مع بداية عام دراسي جديد 1445هـ

محمد بن خالد الخضير
1445/01/29 - 2023/08/16 20:42PM

الخطبة الأولى

ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "

عباد الله، التَّربِيَةُ والتَّعليمُ أساسُ بِنَاءِ الأُمَمِ، فَبِها تُصَاغُ العُقُولُ، ويُصانُ السُّلُوكُ، وتُزَكَّى النُّفُوسُ، ويَعبُدُ النَّاسُ رَبَّهم على عِلمٍ وبَصيرَةٍ! فَتَعَالَوا بِنَا في جَولَةٍ مع المُعَلِّمِ الأَوَّلِ، والمُربِّي الأَقوَمِ نَبيِّ الرَّحمَةِ والهُدى لِنَتَعَرَّفَ على مَنهَجِهِ في التَّربِيَةِ والتَّعليمِ، ذلكمُ المُعَلِّمُ الذي أَحيَا اللهُ به القلوبَ وأنارَ بِهِ العُقُولَ، وأَخرَجَنَا به من الظُّلمَاتِ إلى النُّورِ، ذلكمُ المُعَلِّمُ الذي أَرسَلَهُ اللهُ رَحمَةً وأمانَاً لِلعالَمِينَ، ما أجملَ قولَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ: «فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ»

إنّ البرية يوم مبعث أحمـدٍ *** نظر الإله لهـا فبدّل حـالها

بل كرَّم الإنسان حين اختار *** من خير البرية نجمها وهلالها

لقد أُعطيَ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، واختصر له الحديث اختصارًا، فكان يقولُ الكلماتِ المعدودة، فيقعُ أثرُها في قلوب أصحابِه مَوْقِعًا بليغًا، حتى تَغُطَّ رؤوسُهم، ويُسمعُ لهم نشيج من البكاء...إنَّ المتأملَ لهدي النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في التربية والتعليم ليلحظُ سماتٍ عامةٍ، وخصائصَ أساسيةٍ في منهجه -صلى الله عليه وسلم- في التعليم؛ من أهم تلك السمات:تعْبيدَ الناسِ لربِّ العالمينَ، وتحريرُهم من كلِّ ما يَخْدِشُ عبوديتَهم لله تعالى،... إن من أولويات التعليم -عباد الله- أَنْ تُغرسَ العقيدةُ الصحيحةُ في نفوسِ الناشئة، وأنْ يَربط الطالبُ والطفل في باكورةِ عُمُره بربِّه تعالى، محبةً، ورجاءً، وخشيةً، وتوكلاً، ومن سماتِ المنهجِ النبويِّ في التعليم: ربط العلم بالعمل: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُرغِّبُ في العلمِ ويُحيِّي طلابَه، ويفسحُ لهم المجالسَ ويدنِيهم، ولكن كان يذكرهم بقضية مهمة، ألا وهي العمل بهذا العلم، إذ العلمُ بلا عملٍ حُجَّةٌ على صاحبِه يوم القيامة؛ يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذيُّ بسندٍ صحيح: "لا تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربع، -وذكر منها- وعن علمه ماذا عمل به"...

الكلماتُ بمفردها لا تُقوِّمُ مُعوجًّا، ولا تنشئُ جيلاً، إذا لم يقترنْ ذلكمُ القول بالأُسوةِ الحسنةِ، والقدوةِ الطيبةِ من المعلِّم.... لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- صورة حيّة وواقعًا ملموسًا لأقواله، فما حثَّ أصحابَه على فضلٍ، إلا كان متحليًا به، سبَّاقًا إليه، ولا نهاهم عن أمرٍ، إلا كان من أبعدِ الناس عنه....يأمر الناسَ بالجودِ، وهو أجودُ الناس، يحثُّهم على ذكرِ الله تعالى، ولسانُه رطبٌ من ذكر ربه، يوصي بالنساءِ خيرًا، وهو خيرُ الناسِ لأهله، يأمرُ الناسَ بحفر الخندق، فيتقدمهُم وبيدهِ المِعْول، ينهى الناسَ عن سفاسفِ الأخلاق، ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا سبابًا ولا لعَّانًا.

إنَّ غيابَ القدوةِ الصالحةِ مما يُذهب بركةَ التعليمِ ويُقلِّل أَثَرَهُ في نفوسِ المتعلمين، فترى الانفصامَ الكبيرَ والبونَ الشاسع، بين سلوكَ الطالبِ وبين ما تعلَّمه وحفظه.

يـا أيـها الـرجُلُ الـمعلِّمُ غيرَه *** هلا لنفسِك كان ذا التعليم

تَصَفُ الدواءَ لذي السقام وذي الضنا *** كَيما يصحَّ بهِ وأنتَ سقيمُ

ابدأْ بنَفْسِك فانـهها عن غيها *** فإذا انْتَهَتْ عنه فأنتَ حكـيمُ

من سمات المنهج النبوي في التعليم: الحثُّ على تعليمِ الناس، ونشرِ العلمِ وبذلِه، وتوسيعِ دائرة المنتفعينَ به؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه". رواه أبوداود وصححه الألباني أيُّهَا الْمُرَبُّونَ الأفاضِلُ: ومن خصائِصِ تَعلِيمِهِ ...الرفق والتيسير؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّمُ أصحابَه برأفةٍ وشَفَقَة، كأنما يتودَّد إليهم في التعليم:

تراه إذا ما جِئْتَه مُتهللاً *** كأنك تُعطيه الذي أنتَ سائلهُ

يرسلُ أصحابه مُعلِّمين، فيوصيهم: "يسرا وبشرا، ولا تعسرا وتنفرا"، كان يرى الخطأَ فيسرعُ إلى تصويبِه وتعديلهِ، ولكن برفق ولين؛

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه... أيُّها المعلِّمونَ الأفاضِلُ، يامن تَشَرَّفتُم بِأَعظَمِ مَهمَّةِ وأشرفِ رِسَالَةٍ! هَا هُم أَبنَاؤنا مُقبلونَ عليكم ينتَظِرُونَ مِنْكُم عُلوماً نافعةً، ووصاياً جَامِعَةً، فَخُذُوا بِمَجَامِعِ قُلُوبِهم، ودُلُّوها على مَحَبَّةِ اللهِ ومَرْضَاتِهِ، واغرِسُوا فيها الإيمَانَ والإحسانَ، وَأبْشِرُوا بِقَولِ اللهِ –تَعَالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]

 هنيئاً لكَ أيها المعلم استغفارُ الكونِ لكَ، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"؛ فأنتَ تقومُ بوظيفةِ الأنبياءِ، ومهنةِ العُلماءِ، فمن ذا ينسى فضلكَ على الأبناءِ، ومن ذا لا يعرفُ جُهدَك والعطاءَ، فأنتَ الشَّمعةُ التي تُنيرُ الدُّروبَ، وكلماتُكَ يُحيي اللهُ بها القلوبَ، كم من جاهلٍ علَّمتَه، وكم من غافلٍ نبَّهتَه، فاللهَ اللهَ في أبنائنا، فنحنُ كأولياءِ الأمورِ معكَ وهم أمانةٌ بين يديكَ، وأنتَ أهلٌّ للأمانةِ.

أبنَائَنا الطُّلابَ: ها هي أيامُ العِلمِ أَقبَلَتْ فَأَقْبِلُوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ. واعلموا أنَّ جهودًا كبيرةً عُمَلت من أجلِكم، فَكُونُوا عند حُسْنِ الظَّنِ بكم، وأبْشِروا مَعَاشِرَ الطُّلاَّبِ فَإنَّ رَسُولَنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقَاً إلى الجَنَّةِ".مُعَلِّمُوكُم بِمَنزلةِ آبائِكم فَلا تَظنُّوا بِهم سُوءاً، ولا تَنْطِّقُوا أَمَامَهُم بِسُوءٍ أو تصرُّفٍ مَشِينٍ! واحذروا الإهمالَ والكَسَلَ فلا يَنالُ العلمَ كَسُولٌ ولا عَاجِزٌ، وقد كانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَستَعِيذُ باللهِ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله، فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسيماً

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آلِه وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي مرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم وفِّقه ووليَّ العهد لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم احفظ على بلادنا دينها ومقدساتها وأمنها وولاة أمرها؛ اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه.

اللهم إنا أستودعناك جنودنا ورجال أمننا فأحرسهم بعينك التي لاتنام وأعنهم وأنصرهم يارب العالمين.

اللهمَّ وَفِّقْ الطلابَ والطالباتِ في عامِهم الدراسيِّ الجديدِ، ونَوِّرْ طريقَهم، واجعلهم من النَّاجحينَ الفَالحينَ في الدُّنيا والآخرةِ، اللهمَّ سدِّدِ المُعلمينَ والمُعلماتِ

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات،

سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

المرفقات

1692207714_العام الدراسي الجديد 2-2-1445.doc

1692207714_العام الدراسي الجديد 2-2-1445.pdf

المشاهدات 794 | التعليقات 0