معنى (لا إله إلا الله) وشروط تحقيقها
ماجد بن سليمان الرسي
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن عبادة الله (سبحانه وتعالى) هي الغاية من خلق الجن والإنس، قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾.
à مكانة كلمة «لا إلـٰه إلا الله»
عباد الله، اعلموا رحمكم الله أن كلمة الإخلاص «لا إلـٰه إلا الله» هي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أُسِّست الملة، ونُصبت القبلة، ولأجلها جُرِّدت سيوف الجهاد، وبها أَمر الله جميع العباد، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومفتاح عبوديته التي دعا الأمم على ألسُنِ رسله إليها، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السـلام، وأساس الفرض والسـنة، فإذا عرفت هذا؛ فاعلم أن «لا إلـٰه إلا الله» لا تنفع قائلها إلا بعد معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، وأنها لا تنفعه إلا بعد الصدق والإخلاص واليقين، لأن كثيراً ممن يقولها في الدرك الأسفل من النار.
فلابد في شهادة أن «لا إلـٰه إلا الله» من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، فإن اختل نوع من هذه الأنواع لم يكن الرجل مسلماً، فإذا كان الرجل مسلماً وعاملاً بالأركان ثم حدث منه قول أو فعل أو اعتقاد يناقض ذلك؛ لم ينفعه قول «لا إلـٰه إلا الله»، وأدلة ذلك في الكتاب والسنـة وكلام أئمة الإسلام أكثر من أن تحصر.
à تفصيل في معنى كلمة الإلـٰه
عباد الله، ومعنى كلمة (الإلـٰه) ما قاله ابن القيم رحمه الله: الإلـٰه هو الذي تألهه القلوب محبة وإنابة وإجلالا وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا.[1]
وقال ابن رجب رحمه الله: الإلـٰه هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالا، ومحبة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلـٰهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول «لا إلـٰه إلا الله» ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.[2]
à مدلول (لا إلـٰه إلا الله)
أيها المسلمون، دلَّت «لا إلـٰه إلا الله» على نفي العبادة عن كل ما سوى الله تعالى كائنا من كان، وإثبات الإلـٰهية لله وحده دون ما سواه، وهذا هو التوحيد الذي دعــت إليه الرســل، ودل عليــه القرآن من أولــه إلى آخره.
وأما لفظ (وحده لا شريك له) التي تأتي بعد لفظ «لا إلـٰه إلا الله»؛ فهو تأكيد وبيان لمضمون معناها، وقد أوضح الله عن ذلك وبينه في قصص الأنبياء والمرسلين في كتابه المبين.
***
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
à الخطبة الثانية في شروط تحقيق شهادة التوحيد (لا إلـٰه إلا الله)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن شروط تحقيق (لا إلـٰه إلا الله) سبعة، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها:
الأول: العلم المنافي للجهل، فمن لم يعرف المعنى فهو جاهل بمدلولها.
الثاني: اليقين المنافي للشك، لأن من الناس من يقولها وهو شاك فيما دلت عليه من معناها.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك، فإن لم يخلص أعماله كلها لله فهو مشرك شركاً ينافي الإخلاص.
الرابع: الصدق المنافي للنفاق، لأن المنافقين يقولونها، ولكنه لم يطابق ما قالوه لما يعتقدونه، فصار قولهم كذباً لمخالفة الظاهر للباطن.
الخامس: القَبول المنافي للرد، لأن من الناس من يقولها مع معرفته معناها، لكن لا يـَقـبـل ممن دعاه إليه، إما كبراً أو حسداً أو غير ذلك من الأسباب المانعة من القبول، فتجده يعادي أهل الإخلاص ويوالي أهل الشرك ويحبهم.
السادس: الانقياد المنافي للترك، لأن من الناس من يقولها وهو يعرف معناها، لكنه لا ينقاد للإتيان بحقوقـها ولوازمها من الولاء والبراء والعمل بشرائع الإسلام، ولا يلائـمه إلا ما وافـق هـواه أو تـحصيل دنياه، وهذه حال كثير من الناس.
السابع: المحبة المنافية لضدها.
فإذا تبين لك هذا وعرفتَه، وتحققت أن «لا إلـٰه إلا الله» هي كلمة الإخلاص، وهى الفارقة بين الكـفر والإسلام، وهى كلمــة التقوى، وهى العــروة الوثقى؛ فاعلم أن هذه الكلمة نفيٌ وإثبات؛ نفي الإلـٰهية عما سوى الله من المخلوقات، وإثباتها لله وحده لا شريك له، وأنها لا تنفع قائلها إلا باجتماع هذه الشروط التي تقدم ذكرها، فمن عرف معناها وعمل بمقتضاها وتحقق بها علماً وعملاً واعتقاداً فقد استمسك بالإسلام الذي قال الله فيه ]إن الدين عند الله الإسلام[ سورة آل عمران: 19 ، وقال ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ سورة آل عمران: 85 .[3]
***
ثم اعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَله في نفسه، ورد كيده في نحره. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761
[1] «إغاثة اللهفان»، ص 72، تحقيق علي بن حسن بن عبد الحميد، الناشر: دار ابن الجوزي – الدمام.
[2] «كلمة الإخلاص» ص 25، الناشر: دار الشريف – الرياض.
[3] ضبطت هذه الخطبة من كلام الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله، وهو مثبت في «الدرر السنية من الأجوبة النجدية» (2/350-362) ، وقد ضبطت متن «نواقض الإسلام» من «مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب» (1/385 – 387).
المرفقات
1731571871_معنى لا إله إلا الله وشروط تحقيقها.doc