مع القرآن في رمضان

الفريق العلمي
1440/09/04 - 2019/05/09 14:28PM

اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة

اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن هذا القرآن العظيم هو الشفاء والهدى والربيع والبشرى والروح والنور، ارتبط هذا القرآن برمضان أكثر من غيره، ففيه أُنزل القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، وقد وصف الله تعالى التالين له بوصف عظيمٍ، وهو أن تجارتهم مع القرآن لا تتطرق إليها خسارة، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29].

 

ولعلي أيها الأخ الكريم أطرح على مسمعك المبارك وصايا أسال الله تعالى أن ينفعني وإياك والمسلمين بها، وتصل إلى عشرين وصية، وهي على النحو التالي:

 

الوصية الأولى: اعلَم أن صلاحنا وهدايتنا مرتبطة بالقرآن وبما دلَّ عليه القرآن، وشيء بهذه المكانة، يجب علينا أن نوليَه اهتمامنا البالغ وجهدنا الكبير قراءةً وعلمًا وعملًا وتعلمًا وتدبرًا؛ لأن هذه مقاصد عظيمة من إنزال القرآن الكريم.

 

الوصية الثانية: إن الإقبال على الله تعالى يكون بالأعمال والأقوال الصالحة، وإن من أعظمها وأفضلها هو قراءة القرآن، فكيف إذا كان ذلك في شهر رمضان، فهنيئًا لك أخي الكريم إقبالك واهتمامك وجهدك في تحصيل الخير في شهر الخير، فأكثِر من قراءة القرآن بقدرها، تُعطَ الجزاء الأوفى.

 

الوصية الثالثة: هل فكَّرتَ في وضع برنامج يناسبك في شهر رمضان مع قراءة القرآن؟ أرجو أن تكون كذلك، وأما القراءة حسب الصدفة والموافقة من غير برنامج، قد يكون ذلك سببًا في تضييع الكثير من الفرص العظيمة لديك، وأقترح عليك أن تربط قراءتك مثلًا بالأوقات الخمسة للصلوات، فكل وقت تجعل له مقدارًا معينًا من الصفحات، فعلى سبيل المثال، لو وضعت أربع صفحات مع كل وقت صلاة، لقرأتَ جزءًا في اليوم، وختمتَ ختمة في الشهر، ولو قرأتَ ثماني صفحات مع كل وقت صلاة، لقرأتَ جزأين كل يوم، وختمتين في الشهر، وهكذا كلما زدت أربعًا زدتَ جزءًا في اليوم وختمةً في الشهر، واعلَم أن في الختمة الواحدة ما يربو على ثلاثة ملايين حسنة، والله يُضاعف لمن يشاء، فاعمَل ما تستطيعه من القراءة لتحصيل تلك الأجور العظيمة.

 

الوصية الرابعة: بلغت الهممَ عند بعض الناس أن يختم في كل ثلاث ليال ختمة، وقد مضى على أحدهم أيامٌ كثيرة وهو يختم كل يوم ختمة، وهذه لا شك فتوحات يفتحها الله تعالى على من يشاء من عباده، فكن مبادرًا تريد ما يريده القوم من الفضل العظيم.

 

الوصية الخامسة: حاول أن تقرأ القرآن بالتدبر والتأمل؛ قال الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، فإن ثقُل عليك الأمر فاجعَل بعض ختماتك تدبُّرية وتأمُّلية؛ لتحصل على كلا الحسنيين الأجر والتدبر، ومن الخطأ أن يُفهم أن التدبر يكون لدى العلماء وطلاب العلم فقط، بل إن آيات القرآن في مجملها واضحة نسبيًّا لكل قارئ، وكم هو جميل جدًّا أن تصحب معك ورقةً تسجل فيها ما يُشكل عليك، فتسأل عنه أهل العلم!

 

الوصية السادسة: قد تجد أناسًا أعرضوا عن القرآن قراءةً وتدبرًا، فهؤلاء لا تتشمت بهم، بل ادعُ لهم وأشفِق عليهم، وقُمْ بتوجيههم، فلعل قلبًا يسمع منك ويهتدي، فتحظى بمثل أجره!

 

الوصية السابعة: من الممكن أن تجعل في بيتك ومع أولادك جلسة قرآنية خلال أيام رمضان، مدارسةً للآيات ومعانيها، ولو كانت قليلة، فالقليل مع القليل يكون كثيرًا، وحدثني أحدهم قائلًا: كنتُ مع أولادي في حلقة قرآنية في كل جمعة مدة نصف ساعة فقط من عصر الجمعة، واستمر برنامجنا هذا، فختمنا بحمد الله تعالى تفسير ابن كثير كاملًا خلال ثلاث سنوات قراءةً وتعليقًا، فهذه حصيلة نصف ساعة فقط من كل أسبوع، فما أعظمها وأبركها وأجملها، فاجعل لك مثلها، فهي خير عظيم وثواب جزيل.

 

الوصية الثامنة: حاوِل عند قراءتك أن تجمَع نيَّات عديدة؛ كنيَّة القراءة، ونية طلب العلم، ونيَّة التدبر، ونيَّة الاستشفاء بالقرآن، وغير ذلك، فافعَل هذا لتجتمع لك الأجور العظيمة المتنوعة بالعمل الواحد.

 

الوصية التاسعة: حاول ربْط أولادك بالقرآن تعلمًا وتعليمًا وتلاوةً، ومن صور ذلك: ضعْ لهم سؤالًا في كل يوم من أيام رمضان، ففي اليوم الأول ضعْ سؤالًا يكون جوابه في الجزء الأول من القرآن، واليوم الثاني سؤال جوابه في الجزء الثاني من القرآن، وهكذا، وقمْ بتكريمهم نهاية الشهر، فهذه طريقة ناجحة لربطهم بالقرآن.

 

الوصية العاشرة: يقول أحدهم: كنت خلال شهر رمضان بشكل يومي أطَّلع اطلاعًا عامًّا على تفسير ما سيَقرؤه الإمام في ذلك اليوم في صلاة التراويح، فلمستُ لذلك الأثر الكبير في ربط القلب مع القرآن أثناء الصلاة، ويُقترح لذلك كتاب (زبدة التفسير)، فهو مختصر ومفيد، ويقع في مجلد واحد يحتوي المصحف والتفسير.

 

الوصية الحادية عشرة: تذكَّر دائمًا أن الله تعالى يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين، فتذكُّرك هذا يدفعك إلى رِفعتك في الدنيا والآخرة، وهذا يستلزم الارتباط بالقرآن قراءةً وتعلمًا وتعليمًا وتدبرًا.

 

الوصية الثانية عشرة: إن قراءتك القرآن في المسجد قد تكون في الجملة أولى من القراءة في البيت، وذلك لوجوه عدة؛ منها: أن جلوسك في المسجد عبادة أخرى، وكذلك تحظى بدعوات الملائكة لك بالرحمة والمغفرة والتوبة، ومنها ألا تنشغل بشيء آخر من أمور الدنيا، ومنها أيضًا تشجيع مَن حولك لك في القراءة، وغير ذلك من المصالح، أما إذا احتف بالقراءة أمر آخرُ يستلزم البيت ونحوها، فقد يُقال: إن ما كان في ذات العبادة أَولى بالمراعاة مما يحتف بمكان العبادة أو زمانها.

 

الوصية الثالثة عشرة: إن كنت حافظًا للقرآن أو شيء منه، فإن شهر رمضان فرصة عظيمة لضبط هذا الحفظ وإتقانه، فاجعَل لك مشروعًا في هذا، واستشِر فيه مَن تراه مناسبًا لتسترشد برأيه، وجميل أن يُشرف على مشروعك هذا أحدُ المختصين.

 

الوصية الرابعة عشرة: هل فكَّرت أن تبدأ في هذا الشهر المبارك مشروعًا عظيمًا لك، وهو البداية في حفظ القرآن؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].

 

أخي الكريم، إنك حين تفكِّر التفكير الجاد في هذا، فهو أولى خطوات النجاح، فبقِي عليك الاستشارة والمبادرة في ميدان المسابقة للبداية بحفظ القرآن، وما هي إلا سنتان وقد حفِظت القرآن عن ظهر قلب، يقول أحدهم: كنت خارجًا من المسجد فوقفت قليلًا عند بعض الإعلانات فقرأت مشروعًا لحفظ القرآن، فاستهواني ذلك وقمتُ بالاتصال والمبادرة، ونزلت إلى أرض الواقع، فما توقعت ذلك التيسير، فحفِظته بحمد الله تعالى في سنتين، فلعلك تجعل شهر رمضان انطلاقةً لك في البداية في حفظ كتاب الله، وهنيئًا لك إن كان كلام الله تعالى في صدرك، ويدخل معك قبرك، ويشفع لك عند ربِّك، فهنيئًا لك ذلك، ولو حفِظت بعضه فهو إنجاز كبيرٌ.

 

الوصية الخامسة عشرة: حاول عند قراءتك السؤالَ عند آية الوعد، والاستعاذة عند آية الوعيد، فلعل الله تعالى يَستجيب منك، فيُعطيك ويُعيذك.

 

الوصية السادسة عشرة: كنْ من خلال قراءتك مصححًا لسلوكك العملي والقولي، فعند قراءتك مثلًا للنهي عن الغيبة تجنَّبها، وفي النهي عن الظلم ابتعِد عنه، وهكذا، فالقرآن الكريم نزل تشريعًا ونزل لإصلاح قلوب العباد ونقاوتها.

 

الوصية السابعة عشرة: شهر رمضان فرصةٌ لتصحيح التلاوة على مقرئ جيد لبيان الأخطاء واللحون وتصحيحها، فبالإمكان أن يكون هذا البرنامجُ خلال الشهر كاملًا بواقع جزءٍ في كل يوم.

 

الوصية الثامنة عشرة: عند عزمك على مشاريعك القرآنية في رمضان، سواء كانت في الحفظ أو التلاوة، أو التدبر أو غيرها، فلا بد من الصبر والتحمل، فهو مِفتاح لجميع هذه المشاريع، فمن فقَده، فقدْ فقَدَ شيئًا كثيرًا مما سبق!

 

الوصية التاسعة عشرة: عندما يفتح الله عليك بكثرة قراءة القرآن، فأكثر أيضًا أنت من الحمد والشكر لله تعالى؛ فإن هذا من أسباب زيادة الخير لك.

 

الوصية العشرون: قد تعرض لك عوارض دنيوية خلال قراءتك للقرآن، فاعلم أن هذا ابتلاء وامتحان، فحاوِل الترتيب، ولا تترك القراءة، بل أكمِل حزبك، ثم اتَّجه إلى ما ورد عليك ما أمكَن ذلك.

 

وفَّقك الله لكل خير، وإلى حلقة أخرى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



المشاهدات 734 | التعليقات 0