مقابلة الإساءة بالإحسان خلق حث عليه الإسلام

الموفقون هم الذين لا يسيئون لأحد ولا يلمزون، فأخلاقهم ترتقي بهم، وأفعالهم شاهدة على نبلهم وسمو شمائلهم، وعاقبة أمرهم إلى خير، يقتدي بهم من عرفهم ورآهم أو سمع عنهم، وقد بين الله سبحانه فضل الحسنة فقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) سورة فصلت. ومما قاله المفسرون في معنى الحسنة والسيئة ما يأتي:

1 - أن الحسنة هي التوحيد، وأن السيئة هي الشرك.

2 - أن الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة.

3 - أن الحسنة العلم، والسيئة الفحش.

4 - أن الحسنة الصبر، والسيئة النفور.

5 - أن الحسنة العفو، والسيئة الانتصار. وقيل إن هذه الآية نزلت في أبي جهل حيث كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأمره الله بالصبر عليه والصفح عنه. وفي هذه الآية الكريمة تربية لنفوس المؤمنين وتوجيه لهم بالإحسان لمن أساء، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه) انتهى. إنك إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي حميم، أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك، وفي هذه الحياة لا يكاد يسلم أحد من أن يتعرض له أحد بالإساءة إما بالقول وإما بالفعل، ولكن القليل من يحسن دفع تلك الإساءة، فالناس أصناف في ذلك الدفع، فمنهم الذي يدفع الإساءة بإساءة مثلها فيرد المثل بالمثل، وقليل من يستطيع ذلك، إذ الغالب على هذا الصنف الدفع بإساءة أشد وأنكى، فيقع الدافع في زيادة تكون ظلماً على المسيء، ومنه المثل الدارج عند العامية:

(رد الصاع صاعين) ومن الناس من يدفع الإساءة بالإحسان إلى من أساء إليه، وهذا الخلق الرفيع لا يستطيع عليه إلا من وفقهم الله.

ومن العجب أن البعض يرى أنك ضعيف إذا أحسنت إلى من أساء إليك أو أنك تخشاه، وهذا في نظري مخالف للخُلقُ الذي أمر الإسلام به أتباعه، وليس فيه حجة لمن لم يتخلق بهذا الخلق الحسن.

إن على المرء أن يقول الأحسن ولا يسيء لأحد في قول أو فعل، قال تعالى آمراً عباده بأن يقولوا التي هي أحسن: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (53) سورة الإسراء. وفي إساءة القول ينزغ الشيطان بين الناس ليحدث بينهم الخصام والفرقة والضعف. وليتذكر الدافع للإساءة خلق النبي صلى الله لعيه وسلم لأجل أن يتخلق به إذا كان من خلقه العظيم العفو والصفح عمَّن أساء إليه، قال العلامة السعدي - رحمه الله- عند أية: ({ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصاً من له حق كبير عليك، كالأقارب والأصحاب ونحوهم إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فصلُه، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائباً أو حاضراً فلا تقابله، بل اعف عنه وعامله بالقول اللين، وإن هجرك وترك خطابك، فطيّب الكلام له، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان حصل فائدة عظيمة) انتهى. ومن الفوائد أن تلك العداوة تنقلب إلى محبة وقرب وصداقة حميمة.

إن الموفق لمقابلة الإساءة بالإحسان قد منحه الله صبراً على ما تكرهه النفس، وذلك لإجبارها على ما يحبُّه الله ويرضاه. وجاء الحثُّ والتأكيد على هذا الخلق الكريم؛ لأن بعض الناس يقابلون الإساءة بالإساءة وعدم العفو فكيف بالإحسان!!.

إن من أضرار مقابلة الإساءة بالإساءة أن تزداد العداوة والبغضاء ويزداد الأمر تعقيداً، وقبل أن أختم كلامي أهدي نصيحتي إلى كل من حصل بينه وبين أحدٍ خلاف أو سوء تفاهم أو عداوة أن يبدأ بالعفو والصفح، وأن يمد يد الصلح، وأن يحسن بعضهم إلى بعضهم، لتبقى الصدور سليمة وتنسل من القلوب السخيمة، وأعقد على ذلك العزيمة، وفقك الله ورعاك. رابط المقال
http://www.al-jazirah.com/2012/20120427/is8.htm
المشاهدات 1281 | التعليقات 0