معركة الكرامة: قيم الكرامة، وكرامة الوطن

خطبة بعنوان: معركة الكرامة: قيم الكرامة، وكرامة الوطن.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
امتازت أمة محمد صلى الله عليه وسلم على مر تاريخها، بتقديم المجاهدين عبر الزمان، والشهداء في كل مكان، في معارك متعددة ومتنوعة ومستمرة مع أعداء الأمة. ومن بين تلك المعارك الحاسمة الحديثة في القرن العشرين، معركة الكرامة، تلك المعركة التي خاضها الجيشال عربي الأردني المؤمن في دفاعه المستميت عن أرض الأردن وشعبه وعرضه، في منطقة غور الأردن، في أرض الكرامة، في قتال نادر من نوعه ضد العدو الغازي اليهودي المغتر بقوته وعدته.
معركة الكرامة تلك المعركة التي أعاد الجيش الأردني بقيادته الرصينة الشجاعة فيها للأمة كلها ولجيوشها قيمة الإخلاص في القتال، وقيمة الشجاعة والقوة، وقيمة الدفاع عن أوطان المسلمين، وقيمة الشهادة في سبيل الله، وقيمة الحفاظ على الأعراض، وقيمة الاستبسال، وقيمة حماية الوطن والدفاع عنه والذب عن حماه، وعدم التفريط به، وقيمة الوقوف مع قيادته والاصطفاف معها وعدم خيانتها وخيانة البلاد، فالوطن هو أرض الإسلام وأرض المسلمين، ومن يعيش عليه هم مؤمنون، حقهم الحماية والأمان.
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
وقعت معركة الكرامة في يوم 21 من شهر آذار(3) عام 1968م. في هذا اليوم الأردني التاريخي، حاولت قوات العدو الإسرائيلي السيطرة على نهر الأردن ومناطق حيوية شرق هذا النهر. فدفعت بقواتها الغاشمة من عدة محاور وبغطاء جوي مكثف، وقابله الجيش الأردني بتعبئة سريعة ورد قوي وعملية تصدٍّ مفاجئة واستبسالية، كان يطلب فيها جنود الجيش الأردني الموت والاستشهاد على أرض الوطن دفاعا عنها وردا للعدو الصائل عليها، كما يطلب الجندي الإسرائيلي الحياة. فكانت التضحية هي الروح الوثابة التي دفعتهم لمقاتلة العدو باستبسال وشجاعة وإقدام منقطع النظير. حدث اشتباكٌ لمدّة تقارب الخمسين دقيقة بين الجيش الأردني والجيش الإسرائلي. وبعد هذا الاشتباك اندلعت معركة استمرّت لأكثر من ستة عشرة ساعة متواصلة، انتهت بهزيمة وانسحاب القوّات الإسرائيليّة بشكلٍ كامل تاركةً خلفها آلياتها وقتلاها دون تحقيق أيّة أهداف، وانتصار الجيش الأردني.
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
حدثت هذه المعركة في مساحة تمتد من أقصى شمال الأردن حتى جنوب البحر الميت، وكانت أقوى الجبهات في منطقة الغور، وتحديدا قرية الكرامة. فسُمّيت هذه المعركة باسم الكرامة؛ لأن أهم الاشتباكات حصلت في قرية الكرامة التي تقع على الضفة الشرقية من نهر الأردن. وقرية الكرامة هي أرضٌ زراعيّة منخفضة، تشتهر بخضرتها الدائمة وبساتينها الكبيرة، تقع القرية في الجزء الشرقيّ من غور الأردنّ، وكان يطلق عليها قديماً اسم (منطقة الآبار) لكثرة ما تحويه من آبارٍ ارتوازيّة، وكان يُطلق عليها أيضاً اسم (غور الكبد) لاحتوائها على حقولٍ زراعيّةٍ ممتدّة وواسعة، حيث تُعتبر سلّة الغذاء في المملكة، يمتهن أكثر من خمسةٍ وتسعين بالمئة من سكّانها الزراعة. وقرية الكرامة من القُرى التي تتميّز بتاريخ عريق؛ حيث مرّت عليها الكثير من الحضارات والممالك، كما أنّها تضمّ مقامات العديد من الصحابة الذين استشهدوا على هذه الأرض الطيبة المباركة، وروتها دماؤهم الزاكية، فأنبتت النبت الطيب من الرجال الأبطال الذين استنشقوا عبير الصحابة فاندفعوا بكل حماس وشهامة يدافعون عن وطنهم.
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
هذه المعركة التي انتهت بانتصار الجيش الأردني، وقعت فيها خسائر من الطرفين، لكن خسائر العدو كانت أضعاف أضعاف خسائر الجيش الأردني البطل. فكانت خسائر القوّات الإسرائيليّة المعتدية الغاشمة: مقتل 250 جنديّاً إسرائيليّاً، وإصابة 450 شخصاً بجراح في أقلّ من 18 ساعة، وتدمير 88 مركبة، وهي عبارة عن 27 دبّابة، و18 ناقلة، و24 سيّارة مسلّحة، و19 سيارة شحن، وسقوط طائرة، وقد عرضَ الأردنّ جميع هذه الخسائر في الساحة الهاشميّة أمام جميع الناس. أما خسائر القوّات المسلحة الأردنيّة، فكانت استشهاد 86 جنديّاً، وإصابة 108 جريحاً، وتدمير 13 دبّابة، وتدمير 39 مركبة مختلفة.
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
معركة الكرامة أجبرت العدو المتصلف المغرور على الاعتراف بانكسار إرادته وجبروته المعلن. فقد أقر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينها حاييم بارليف بالهزيمة وقال: "إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران 1967". أما الكولونيل اهارون بيلد وهو قائد دروع فقد وصف المعركة بقوله: "لقد شاهدت قصفاً شديداً عدة مرات في حياتي لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين فقط". كما أشاد كبار القادة على المستوى العالمي ببسالة القوات المسلحة الاردنية، فها هو أحد كبار القادة العسكريين العالميين وهو المارشال جريشكو رئيس أركان القوات المسلحة السوفييتية في تلك الفترة، قال: "لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية". ويقول تسيدف في مقالته: "إنه بعد مرور أربعين عاما على الهزيمة النكراء التي عصفت بالجيش الاسرائيلي في آذار 1968 في معركة الكرامة، انتهت عملية جهنم- وهو الاسم الذي أطلقه جيش العدو حينها على معركة الكرامة". وقال جون بورينته، وهو المراسل الخاص لوكالة يونايتد برس: "لقد كان يوم الكرامة يوم رد شديد، جسّد الجندي الأردني خلاله قوة بأس وصلابة الجيش العربي الأردني، وأبرزت معركة الكرامة دروساً في التلاحم الوطني، وقيادة أردنية من طراز فريد، مثلما أبرزت تعاوناً فريداً بين الشعب والجيش".
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
إنها معركة قيم الكرامة: فمعركة الكرامة زرعت فينا وفي الأمة قيمة الأمل، وقيمة الاستبسال في الدفاع عن الوطن، وقيمة الثقة، وقيمة التماسك، وقيمة الاستشهاد، وقيمة التضحية، وقيمة المصابرة للعدو، وقيمة الانتماء، وقيمة الاصطفاف وراء القيادة الشجاعة الحكيمة المستبسلة.
نعم، لقد كانت معركة الكرامة يوماً فارقاً في تاريخ العرب والمسلمين الحديث، ففيها أعاد الأردن لأمته العربية كرامتها، وأبرز معاني البطولة والفداء والتضحية، ففي يوم الكرامة سطّر الجيش العربي الأردني ملحمة تاريخية أعاد بها الأمل للعرب بعد نكستهم، فقد كانت معنويات الجيش آنذاك عالية تتوسطها صرخات من التكبير مُعلنين الاستعداد الكامل لمواجهة العدو الغاشم، فهي معركة النصر أو الشهادة، فحرصوا على الموت في سبيل الله والدفاع وطنهم العربي الإسلامي، فأثابهم الاثنتين، فقد كانت مواجهة بين الروح والقوة العسكرية، فنصر الله الإرادة على كل الأسلحة. ففيه دمّر الجيش الأردني أسطورة جيش الاحتلال الذي لا يّقهر، وكسر إرادته وتجبّره. فكانت معركة استبسالية من الجيش الأردني اضطرّت فيها القوّات الإسرائيليّة إلى الانسحاب بشكلٍ كاملٍ من ساحة المعركة، وكانت المرّة الأولى التي ينسحب فيها الجيش الإسرائيليّ من معركةٍ دون أن يتمكّن من جمع خسائره وقتلاه، وبهذا تمكّن الجيش الأردنيّ من قهر الجيش الذي لا يُقهر وهزيمته وطرده من أرض المعركة دون أن تحقّق تلك القوّات المنهزمة أيّ هدف من أهداف هذا العدوان.
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
ورسالتنا إلى أولئك الجنود والضباط والقادة والأفراد الأبطال الذين استشهدوا في معركة الكرامة، فنقول لهم: أيّ كرامة تلك التي أوتيتموها، وأنتم تذكرون ويدعا لكم وتشكلون قدوة للأجيال، لأ كثر من خمسين سنة مرت على غيابكم، بديتم فيها حاضرون بيننا، شامخون فينا. وهنا هنا نستذكر قول الله تعالى في حق أولئك الذين يقاتلون في سبيله ويستشهدون في أرض المعركة، نستذكر قول الله تعالى: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))(آل عمران،169-170). قال ابن عاشور: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً وَهُوَ إِبْطَالٌ لِمَا تَلَهَّفَ مِنْهُ الْمُنَافِقُونَ عَلَى إِضَاعَةِ قَتْلَاهُمْ. وَالْحُسْبَانُ: الظَّنُّ فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ وَبِالْأَحْرَى يَكُونُ نهيا عَن الْجَزْم بِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ. وَقَوْلُهُ: بَلْ أَحْياءٌ التَّقْدِيرُ: بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْقُرْآنُ لِلْمُجَاهِدِينَ مَوْتًا ظَاهِرًا بِقَوْلِهِ: قُتِلُوا، وَنَفَى عَنْهُمُ الْمَوْتَ الْحَقِيقِيَّ بِقَوْلِهِ: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَمْوَاتَ الْأَجْسَامِ فَهُمْ أَحْيَاءُ الْأَرْوَاحِ، حَيَاةً زَائِدَةً عَلَى حَقِيقَةِ بَقَاءِ الْأَرْوَاحِ، غَيْرَ مُضْمَحِلَّةٍ، بَلْ هِيَ حَيَاةٌ بِمَعْنَى تَحَقُّقِ آثَارِ الْحَيَاة لِأَرْوَاحِهِمْ مِنْ حُصُولِ اللَّذَّاتِ وَالْمُدْرَكَاتِ السَّارَّةِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَمَسَرَّتِهِمْ بِإِخْوَانِهِمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: عِنْدَ رَبِّهِمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ حياتهم حَيَاة خَاصَّةٌ بِهِمْ، لَيْسَتْ هِيَ الْحَيَاةُ الْمُتَعَارَفَةُ فِي هَذَا الْعَالَمِ، أَعْنِي حَيَاةَ الْأَجْسَامِ وَجَرَيَانِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ، وَنَبَضَاتِ الْقَلْبِ، وَلَا هِيَ حَيَاةُ الْأَرْوَاحِ الثَّابِتَةُ لِأَرْوَاحِ جَمِيعِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الرِّزْقُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُلَائِمًا لِحَيَاةِ الْأَرْوَاحِ وَهُوَ رِزْقُ النَّعِيمِ فِي الْجَنَّةِ. وَحِينَئِذٍ فَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلِاهْتِمَامِ بِكَيْنُونَةِ هَذَا الرِّزْقِ. وَقَوْلُهُ: فَرِحِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُرْزَقُونَ. وَالِاسْتِبْشَارُ: حُصُولُ الْبِشَارَةِ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ بَيْنَ الْمَسَرَّةِ بِأَنْفُسِهِمْ وَالْمَسَرَّةِ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ إِخْوَانِهِمْ، لِأَنَّ فِي بَقَائِهِمْ نِكَايَةً لِأَعْدَائِهِمْ".
نعم، هنا نستذكر في حقكم قول النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ).
أقول قولي هذا واستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:
معركة الكرامة، وما أدراك ما معركة الكرامة؟
لقد علمتنا معركة الكرامة، أن الصمود والثبات والصبر عنوان للانتصار في المعركة، خاصة في ظل وحدة وطنية جامعة تقودها قيادة أمينة واثقة تعرف ما تريد، وتصمد في التحديات.
لقد علمتنا معركة الكرامة، أن قلة الامكانيات ليس دائما محددا وحيدا في الانتصار. فالإنسان ذو العزيمة والإرادة لابد وأن ينتصر ويهزم كل المصاعب والتحديات.
اللهم تقبّل واقبل وانفع وبارك، واحفظ بلدنا وبلاد المسلمين آمنة مطمئنة.







المرفقات

الكرامة-قيم-ووطن

الكرامة-قيم-ووطن

المشاهدات 747 | التعليقات 0