مفهوم النصر في الإسلام 

فهد عبدالله الصالح
1440/03/14 - 2018/11/22 21:43PM

                                                

أيها المسلمون : حينما ينظر المسلم إلى واقع عالمه الإسلامي وحال المسلمين يجد الضعف والهوان مما أدى إلى تسلط الأعداء من يهود على المقدسات والشرفاء في أرض الإسراء والمعراج , ومن تسلط النصارى في أكثر من مكان , ومن هجوم الرافضة الصفويين الفرس المجوس في العراق وسوريا واليمن وغيرها , ومن تسلط البوذيين على إخواننا في بورما ونحو ذلك من مظاهر الذل والهوان, وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه المبين أن النصر حليف هذه الأمة بقوله سبحانه (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ),ولكن النصر مشروط بشروط ويتحقق وفق سنن الله في الخليقة .

وحقاً علينا أن نتعرف على معنى النصر وحقيقته , حتى لا يؤثر مؤثر على صدق إيماننا بالله سبحانه وتعالى ولنعرف أيضا حقيقة النصر للأنبياء والدعاة , إذ أن هنالك من أنبياء الله سبحانه وتعالى من قتل ومنهم من ألقي في النار , ومنهم من سجن , أصاب ذلك عباد الله المؤمنين , فمنهم من ألقي في الأخدود , ومنهم من استشهد ومنهم من سجن وعذب , ومنهم ومنهم .

ولا شك أن للنصر مفاهيم وصوراً متعددة :  

منها أن يكون بالغلبة والقهر للأعداء ومن أمثلة ذلك انتصار موسى عليه الصلاة السلام على فرعون وقومه وكالانتصارات التي حققها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أعداء الدعوة , فهذا النوع من النصر محسوس للناس , يرونه رأى العين حيث يدمر الله معسكر الكفر أمام أعين المؤمنين , ولهذا كان هذا النوع من النصر محبباً للنفوس , وهذا ما يسجله الله سبحانه وتعالى في قوله (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

ومن المفاهيم أن يتحقق النصر: بإهلاك المكذبين ونجاة الأنبياء والرسل وأتباعهم ومن ذلك : نجاة نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين وإهلاك قومه المكذبين وهذه الصورة تكررت مع أقوام آخرين , مثل قوم ثمود وقوم صالح.

وهنالك صورة ثالثة من صور النصر في الإسلام يتصورها البعض هزيمة وهي عند الله نصر مبين, ومن ذلك قتل المؤمن أو الداعية فهو شهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى والذكر الحسن بعد الموت , وفيه انتصار لمنهجه بعد استشهاده , كما حدث لغلام قصة أصحاب الأخدود , فقد مات شهيداً , ولكن تحقق النصر لمنهجه بعد استشهاده , وآمن به قومه فقالوا : آمنا برب الغلام .

ومن ذلك الطرد والإخراج , كما قال سبحانه وتعالى(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة كان نصراً بنص القرآن حيث أنجاه الله من المشركين , وأنه انتقل بالدعوة الإسلامية  إلى بيئة جديدة استطاع أن يقيم فيها دولة الإسلام .

ومن معاني الانتصار - يا عباد الله - الثبات على الإيمان وعلى المنهج بعد الممات وإن لم يتبع الحق أحد في حياة النبي أو الداعية  فهذا حديث المصطفي صلى الله عليه وسلم  الذي يقول فيه (عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد) إنه انتصار المنهج الحق , مهما قل عدد المؤمنين به .

ومن النصر أيضاً : انتقام الله من أعداء الرسل و أعداء المؤمنين كما حدث مع قتلة يحيي عليه السلام حيث سلط الله عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم شر قتلة وسبوا أولادهم ونساءهم وخربوا لهم ديارهم ودمروها, يقول سبحانه وتعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) ,وقد تكرر هذا الجزاء الرادع كثيراً على أعداء الأمة .

أيها المسلمون : إن نصر الله للمؤمنين الصادقين حق لا مرية فيه , إن الله تعالى يقول (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ), ويقول سبحانه (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ), ويقول أيضاً (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).

وقد يبطئ النصر ويتأخر لأن الأمة لا تزال في فرقة واختلاف وتهافت على الدنيا , فتحتاج إلى لم الشمل والوحدة الإسلامية وإلى الأخذ بالأسباب المشروعة للنصر .

ألا فاتقوا الله أيها المؤمنون : وانصروا دين الله ينصركم ويثبت أقدامكم وانتصروا لإخوانكم في العقيدة والدين وأبشروا وأملوا فإن النصر حليف هذه الأمة وهو وعد الله لها في كتابه المبين .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

الخطبة الثانية :

إخوة الإسلام : إن أساس النصر الحقيقي تحقيق العبودية في القلب والانتصار على النفس , قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا), ولكننا حين نختلف ونتنازع فنفشل وتذهب ريحنا , ونهزم حين تفسد النيات والمقاصد , وتحل الدنيا في قلوبنا محل الآخرة , قال تعالى (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) لقد تحول نصر المسلمين إلى هزيمة في غزوة أحد لمخالفة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر من أوامره دون قصد منهم أو فساد , وكان الدرس أليماً والعقاب قاسياً , ولذا لا نعجب لما حل بالمسلمين في هذه الأزمنة العصيبة من تمزق الشمل وذهاب الشوكة , قال تعالى (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ), لهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أمره على أحد الجيوش الإسلامية (أما بعد : فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله في كل حال , فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو, وأقوى المكيدة على الحرب , وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً منكم من عدوكم , فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم , وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله , ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة , لأن عددنا ليس كعددهم , وعدتنا ليست كعدتهم , فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة , وإن لم ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا , واعلموا أن عليكم في سيركم حفظةً من الله يعلمون ما تفعلون , فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله , ولا تقولوا عدونا شر منا فلن يسلط علينا , فرب مسلط عليهم من هو شر منهم).

ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضاً للجند (إنكم لن تنتصروا على عدوكم إلا بعد قربكم من الله وبعدهم عنه , فإذا تساويتم – أي في المعاصي – كانت الغلبة لأكثركم عدة وعتاداً) .

أيها المؤمنون : لا سبيل للعزة ولا طريق للكرامة ولا أمل في النصر والرفعة ولا رجاء في دفع العقوبة والنقمة إلا بالرجوع إلى دين الله العظيم وصدق التمسك بما تقتضيه العقيدة وتوجيه الشريعة ومناصرة المسلمين في كل مكان ومحاربة الفساد والقضاء على المنكرات الظاهرة , والتصدي لحملات التغريب وصون المجتمع من مظاهر الانحلال وبوادر الانفلات الأخلاقي والسلوكي وتجفيف منابع الشر والتسليم التام لدين الإسلام وأوامر الملك العلام وصدق الإتباع لسيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ......

المشاهدات 3728 | التعليقات 0