مقامُ الخوف من الله, وقصةٌ لطيفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه 23 /11 / 1445

أحمد بن ناصر الطيار
1445/11/21 - 2024/05/29 21:35PM

الحمد لله العليّ الكبير، وأشهد ألا إله إلا اللهُ السميعُ البصر، وأشهد أن محمدا عبدُ الله وخليله البشيرُ النذير، والسراجُ المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد, فاتقوا الله عباد الله, ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا.

إخوة الإيمان: ما أجمل سِيَرَ أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا مثالاً يُحتذى به في مكارم الأخلاق, والعبادة, وصفاء العقيدة, وطهارة النفس, وقوة الإيمان بالله ومحبته والتوكل عليه, وذكرُ سيرهم وقَصصهم من أعظم ما يُحفزّ المسلم على محبتهم والاقتداء بهم.

معاشر المسلمين: دار حوار يومًا بين صحابيّين عظيمين, أحدهما أبو موسى الأشعري, والآخر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما, فقال عمر لأبي موسى: «يا أبا موسى، هل يسرك إسلامُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‌وهجرتُنا ‌معه ‌وجهادنا ‌معه، وعملُنا كلُّه معه برَد لنا - أي ثَبتَ لنا ودَامَ -, وأنّ كل عمَلٍ عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسًا برأس؟, وفِي رِواية: "لَا لك ولَا عليك؟".

أيْ: لَا مُوجِبًا ثوابًا ولا عِقابًا.

فقال أبو موسى: لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلينا وصمنا وعملنا خيرًا كثيرا، وأسْلم على أيدينا بشرٌ كثير، وإنا لنرجو ذلك.

 فقال عمر: لكني أنا والذي نفسُ عمر بيده، لوددت أنّ ذلك برَد لنا، وأنّ كل شيء عملناه بعدُ نجونا منه كفافا رأسا برأس».

تأملوا – معاشر المسلمين - أنّ أبا موسى غلّب جانب الرجاء, وعمرَ غلّب جانب الخوف؛ لأن مقام الخوف أفضلُ من مقام الرجاء, والإنسان لا يخلو عن تقصير وظلم ونقص.

وإنما قال عمرُ ذلك هضمًا لنفسه, وخوفًا من ربّه, وإزراءً بنفسه، وهذه مقاماتٌ إيمانية عظيمة شريفة, يبلغ بها المسلم أعلى الدرجات, وينال بها مرضاةَ اللهِ ربّ الأرض والسموات.

واستمرّ رضي الله عنه على خوفه من الله وخشيته له حتى عند دنوّ أجله، حينما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي, وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقِدَم في الإسلام ما قد علمت، ثم وَلِيْتَ فعدلت، ثم شهادة, فقال: وددت أن ذلك كفاف لا عليّ ولا لي.

يقول هذا وهو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام, وبعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب".

وقال عنه: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجًّا إلا سلك فجًّا ‌غير ‌فجك".

وقال عنه: «قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فإنَّ عمر بن الخطاب منهم».

وإذا كان هذا حال الفاروقِ الْمُلهمِ الْمُحدَّثِ رضي الله عنه وأرضاه, صاحبِ الأعمال العظيمة, والفتوحاتِ الكبيرة, والمبشّرِ بالجنة, فكيف بحالنا ونحن لم نعمل عُشر معشار ما عمله, مع كثرة ذنوبنا وتقصيرنا؟

وبعضُ الناس جمع بين سوء العمل وقلّةِ الخوف من الله وخشيته, ولم يخطر في باله عِظَمَ الهول وشدَّةَ الخطب يوم القيامة, يومُ يقوم الناس لرب العالمين, ويؤتَى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".

أي أنّ عدد الملائكة الذين يجرون نار جهنم: أربعةُ مليارات, وتسعمائةُ مليونِ ملَك, واللهِ إنه لمشهد يبعث على الرعب والخوف من نار جهنم, وكلامُ الرّسل يومَئذ: اللهم ‌سلّم ‌سلّم.

فاحذر - أخي المسلم – من كيد الشيطان, الذي يفتح لك الأمانيّ والاتكال على رحمة الله, ويُنسيك تقصيرَك وعظيمَ حقّ ربّك.

اللهم ارزقنا خوفك وخشيتك، ولا تقنّطنا من رحمتك وعفوِك, إنك ربّنا رؤوف ودود رحيم.

 

الحمد لله الكبيرِ المتعال، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى جميع الصحب والآل، أما بعد:

معاشر المسلمين: لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يجلس بعضهم مع بعض للموعظة والذكر, وإصلاحِ بواطنهم, وتذكيرِ بعضهم, وسماعِ كلام ربهم، وزيادةِ إيمانهم, وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل: اجلس بنا ‌نؤمن ‌ساعة, وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: يا أبا موسى ذكرنا ربنا؛ فيقرأ وهم يستمعون.

 فما أحوجنا لهذه المجالس الإيمانية, وما أنفعها لصلاح قلوبنا، وتزكيةِ نفوسنا, وقد كادت تُهجر في هذا الزمان.

وكانوا رضي الله عنهم يتفقّد بعضهم بعضًا, ويسأل بعضهم بعضًا عن حالهم مع الله, وعن عباداتهم، ليستفيدوا ويُفيدوا, ولا يرون هذا من الرياء, بل هو عملٌ مستحبٌّ لمن خلصت نيّته, وصدقت همّته.

اللهم اجعلنا ممن أسْلم وجْهه لك, فرضي عنك ورضيتَ عنه, يا حيّ يا قيوم.

 

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا}.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين, اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفِّق إمامنا ووليّ عهده لهداك، واجعل عملهما في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1717007693_مقامُ الخوف من الله

وقصةٌ لطيفة لعمر بن الخطاب.pdf

المشاهدات 1011 | التعليقات 0