مَغَبّةُ الغِيبة ( تعميم وزاري)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1444/06/26 - 2023/01/19 16:46PM

 
 
مَغَبَّةُ الغِيْبَةِ ( راشد البداح – الزلفي ) 27 جمادى الآخر 1444
الحمدُ للهِ بارئِ البرياتِ، المطلعِ على الضمائرِ والنياتِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِورسولُه، خاتمُ الأنبياءِ. فاللهم صلِ وسلِمْ عليهِ، وعلى آلهِ وأصحابِهِالأتقياءِ. أما بعدُ:

فاتقُوا اللهَ-رحمكمُ اللهُ- واستعدُوا للرحيلِ، فقد جدَّ بكم، فالأجلُفاجعٌ، والأملُ خادعٌ.

تأملْ أخي في اللهِ المَثَلَ التاليَ: أرأيتَ لو أنكَ على شاطئِ البحرِ، ورأيتَ شخصًا يتبولُ وسطَ البحرِ، فهل تَرى أن البحرَ سيَتعكرُ؟! حتمًا لن يتعكرَ، ولو بالَ به آلافُ الأشخاصِ. لكنْ ما ظنُكَ بحركةٍصغيرةٍ قد تُعكِّرُ ماءَ البحرِ؟! كيف ذلك؟! اسمعِ لهذا الموقفِ العابرِ:

أرادَتْ عَائِشَةُ أنْ تصِفَ جارتَها صفيةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ [وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، تَعْنِي قَصِيرَةً  ]، فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ().

يا أللهُ! كلمةٌ واحدةٌ عابرةٌ تجعلُ ماءَ البحرِ الواسعِ العميقِ مُتعكرًا. يالِلهِ ما أشدَّ انفلاتَ ألسنتِنا!! فاللهم رُحماكَ رُحماكَ؛ فإن ألسنَتَنا دنسَتْنا، وكلماتِنا كَلَمَتْنا.

ولقد كانتِ الغيبةُ عندَ الصحابةِ نادرةَ الوقوعِ، وإليكم الدليلَ من هذهِ القصةِ الصحيحةِ: يقولُ جَابِرٌ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ(). فلمّا كانتِ الغيبةُ في عهدِهم قليلةًشُمَ لها ريحٌ، ولما كثرتْ في أزمانِنا لم نتبينْ ريحَها القبيحَ.

إنه اللسانُ؛ صغيرُ الجِرْمِ لكنه عظيمُ الجُرْم. وإنها الغيبةُ؛ الفاكهةُلكنها المسمومةُ، ومجالسُ أهلِها مشؤومةٌ، (والمغتابُ مشؤومٌ على جلسائهِ؛ لأنهم إذا لم يُنكِرُوا عليه صارُوا شركاءَ له في الإثمِ، وإن لم يقولُوا شيئًا)().

وتصورْ الغبْنَ الفاحشَ، والخسارةَ الفادحةَ على المغتابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حينَ يُعْطَى كِتَابَهُ مَنْشُورًا، فيَبْحَثُ عنْ حسَنَاتٍ كثيراتٍ عمِلَها، لكنَّه ما وَجَدَها! فيقالُ لهُ: مُحيَتْ عنكَ باغْتيابِكَ النَّاسَ.

وضِدُّه رجلٌ يَرَى في كِتَابهِ حَسَنَاتٍ لَمْ يَعْمَلْهَا فَيَقُولُ: ربِّ لَمْ أَعْمَلْ هَذه الْحَسَنَاتِ، فَيَقَالُ: إِنَّما كُتِبَتْ باغْتيابِ النَّاسِ إِيَّاكَ.

حقًا: إنه يومُ التغابنِ، فاخترْ لنفسِكَ أن تكونَ غابنًا أم مغبونًا؟

فلنكنْ حراسًا يقِظِينَ على ألسنتِنا أن تُضيِّعَ حسناتِنا، ولنقتدِ بمثلِ الإمامِ البخاريِ -رحمهُ اللهُ- الذي يقولُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبُنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً. وكالحافظِ ابنِ دقيقٍ -رحمهُ اللهُ- القائلِ: ما تكلمتُ بكلمةٍ إِلاَّ أعددتُ لَها جواباً بَيْنَ يدَيِ اللهِ تعالى().

أيُها المؤمنونَ: ما ضابطُ الغيبةِ؟ ضابُطها ما قالَه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ. قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ().

قالَ العلماءُ: سواءٌ ذكرتَه باللفظِ، أو بالإشارةِ والرمزِ، أو بالكتابةِ()بل ربَما المكتوبُ والمسجَّلُ ينتشرُ، فيكونُ أشرَّ.

أيُها المسلمونَ: ومِن أقبحِ الغِيبةِ غِيبةُ ولاةِ الأمورِ من العلماءِوالأمراءِ. يَحُطُّونَ من أقدارِهمْ، ويُبَغِّضونَ الرعيةَ بهم، ويفرِّقونَ كلمةَالمسلمينَ، ويهوِّنونَ من الإنجازاتِ، ويَتّهمونَ النيّاتِ. مجالسُهمْ شرٌ، وصحبتُهمْ ضُرٌ. كفانا اللهُ شرَهم، وقطعَ دابرَ من حشَّرَهم.

الحمدُ للهِ الذي هدانا، وصلى اللهُ وسلمَ على مَن للهُدى دعانا، أما بعدُ:

فإن قلتَ كيفَ الخلاصُ والتوبةُ من الغيبةِ؟

فيُقالُ: منْ أرادَ كفارةَ الغيبةِ فعليهِ بالاستغفارِ لمنِ اغتابَه، وذِكرُه بمحاسنهِ التي فيهِ في المواطنِ التي اغتابَه فيها. وأما إعلامُه فلا؛لأنه يُوغِرُ صدرَه، بل يُهيِّجُ عداوتَه().

وكثيرٌ من أهلِ الغِيبةِ إذا نُصِحُوا قالُوا: نحنُ لا نكذبُ عليه، بل نتكلمُ بما وقعَ منه! لكنْ ألم يعلمُوا أنه قيلَ للنبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أرأيتَ إن كانَ في أخي ما أقولُ؟ فقالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ.

فيا مُغتابًا: إن وجدتَ في أخيكَ عَيبًا فالواجبُ عليكَ أن تنصحَه، لا أن تفضحَه. وإذا سمعتَ غيبةً بمجلسٍ فانهَهُم، وإلا ففارِقْمجلسَهم.

أترضَى أن يُحرِقوا حسناتِك؟! وتأملْ لو أن صاحبَكَ سرقَ منكَ ألفَ ريالٍ؛ ألا تهجرُه وتعتبرُه خائنًا؟ فما لكَ لا تبالي وأنتَ ترى آلافًامن الحسناتِ تُسرقُ منك؟ وقانا اللهُ شرَ ألسنتِنا، وحفظَ علينا حسناتِنا

{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[الحجرات12]

• فاللهم يا واسعَ المغفرةِ، اغفر لنا ذنوبَنا، واسترْ عيوبَنا، وطهر ألسنتَنا، وأخرِجنا من هذهِ الدنيا ولا أحدَ من خلقِك يطلبُنا بمَظلمةٍ.
• ربَّنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَصالحًا ترضاهُ وأدخلْنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ.
• اللهم وفقْ مليكَنا ووليَ عهدِه، وسددْهم في أقوالِهم وأعمالِهم، واجعلهُم وجنودَنا في ضمانِك وأمانِك وإحسانِك.
• (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
• اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
• اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، تُرْخِصُ بِهِ أَسْعَارَنَا وَتُدِرُّ بِهِ أَرْزَاقَنَا، وَتُنْعِمُ بِهِ عَلَى بَدْوِنَا وَحَضَرِنَا، وَاجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ)().
• اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1674135959_مغبة الغيبة.docx

1674135970_مغبة الغيبة.pdf

المشاهدات 980 | التعليقات 0