ناقض من نواقض الإيمان ! ، ولست أزعم أن الشيخ البوطي نقضَ إيمانه ! . حاشا لله ، ولكن ألا ترى أستاذنا الفاضل أنَّ بكلامكم هذا وكلام غيركم ممن لا يزال يبكي على البوطي : يؤسس في الحقيقة لفكرٍ إرجائيٍّ يختفي خلفه من شاء من المنتسبين إلى العلم كما اختفى خلفه من شاء من المستبدّين في الحكم ؟! . . . [/font]
تعديل التعليق