مع جائحة كورونا
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ يخلقُ ما يشاءُ ويفعلُ ما يريد؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ له ملكُ السماواتِ والأرضِ وهو على كل شيء شهيدٌ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه قدوةُ العبادِ في التسليمِ لربِّ العالمين، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].
أيُّها المؤمنونَ: ومما ينبغي أَنْ نستحضرَه حول جائحة كورونا، ما يأتي:
أولاً: أن هذه الجائحة التي حلَّت بالناس ينبغي أن تذكِّرهُم بضعفِهم أمامَ قدرةِ اللهِ، والعودةِ إليه وطاعتِه، وتركِ ما يُسخطُه ويُغضبُه.
ثانيًا: أنَّ هذا الوباءَ إذا أُصيبَ به عبدٌ مسلمٌ كان تكفيرًا لخطاياه وذنوبِه: قال رسولُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذىً مِن مَرَضٍ فَما سِوَاهُ، أي أذى ومن ضمنها المرض، إلَّا حَطَّ اللَّهُ به سَيِّئَاتِهِ كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا)(متفق عليه).
ثالثًا: مهما أُوتيَ البشرُ من قدراتٍ وإمكاناتٍ وخبراتٍ، فلا حولَ لهم ولا قوةَ مع ما يُقدِّره اللهُ جلَّ وعلا ويَقْضيه.
رابعًا: أنَّه سببٌ في رفعِ الدرجاتِ: يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم:(إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى)(رواه أبو داود)
خامسًا: أَثْبتتْ جائحةُ كُورونَا ضَررَ الشائعاتِ وخطورتَها، ولذا يَنْبغي ألا تُؤخذَ الأخبارُ إلا من الجهاتِ الرسميةِ فقط.
سادسًا: مما يَنبغي أَنْ نستحضرَه حولَ هذهِ الجائحةِ استفادةَ المجتمعِ من لزومِ المنازلِ في إعادةِ ترتيبِ الأُسرةِ والأولوياتِ عندَها، وقد ظهرتُ الآثارُ الإيجابيةُ لذلكَ على كثيرٍ من الأسرِ.
سابعًا: هذا الوباءُ آيةٌ من آياتِ اللهِ تعالى يُخوِّفُ عبادَه ويُوقظُهم من غفلتِهم وعصيانِهم؛ قال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء:159]، فيرتدعُ العاصي ويخافُ ويتوبُ، ويزدادُ العبدُ المسلمُ من الإيمانِ واليقينِ والعملِ الصالحِ.
ثامنًا: الأخذُ بالأسبابِ الواقيةِ من هذا الوباءِ وعدمُ مخالفتِها، والأخذُ بالأسبابِ الماديةِ المشروعةِ مع التوكُّلِ على اللهِ، فقدْ قالَ رسولُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً)(رواه أبو داود).
وصدقَ اللهُ العظيمُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[التحريم:8].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما سمعتمْ فاسْتَغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعْلَمُوا أنَّه مما يَنبغي أَنْ نستحضرَه حولَ هذِه الجائحةِ أيضًا:
تاسعًا: الاستجابةُ لتعليماتِ وتوجيهاتِ الجهاتِ الصحيةِ وغيرِها: من تَجنُّبِ الاجتماعاتِ والمصافحةِ والملامسةِ والعناقِ والتقبيلِ، فهذا في صالحِ الجميعِ. فعن عمرَ بنِ الشَّريدِ عن أبيهِ قالَ: كانَ في وفدِ ثقيفٍ رجلٌ مجذومٌ، فأرسلَ إليهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ارجِع فقد بايعناكَ)(رواه مسلم).
عاشرًا: ينبغي عدمُ تضخيمِ المرضِ وخلقِ حالةِ خوفٍ وهلعِ منه، فذلك يترتَّبُ عليهِ ضعفُ المناعةِ عند بعضِ الناسِ، وخَاصةً المصابينَ بالأمراضِ المزمنةِ.
الحادي عشر: التحلِّي بالرضَا والصبرِ، ولزومِ الدعاءِ، والانكسارِ والتذلِّلِ بين يدي اللهِ جلَّ وعلا: قال اللهُ تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ)(رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، فلا أحدَ على وجهِ هذهِ الأرضِ قادرٌ على رفعِ البلاءِ وكشفِه سوى اللهِ الكبيرِ المتعالِ،
الثاني عشر: علينا بالتفاؤلِ والتبشيرِ، وخاصةً في مثلِ هذهِ الجوائحِ التي تُسبِّبُ الهلعَ والخوفَ عند كثيرٍ من الناسِ، فكونوا جميعًا مصدرَ تفاؤلٍ وتبشيرٍ، وذكِّروا غيرَكُم بأنَّ اللهَ جلَّ وعلا قادرٌ على رفعِ هذا البلاءِ برحمتِه.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة:1441/11/12هـ