مع أو ضد هذه الظاهرة؟!
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(مع أو ضد هذه الظاهرة؟! ) 8/10/1442هــ
إخواني المصلين: انتشرت في الأحياء والحواري ظاهرة لا تكاد تمر بحي أو حارة إلا وتشاهد هذه الظاهرة وترى هذا المنظر!
ألا وهي وضع الماء وبقايا الطعام للقطط والطيور، ولا شك ولا ريب أن هذا العمل من الأعمال الطيبة والصالحة والنافعة متى ما رزق فاعله الإخلاص، ولم يترتب على هذا العمل إيذاء للمسلمين وإن كان في كل كبد رطبة
أجر،فإن الأجر في بني جنسك آكد وأعظم وأكمل وأبلغ، وقد نهانا ديننا الحنيف عن إيذاء المسلمين في طرقاتهم وشوارعهم، بل أعد لمن يزيل الأذى عن الطريق مغفرة الذنوب ودخول الجنة!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ"رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: وفي رواية : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ".
وفي رواية أخرى : (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ).
وعند الإمام أحمد: فقال :"لأرفعن هذا لعل الله عز وجل يغفر لي به فرفعه فغفر الله له به وأدخله الجنة.".
وفي رواية له: "لقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة".
وفي هذا الحديث يحكي لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – قصّة أحد الناس الذين تملّكهم الحرص على الآخرين ، رجلٌ لم نقف على تفاصيل حياته ، ولعلّه يكون من عامّة الناس ، إلا أنه كان حريصاً على عدم أذيّتهم أو إلحاق
الضرر بهم .
فبينما هو يمشي في بعض حاجته ، أبصر في وسط الطريق غصن شجر مليء بالأشواك ، فاستوقفه ذلك ، ثم فكّر في الأذى الذي قد يسبّبه وجود مثل هذا الغصن على الناس ودوابّهم ، فقال في نفسه : " والله لأنحّين هذا عن
المسلمين لا يؤذيهم " ، وبكل رجاءٍ أردف قائلا : " لعل الله عز وجل يغفر لي به " .
عملٌ قليلٌ في نظر الناس ، قد لا يُكلّف من الجُهد أو الوقت شيئاً ، لكنّ الله تعالى بواسع رحمته وعظيم كرمه جعل ما فعله سبباً في مغفرة ذنوبه ودخول الجنة ، استحقه بنيّته الحسنة ، ولولا فضل الله ما أُثيب . على هذا الأساس ربّى النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه ، فأثمر جيلاً على مستوى عالٍ من الأدب الراقي والسلوك المهذّب ، يسعى الفرد فيه لمصلحة الجميع .
بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
إخواني المصلين: هذا الموقف الذي مر معنا في الحديث يضيئ لنا طريق حياتنا وينور قلوبنا ويرشدنا إلى أن إعطاء الطريق حقه والدعوة إلى العمل بها واجب علينا جميعاً، فإن طرق الناس ملك للجميع ومسؤوليتها مشتركة بين
جميع أفراد المجتمع والعناية بها من الوازع الديني .
قال صلى الله عليه وسلم: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ) رواه مسلم.
وكذلك جعل الإسلام ذلك الفعل باباً عظيماً من أبواب الصدقة ، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : (كُلُّ سُلَامَى – أي مفصل - مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : - ثم
ذكر جملةً من الأعمال وفيها : - وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) رواه مسلم.
وفي المقابل جاء الوعيد الشديد على من ينتهك حقوق الطريق ويجعلها موطناً للقاذورات والفضلات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ
الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ) والمقصود أنه مستحقّ لغضب الله تعالى وذمّ الناس لإفساده الطريق وحرمانه لهم من التمتّع في أماكن مواطن الراحة كظلّ الأشجار ونحوها .
شثم صلوا وسلموا،،،،