مع اقتراب رمضان أين نحن من القرآن

كامل الضبع زيدان
1436/08/20 - 2015/06/07 18:58PM
خطبة الجمعة بجامع الأخوين سحيم وناصر ابني الشيخ حمد بن عبد الله بن جاسم آل ثاني رحمهما الله تعالى. مع اقتراب رمضان أين نحن من القرءان.
ها نحن نقترب شيئا فشيئا من شهرنا الذي ننتظره كل عام ونحن في غاية الشوق لما فيه من المنح الربانية والأعطيات الإلهية والجوائز التي لا تكون في غيره من الشهور وهو شهر الصيام وشهر الجود والكرم وشهر القرآن الذي هجره المسلمون في هذه الأزمان إلا من رحم الله عزو جل.
الحبيب صلى الله عليه وسلم يشتكي إلى ربه عزو جل
{وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} يشتكي حبيب رب العالمين صلوات ربي وتسليماته عليه ممن يهجر القرآن ومن هجرانه عدم الاستماع إليه وتبديله بالأغاني والطرب الحرام الملهي عن ذكر الله وعن القرآن ومن هجرانه ترك تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ومن هجرانه ترك تدبره وتفهم معانيه قال الله تعالى{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} ومن هجرانه ترك العمل بما فيه من أوامر أمرنا الله عزو جل بها ونواهي نهانا عنها ومن هجرانه عدم الحكم بما فيه من أحكام الله التي شرعها للعباد ليتحاكموا بها فيما بينهم قال تعالى {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} فيا له من مفرط ويا له من خاسر من هجر شيئا من ذلك فكيف به عندما يلاقي النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض ماذا يكون جوابه إن سأله المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ذلك الهجران وما يكون حاله لو سأله رب العالمين عن ذلك لا شك أن الأمر سيكون في غاية المشقة عليه والله عزو جل قد يسر القرآن وجعله سهلا ميسورا فلا عذر لمن قصر ولا شك أنه سيندم غاية الندم عندما تحق الحقائق ويرى من سبقه إلى أعالي الجنان بحفظه وتدبره وعمله بالقرآن سيندم على الأوقات التي ضيعها فيما لا فائدة منه وكان الأجدر به أن يستغلها في تحصيل ما استطاع من كتاب الله عزو جل النور المبين والسراج المنير وحبل الله المتين وصراطه المستقيم والهادي إلى سواء السبيل والشفاء لكل مؤمن صادق شفاء للصدور وشفاء للأبدان قال تعالى {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى} وقال جل جلاله {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} .
روح أخرى تحيا بها الروح وترفرف حول عرش الرحمن
كما قال تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} فالمؤمن الصادق العامل بكتاب الله التالي له والمتدبر لمعانيه والعامل بما فيه صار له روح أخرى وكأنه له روحين روح كالبشر وروح أخرى تحيا بها روحه العادية البشرية فإذ به يرفرف بروح الروح حول عرش الرحمن الناس في واد وهو في واد آخر يعيش بين الناس بجسده وروحه العادية ولكنه متعلق بربه ويحوم حول عرشه في غاية الشوق إلى ربه عزو جل بالروح الأخرى ألا وهي كتاب الله الهادي إلى صراطه المستقيم الموصل إلى جنات النعيم بجوار رب العالمين.
نور يضيء له الصراط المظلم على جهنم
وهو أيضا نور مبين يضيء الطريق للسالكين إلى جنات النعيم في الدنيا وهو أيضا يضيء لهم على الصراط المضروب على جهنم والذي كما وصفه الحبيب صلى الله عليه وسلم أدق من الشعرة وأحد من السيف يتسع للعباد على قدر أعمالهم ويضاء لهم أيضا على قدر أعمالهم ليعبروا إلى جنات النعيم وأي نور أعظم من كتاب الله لا شك أن من عظم كتاب الله وعمل بما فيه وقدره حق قدره سيكون له نورا مبينا عظيما يجوز به على شفير جهنم وهو الورود الحتمي كما قضى رب العالمين فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وعندها تكون المصيبة الحقيقية فلا بد من السقوط في أمه الهاوية أسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين السلامة والعافية.
الشافع المشفع
كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. ولا شك أن الذي يحفظ القرآن ويقرأه عن ظهر قلب أعظم ممن يقرأه من المصحف لذلك على المؤمن صاحب القلب الحي أن يجاهد نفسه بكل ما يستطيع أن يحفظ ما استطاع من كتاب الله ويستعين على ذلك بالله عزو جل فإذا علم الله عزو جل صدقه وهو علام الغيوب أعطاه وأعانه ووفقه وسيسعد بذلك السعادة الأبدية وإن جاهد ووجد مشقة فلا أقل من أن يعوض ما فاته في أولاده وبناته ويدربهم على الحفظ منذ الصغر ويبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس مهما كلفه ذلك من وقت وجهد ومال لأن المقابل سعادة الأبد أبد الآباد.
أهل الله الذين سيكرمهم الله غاية الكرم
وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم قال:(إن لله تعالى أهلين من الناس قالوا يا رسول الله من هم قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) رواه النسائي وابن ماجه والإمام أحمد. فيا لها من كرامة الناس يتباهون بعائلاتهم وبقبائلهم وبحسبهم ونسبهم وأهل القرآن ينتسبون إلى الله مالك الملك ومكون الأكوان يا له من نسب وشرف لا يعلو عليه شرف واستمع إلى إكرام الله عزو جل وهو أكرم الأكرمين لحافظ القرآن يوم القيامة بما صحت به أحاديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم (يلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة وله من الله عزو جل الرضوان ويقال له اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها) فهو في صعود في درجات الجنة إلى أن ينتهي ما كان يحفظه من كتاب الله ويتنعم به في الدنيا أما والدي حافظ القرآن فيكرمان بسببه كما روى الحاكم عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن وتعلم وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن). بعد كل هذا الكرم لماذا يقصر المقصرون إن كانوا موقنون بأن كلام الله جل وعلا وكلام الصادق صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله عزو جل حق وصدق فلماذا لا نجد ونجتهد بأقصى طاقاتنا لننال العز ولننال الشرف والرفعة والمكانة العالية لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأهلينا ولذوينا فهم جميعا سيكرمهم الله عزو جل بكرامة صاحب القرآن سيكون شفيعا لمن شاء الله منهم إكراما له وبرضوان الله عزو جل عنه وقربه منه.
من أراد التنعم في رمضان فليستعد الآن
لأنه لو بدأ الاستعداد مع بداية رمضان فسيخسر وقتا طويلا وهو يتهيأ للدخول في روحانيات رمضان أما لو بدأ يعد العدة من الآن ونحن على مشارف شعبان وهو الشهر الذي كان يسميه سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ شهر القراء وكانوا يتفرغون فيه لمراجعة ما حفظوه من القرآن في شعبان ليتنعموا به في رمضان وكثير منهم كان يترك التجارة والأعمال ليتفرغ للقرآن فإذا دخل عليهم رمضان كان لهم النعيم بما أعدوه من عدة له قبل رمضان وفازوا بجوائز رمضان التي لا تكون في غيره والتي من حرم خيرها فقد حرم وهو المحروم على الحقيقة أسأل الله أن نكون من الفائزين قبل رمضان وفي رمضان وبعد رمضان اللهم بلغنا رمضان واجعلنا فيه ممن يفوزون بأوفر الحظ والنصيب مما أعددته لعبادك الطائعين واجعلنا من أوائلهم بفضلك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أخوكم / كامل الضبع محمد زيدان
المشاهدات 2165 | التعليقات 0