معنى أن تسقط صنعاء تحت أعين الجميع / فهمي هويدي
احمد ابوبكر
1435/12/07 - 2014/10/01 03:23AM
[align=justify]هل ما يحدث فى اليمن الآن مقدمة لانقلاب منتظر في خرائط الجزيرة العربية؟
(1)
أتحدث عن زحف الحوثيين على صنعاء، واستيلائهم عليها دون أي مقاومة، وسط دهشة وحيرة الجميع، ذلك أنه طوال سنوات الصراع بين السلطة والحوثيين الممتد منذ نحو عشر سنوات فإن صنعاء ظلت تعد «خطا أحمر». إلا أن المفاجأة حدثت يوم 21 سبتمبر الحالي حين انقض المسلحون الحوثيون على العاصمة بعد حصارها، فسيطروا بصورة شبه كاملة على مفاصلها ومراكزها الحيوية، الأمر الذي أحدث دويا تعددت أصداؤه فى الفضاء العربي. فما جرى لم يكن انقلابا لأن الحوثيين استولوا على المدينة ولم يستولوا على السلطة، رغم أن الطريق كان مفتوحا أمامهم لأجل ذلك . إذ لم يكن القصر الجمهوري عصيا عليهم، ولكنهم لم يطرحوا أنفسهم كسلطة بديلة. وكما أن الثورة اليمنية أسقطت الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لكنها أبقت عليه فى صنعاء، حيث ظل يمارس أنشطته على الصعيدين القبلي والسياسي، فإن اجتياح الحوثيين أسقط السلطة في صنعاء، لكنه أبقى على الرئيس عبدربه هادي منصور، فأصبح القرار بأيديهم والرمز في مكتبه ومنصبه.
لأنه لم يكن انقلابا فقد اختلفت الروايات فى تقييمه. ولعب الإعلام اللبناني دورا مؤثرا فى هذا الصدد، ذلك أن استيلاء الحوثيين على صنعاء أعاد إلى الأذهان تجربة حزب الله فى بيروت ودور الحزب فى الحياة السياسية اللبنانية، ولأن الحوثيين موالون لإيران وللمذهب الجعفري فقد تحدث البعض عن تمدد النفوذ الإيراني، ووصوله إلى مضيق باب المندب عنق الزجاجة للبحر الأحمر، الذي يتحكم فى الطرق التجارية بين الشرق والغرب، ونبه آخرون إلى أن أصابع إيران لم تعد مقصورة على بغداد وسوريا وبيروت، ولكنها أصبحت حاضرة فى صنعاء، وفى ظهر المملكة العربية السعودية. ومنهم من قال إنه إذا كانت إيران تتقاسم النفوذ مع المملكة في بيروت، فإن المشهد أصبح مكررا فى صنعاء. وأيد تلك الشائعات أن نائب طهران في مجلس الشورى الإيراني علي رضا راذكاني نقل عنه قوله إن الثورة الإسلامية وجدت صداها فى صنعاء، إضافة إلى ثلاث عواصم عربية أخرى، هي بغداد ودمشق وبيروت. وكان واضحا ترحيب المنابر الإعلامية الشيعية بما حدث فى اليمن، حيث احتفت باحتلال صنعاء، واعتبرته من النجاحات التي حققتها الثورة الإسلامية المنحازة إلى المستضعفين والمهمشين.
وفي حين تحدث البعض عن ظهور إرهاصات نظام ولاية الفقيه في اليمن، ذهب آخرون إلى أن الحوثيين المؤيدين لفكرة الإمامة بصدد استعادة حكم أسرة حميد الدين، الذى أطاحت به الثورة فى ستينيات القرن الماضي. الأمر الذي يفتح الأبواب لانقلاب سياسي منتظر في الجزيرة العربية.
(2)
أغلب تلك التحليلات كانت مشرقية، وليست مبنية على قراءة دقيقة للواقع اليمني. أعني أن أصحابها انطلقوا فيها من خبراتهم الخاصة فى بلاد المشرق ومن رصد التفاعلات الحاصلة فى دول الربيع العربي، وليس اعتمادا على الاحاطة بخصوصية الواقع اليمني. إذ ليس صحيحا أن الصراع في اليمن مذهبي بالأساس، وليس كل الزيود موالون لإيران، وفكرة ولاية الفقيه لا مكان لها في اليمن، وطريق طهران إلى باب المندب محفوف بالألغام التي قد تستدرج إيران إلى ما لا تحبه ولا يخطر لها على بال .
من البداية كان الصراع سياسيا بين الحوثيين المتمركزين فى صعدة بالشمال وبين السلطة فى صنعاء. الحوثيون كانوا يعانون من التهميش وإهمال السلطة لهم، كما كانت لهم اعتراضاتهم على سياسة حكومة على عبدالله صالح الموالية للولايات المتحدة الأمريكية. ولكن النظام فى مواجهتهم لجأ إلى الورقة المذهبية واتهامهم بأنهم يسعون إلى إعادة حكم الإمامة، ودخل معهم فى ست مواجهات مسلحة خلفت تأثرات لدى الحوثيين. وخلال تلك المواجهات كان الخطاب السياسي اليمني يوجه أصابع الاتهام لطهران بدعم الحوثيين، وبالتدخل في الشأن الداخلي اليمني. ومن الأدلة التي تؤيد تراجع الدور المذهبي. وتقدم العامل السياسى أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ساعدهم فى البداية ثم خاض ضدهم حروبه الست أصبح الآن حليفا لهم. ودوره هو وأعوانه في تسليم صنعاء للحوثيين بلا مقاومة، والاستعانة بهم في تصفية حسابه مع خصومه الذين أسهموا في إسقاط نظامه.
إن الذين يتحدثون عن التفسير الطائفي والمذهبي للتحول الراهن في اليمن يستندون إلى حقيقة أن سكان اليمن يتوزعون على المذهب الشافعي في الجنوب والزيدي في الشمال. والزيود الذين يخرج منهم الحوثيون (نسبة لزيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ــ القرن الثاني الهجري) ليسوا من الشيعة الاثني عشرية أصلا وأن تأثر بعضهم بهم. والعبارة الشائعة عن الزيود فى أوساط أهل العلم أنهم معتزلة فى الأصول، وأصناف في الفروع. أما توجههم الأساسي فقد كان سياسيا يدعو إلى الخروج على الحكام الظلمة، وليس عقائديا يشتبك مع الفرق والمذاهب الأخرى، وقد تطور فكرهم خلال القرون التي خلت بحيث ظهرت منهم فرقة أقرب إلى أهل السنة، كما ظهرت مجموعة أخرى اقتربت من الشيعة الاثني عشرية، وهؤلاء الأخيرة علا صوتهم وانتعشت أنشطتهم أكثر بعد الثورة الإسلامية في إيران. ومن الواضح أن أطرافا معنية في إيران تفاعلت معهم وساندتهم بمختلف السبل.
إذا قلنا إن الحوثيين مجرد مجموعة نشطة من الزيود ولا يشكلون كل أتباع المذهب، فلا ينبغي أن نغفل حقيقة أخرى مهمة هي أن الزيود في جملتهم لا يشكلون أغلبية في اليمن الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليونا، ولكنهم يمثلون ثلث السكان فقط . فى حين أن الشوافع يمثلون الثلثين. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأن الحديث عن دخول اليمن فى ولاية الفقيه أو سقوط صنعاء بيد طهران، يبدو أمرا مبالغا فيه إلى حد كبير، فيه من الأوهام والتمنيات الشيء الكثير.
(3)
الحقيقة الأخرى التي ينبغى ألا تغيب عن الأذهان في تحليل ما جرى في صنعاء أن اليمن مجتمع قبلي بالدرجة الأولى، القبلية فيه أهم وأكثر منعة وتماسكا من الدولة. ثم إنه مجتمع مسلح، وإذا كانت «الجنبية» (الخنجر المعقوف) جزءا من المظهر الخارجي لليمنى، إلا أنها أصبحت الآن ضمن الديكور الخارجي للشخصية اليمنية، مع ذلك فانها ظلت رمزا يعلن عن حقيقة أن اليمني لابد أن يكون مسلحا. وسلاحه الحقيقي مخزن فى بيته. ولكل أسرة حصتها من السلاح والذخيرة. وإذا كانت تلك خصوصية البيئة الاجتماعية، فإن للجغرافيا أيضا خصوصيتها. ذلك أننا بإزاء تضاريس جبلية يتعذر السيطرة عليها، ولذلك ظلت اليمن طوال تاريخها عصية على أي قوة خارجية من العثمانيين إلى الإنجليز. وليس غائبا عن الأذهان أن تنظيم القاعدة له حضوره فى أبين وبعض المحافظات اليمنية الأخرى. وقد تعذر القضاء عليه طوال السنوات العشر الماضية رغم استهدافه خلال تلك الفترة من جانب أجهزة الاستخبارات الأمريكية وطائراتها التي لم تتوقف عن التحليق فى سماء اليمن.
أغلب الظن أن تلك الخرائط المعقدة المجتمعية والجغرافية، كانت وراء قرار الحوثيين السيطرة على مراكز ومفاصل السلطة فى صنعاء، مع الابقاء على رئاسة الجمهورية وهيكل السلطة كما هو. حيث اكتفوا فى حملتهم بأن أثبتوا حضورا في دائرة القرار السياسي تجاوزوا به حالة التهميش والإقصاء التي عانوا منها .
ثمة اعتبار إضافي لا يمكن تجاهله في أي حديث عن اليمن وتفاعلاته السياسية، يتمثل في موقف السعودية، التي هي أول طرف خارجي يتلقى الأصداء في صنعاء. ذلك إن التداخل بين حسابات البلدين على مختلف الأصعدة من القوة والعمق بحيث يتعذر تجاهله أي تطور تشهده البلاد. وقد كان واضحا فى التطورات الأخيرة أن المملكة تعاملت مع ما حدث في اليمن بهدوء شديد ــ فى العلن على الأقل. وتجلى ذلك فى ترحيبها ومباركتها لاتفاق «السلم والشاركة الوطنية» الذي تم توقيعه يوم 21/9 بين مختلف المكونات السياسية في اليمن بمن فيهم الحوثيون. كما أنها تعاملت بنفس الدرجة من الهدوء مع التطورات التي أعقبت توقيع الاتفاق، حيث اكتفت بالتصريحات التى أدانت تصرفات الحوثيين، وتغولهم في صنعاء بعد التوقيع. إلا أن ذلك ليس كل شيء بطبيعة الحال، لأن المملكة ما كان لها أن تتصرف على ذلك النحو إزاء تحول بتلك الجسامة والأهمية في اليمن ألا وهي على ثقة بأن الزمام لم يفلت بعد، وأن الأمر لا يزال تحت السيطرة من وجهة نظر الرياض على الأقل. وربما رأت أن تنتظر نتيجة الصراع بين الحوثيين وبين حزب الإصلاح الإخواني، وبين عناصر القاعدة وبين الحوثيين. وفي كل الأحوال فإنها واثقة من أن دخول إيران على الخط ــ إذا حدث ــ فإنه سوف يستنزفها ولن تخرج سالمة من اليمن.
(4)
إننا نتحدث كثيرا عن الانهيار الذي حدث للسلطة وأدى إلى احتلال صنعاء واستسلامها دون أي مقاومة. لكننا لم نخضع للتحليل حالة القابلية للانهيار لدى السلطة. ذلك أن صنعاء لم تسقط بسبب قوة الحوثيين وإنما بسبب الهشاشة والضعف في جانب السلطة، التي عشش فيها الفساد والوهن، حتى عجزت عن أن تنجز شيئا ذا قيمة حتى من توصيات وثيقة الحوار الوطني الشامل الذي اختتم أعماله في أواخر يناير الماضي . ذلك ان المؤتمر الذى شارك فيه ممثلو كل القوى اليمنية (أكثر من 500 شخص) ظل أعضاؤه يتحاورون حول كل حاضر اليمن ومستقبله طوال عشرة أشهر، وبعد انفضاضه لم تحرك الحكومة ساكنا. وكل ما فعلته أنها جمدت مخرجات الحوار، ورفعت أسعار المشتقات النفطية، فأشعلت نار الغضب لدى الرأي العام. وهو ما اعتبره الحوثيون فرصة جعلتهم يطالبون بإقالة الحكومة وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني، وإلغاء قرارات رفع الأسعار. وفي ظل هذه المطالب تحرك مقاتلوهم فاحتلوا عمران، وبعدها طرقوا أبواب صنعاء وحاصروها، حتى باغتوا الجميع بالاستيلاء عليها.
حين هبت رياح الربيع العربي في عام 2011 خرج اليمنيون إلى الشوارع، وتحدوا نظام الرئيس على عبدالله صالح. وبعدما أمضوا عاما تقريبا، وهم وقوف يطالبون بإسقاط النظام، ثم خرجت المبادرة الخليجية التي نحت الرجل عن منصبه ونصبت مكانه نائبه عبدربه منصور. في تبديل للمواقع أسقط الرجل ولم يسقط نظامه الذي لم يتغير فيه شيء. من ثم فإن أداءه ظل على سوئه الأمر الذى أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
لقد شمَّ اليمنيون رائحة الربيع، ولم يتذوقوا طعمه. من ثم فإنهم ظلوا طوال سنوات ثلاث يتعلقون بوهم ربيع لم يبلغوه بعد.
المصدر: الجزيرة نت[/align]
(1)
أتحدث عن زحف الحوثيين على صنعاء، واستيلائهم عليها دون أي مقاومة، وسط دهشة وحيرة الجميع، ذلك أنه طوال سنوات الصراع بين السلطة والحوثيين الممتد منذ نحو عشر سنوات فإن صنعاء ظلت تعد «خطا أحمر». إلا أن المفاجأة حدثت يوم 21 سبتمبر الحالي حين انقض المسلحون الحوثيون على العاصمة بعد حصارها، فسيطروا بصورة شبه كاملة على مفاصلها ومراكزها الحيوية، الأمر الذي أحدث دويا تعددت أصداؤه فى الفضاء العربي. فما جرى لم يكن انقلابا لأن الحوثيين استولوا على المدينة ولم يستولوا على السلطة، رغم أن الطريق كان مفتوحا أمامهم لأجل ذلك . إذ لم يكن القصر الجمهوري عصيا عليهم، ولكنهم لم يطرحوا أنفسهم كسلطة بديلة. وكما أن الثورة اليمنية أسقطت الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لكنها أبقت عليه فى صنعاء، حيث ظل يمارس أنشطته على الصعيدين القبلي والسياسي، فإن اجتياح الحوثيين أسقط السلطة في صنعاء، لكنه أبقى على الرئيس عبدربه هادي منصور، فأصبح القرار بأيديهم والرمز في مكتبه ومنصبه.
لأنه لم يكن انقلابا فقد اختلفت الروايات فى تقييمه. ولعب الإعلام اللبناني دورا مؤثرا فى هذا الصدد، ذلك أن استيلاء الحوثيين على صنعاء أعاد إلى الأذهان تجربة حزب الله فى بيروت ودور الحزب فى الحياة السياسية اللبنانية، ولأن الحوثيين موالون لإيران وللمذهب الجعفري فقد تحدث البعض عن تمدد النفوذ الإيراني، ووصوله إلى مضيق باب المندب عنق الزجاجة للبحر الأحمر، الذي يتحكم فى الطرق التجارية بين الشرق والغرب، ونبه آخرون إلى أن أصابع إيران لم تعد مقصورة على بغداد وسوريا وبيروت، ولكنها أصبحت حاضرة فى صنعاء، وفى ظهر المملكة العربية السعودية. ومنهم من قال إنه إذا كانت إيران تتقاسم النفوذ مع المملكة في بيروت، فإن المشهد أصبح مكررا فى صنعاء. وأيد تلك الشائعات أن نائب طهران في مجلس الشورى الإيراني علي رضا راذكاني نقل عنه قوله إن الثورة الإسلامية وجدت صداها فى صنعاء، إضافة إلى ثلاث عواصم عربية أخرى، هي بغداد ودمشق وبيروت. وكان واضحا ترحيب المنابر الإعلامية الشيعية بما حدث فى اليمن، حيث احتفت باحتلال صنعاء، واعتبرته من النجاحات التي حققتها الثورة الإسلامية المنحازة إلى المستضعفين والمهمشين.
وفي حين تحدث البعض عن ظهور إرهاصات نظام ولاية الفقيه في اليمن، ذهب آخرون إلى أن الحوثيين المؤيدين لفكرة الإمامة بصدد استعادة حكم أسرة حميد الدين، الذى أطاحت به الثورة فى ستينيات القرن الماضي. الأمر الذي يفتح الأبواب لانقلاب سياسي منتظر في الجزيرة العربية.
(2)
أغلب تلك التحليلات كانت مشرقية، وليست مبنية على قراءة دقيقة للواقع اليمني. أعني أن أصحابها انطلقوا فيها من خبراتهم الخاصة فى بلاد المشرق ومن رصد التفاعلات الحاصلة فى دول الربيع العربي، وليس اعتمادا على الاحاطة بخصوصية الواقع اليمني. إذ ليس صحيحا أن الصراع في اليمن مذهبي بالأساس، وليس كل الزيود موالون لإيران، وفكرة ولاية الفقيه لا مكان لها في اليمن، وطريق طهران إلى باب المندب محفوف بالألغام التي قد تستدرج إيران إلى ما لا تحبه ولا يخطر لها على بال .
من البداية كان الصراع سياسيا بين الحوثيين المتمركزين فى صعدة بالشمال وبين السلطة فى صنعاء. الحوثيون كانوا يعانون من التهميش وإهمال السلطة لهم، كما كانت لهم اعتراضاتهم على سياسة حكومة على عبدالله صالح الموالية للولايات المتحدة الأمريكية. ولكن النظام فى مواجهتهم لجأ إلى الورقة المذهبية واتهامهم بأنهم يسعون إلى إعادة حكم الإمامة، ودخل معهم فى ست مواجهات مسلحة خلفت تأثرات لدى الحوثيين. وخلال تلك المواجهات كان الخطاب السياسي اليمني يوجه أصابع الاتهام لطهران بدعم الحوثيين، وبالتدخل في الشأن الداخلي اليمني. ومن الأدلة التي تؤيد تراجع الدور المذهبي. وتقدم العامل السياسى أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ساعدهم فى البداية ثم خاض ضدهم حروبه الست أصبح الآن حليفا لهم. ودوره هو وأعوانه في تسليم صنعاء للحوثيين بلا مقاومة، والاستعانة بهم في تصفية حسابه مع خصومه الذين أسهموا في إسقاط نظامه.
إن الذين يتحدثون عن التفسير الطائفي والمذهبي للتحول الراهن في اليمن يستندون إلى حقيقة أن سكان اليمن يتوزعون على المذهب الشافعي في الجنوب والزيدي في الشمال. والزيود الذين يخرج منهم الحوثيون (نسبة لزيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ــ القرن الثاني الهجري) ليسوا من الشيعة الاثني عشرية أصلا وأن تأثر بعضهم بهم. والعبارة الشائعة عن الزيود فى أوساط أهل العلم أنهم معتزلة فى الأصول، وأصناف في الفروع. أما توجههم الأساسي فقد كان سياسيا يدعو إلى الخروج على الحكام الظلمة، وليس عقائديا يشتبك مع الفرق والمذاهب الأخرى، وقد تطور فكرهم خلال القرون التي خلت بحيث ظهرت منهم فرقة أقرب إلى أهل السنة، كما ظهرت مجموعة أخرى اقتربت من الشيعة الاثني عشرية، وهؤلاء الأخيرة علا صوتهم وانتعشت أنشطتهم أكثر بعد الثورة الإسلامية في إيران. ومن الواضح أن أطرافا معنية في إيران تفاعلت معهم وساندتهم بمختلف السبل.
إذا قلنا إن الحوثيين مجرد مجموعة نشطة من الزيود ولا يشكلون كل أتباع المذهب، فلا ينبغي أن نغفل حقيقة أخرى مهمة هي أن الزيود في جملتهم لا يشكلون أغلبية في اليمن الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليونا، ولكنهم يمثلون ثلث السكان فقط . فى حين أن الشوافع يمثلون الثلثين. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأن الحديث عن دخول اليمن فى ولاية الفقيه أو سقوط صنعاء بيد طهران، يبدو أمرا مبالغا فيه إلى حد كبير، فيه من الأوهام والتمنيات الشيء الكثير.
(3)
الحقيقة الأخرى التي ينبغى ألا تغيب عن الأذهان في تحليل ما جرى في صنعاء أن اليمن مجتمع قبلي بالدرجة الأولى، القبلية فيه أهم وأكثر منعة وتماسكا من الدولة. ثم إنه مجتمع مسلح، وإذا كانت «الجنبية» (الخنجر المعقوف) جزءا من المظهر الخارجي لليمنى، إلا أنها أصبحت الآن ضمن الديكور الخارجي للشخصية اليمنية، مع ذلك فانها ظلت رمزا يعلن عن حقيقة أن اليمني لابد أن يكون مسلحا. وسلاحه الحقيقي مخزن فى بيته. ولكل أسرة حصتها من السلاح والذخيرة. وإذا كانت تلك خصوصية البيئة الاجتماعية، فإن للجغرافيا أيضا خصوصيتها. ذلك أننا بإزاء تضاريس جبلية يتعذر السيطرة عليها، ولذلك ظلت اليمن طوال تاريخها عصية على أي قوة خارجية من العثمانيين إلى الإنجليز. وليس غائبا عن الأذهان أن تنظيم القاعدة له حضوره فى أبين وبعض المحافظات اليمنية الأخرى. وقد تعذر القضاء عليه طوال السنوات العشر الماضية رغم استهدافه خلال تلك الفترة من جانب أجهزة الاستخبارات الأمريكية وطائراتها التي لم تتوقف عن التحليق فى سماء اليمن.
أغلب الظن أن تلك الخرائط المعقدة المجتمعية والجغرافية، كانت وراء قرار الحوثيين السيطرة على مراكز ومفاصل السلطة فى صنعاء، مع الابقاء على رئاسة الجمهورية وهيكل السلطة كما هو. حيث اكتفوا فى حملتهم بأن أثبتوا حضورا في دائرة القرار السياسي تجاوزوا به حالة التهميش والإقصاء التي عانوا منها .
ثمة اعتبار إضافي لا يمكن تجاهله في أي حديث عن اليمن وتفاعلاته السياسية، يتمثل في موقف السعودية، التي هي أول طرف خارجي يتلقى الأصداء في صنعاء. ذلك إن التداخل بين حسابات البلدين على مختلف الأصعدة من القوة والعمق بحيث يتعذر تجاهله أي تطور تشهده البلاد. وقد كان واضحا فى التطورات الأخيرة أن المملكة تعاملت مع ما حدث في اليمن بهدوء شديد ــ فى العلن على الأقل. وتجلى ذلك فى ترحيبها ومباركتها لاتفاق «السلم والشاركة الوطنية» الذي تم توقيعه يوم 21/9 بين مختلف المكونات السياسية في اليمن بمن فيهم الحوثيون. كما أنها تعاملت بنفس الدرجة من الهدوء مع التطورات التي أعقبت توقيع الاتفاق، حيث اكتفت بالتصريحات التى أدانت تصرفات الحوثيين، وتغولهم في صنعاء بعد التوقيع. إلا أن ذلك ليس كل شيء بطبيعة الحال، لأن المملكة ما كان لها أن تتصرف على ذلك النحو إزاء تحول بتلك الجسامة والأهمية في اليمن ألا وهي على ثقة بأن الزمام لم يفلت بعد، وأن الأمر لا يزال تحت السيطرة من وجهة نظر الرياض على الأقل. وربما رأت أن تنتظر نتيجة الصراع بين الحوثيين وبين حزب الإصلاح الإخواني، وبين عناصر القاعدة وبين الحوثيين. وفي كل الأحوال فإنها واثقة من أن دخول إيران على الخط ــ إذا حدث ــ فإنه سوف يستنزفها ولن تخرج سالمة من اليمن.
(4)
إننا نتحدث كثيرا عن الانهيار الذي حدث للسلطة وأدى إلى احتلال صنعاء واستسلامها دون أي مقاومة. لكننا لم نخضع للتحليل حالة القابلية للانهيار لدى السلطة. ذلك أن صنعاء لم تسقط بسبب قوة الحوثيين وإنما بسبب الهشاشة والضعف في جانب السلطة، التي عشش فيها الفساد والوهن، حتى عجزت عن أن تنجز شيئا ذا قيمة حتى من توصيات وثيقة الحوار الوطني الشامل الذي اختتم أعماله في أواخر يناير الماضي . ذلك ان المؤتمر الذى شارك فيه ممثلو كل القوى اليمنية (أكثر من 500 شخص) ظل أعضاؤه يتحاورون حول كل حاضر اليمن ومستقبله طوال عشرة أشهر، وبعد انفضاضه لم تحرك الحكومة ساكنا. وكل ما فعلته أنها جمدت مخرجات الحوار، ورفعت أسعار المشتقات النفطية، فأشعلت نار الغضب لدى الرأي العام. وهو ما اعتبره الحوثيون فرصة جعلتهم يطالبون بإقالة الحكومة وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني، وإلغاء قرارات رفع الأسعار. وفي ظل هذه المطالب تحرك مقاتلوهم فاحتلوا عمران، وبعدها طرقوا أبواب صنعاء وحاصروها، حتى باغتوا الجميع بالاستيلاء عليها.
حين هبت رياح الربيع العربي في عام 2011 خرج اليمنيون إلى الشوارع، وتحدوا نظام الرئيس على عبدالله صالح. وبعدما أمضوا عاما تقريبا، وهم وقوف يطالبون بإسقاط النظام، ثم خرجت المبادرة الخليجية التي نحت الرجل عن منصبه ونصبت مكانه نائبه عبدربه منصور. في تبديل للمواقع أسقط الرجل ولم يسقط نظامه الذي لم يتغير فيه شيء. من ثم فإن أداءه ظل على سوئه الأمر الذى أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
لقد شمَّ اليمنيون رائحة الربيع، ولم يتذوقوا طعمه. من ثم فإنهم ظلوا طوال سنوات ثلاث يتعلقون بوهم ربيع لم يبلغوه بعد.
المصدر: الجزيرة نت[/align]