معركة الأرواح والأجساد قبل رمضان

سامي بن محمد العمر
1443/08/28 - 2022/03/31 14:15PM

معركة الأجساد والأرواح قبل رمضان   أما بعد:   عمّا قريب... تبدأ معركة الأجساد والأرواح.   عما قريب يبدأ التنافس المحموم ... والتسابق المذموم   ولكلٍ جمهورُه ودعاياتُه، ومروجُوه ورجالُ أعماله،   أما المتسابق الأول: فهو الجسدُ... وجمهورُه أعظمُ عددًا، وأوفرُ مالاً، وأكثرُ حرصاً.. ومن أجله امتلأتِ الطرقُ بالدعايات، وصُرفت لترويجها الأموالُ في الصحفِ والإذاعاتِ والقنوات.   تخفيضاتٌ هنا وهناك... وازدحامٌ على أصنافِ الطعام، من مأكولٍ ومشروب، وأساسيٍّ وتكميلي، وتجديدٌ لآلاتِ الطهي، وسفرِ الأكل.. وكلُّ ذلك من أجله ... حتى يفوزَ بالسباقِ طريًّا شبعانًا متلذذًا مُتفكِّهًا مُتنعمًا ... لم يفتْهُ تذوُّقُ أكلةٍ ولا تَطعُّمُ طبخةٍ ولا تجرُّعُ لُقمة.   إنه كما ترون المتسابقُ الأوفرُ وقتاً من ساعاتِ اليومِ وبرامجِه وأعمالِه... فهل سينتصرُ يا ترُى؟؟   وأما المتسابق الثاني: فالروحُ؛ التي تعيشُ منطويةً داخلَ المتسابقِ الأولِ؛ تجوعُ فلا يُلتفتُ إليها، وتمرضُ فلا يُهتمُّ بها.   وتحاولُ أن تُطِلَّ برأسِها كلما قَدُمتِ الأيامُ الفاضلةُ والأزمنةُ الشريفةُ؛ لعلها تحظى فيها بشيءٍ من لذةِ الإيمان، ورشفةٍ من ماءِ الوحي.   جمهورُها قليلٌ، ليسَ لها في جانبِ الدعاياتِ نصيبٌ، ولا تجدُ في مجالِ الترويجِ مُجيب.   يرى الأكثرونَ أن في إطعامِها مشقةً وتعبًا، وفي إشباعِها جُهدًا ونصبًا... فليسَ لها الوفيرُ من أوقاتِهم ولا اليسيرُ من برامجِهم وأعمالِهم.   فلا يدفعونَ في إسعادِها شيئًا من أموالِهم، ولا يبذُلون في فوزها نصيبًا من أوقاتِهم... فمتى يا ترُى تسبِقُ الروحُ الجسدَ وتحظى بالجائزة؟   وليس بخافٍ عليكم؛ أنها إنْ فازتْ أخذتْ معها منافِسَها ليتنعمَ معها بالجائزةِ، ويسعدَ السعادةَ التي لا يَشقى بعدَها أبداً. وأما إنْ فاز هو في هذه الدار؛ فله ولها الشقاءُ في دارِ البقاءِ مالم تُدْركْهُ رحمةُ أرحمِ الرُّحماء.   {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه: 123، 124]   عباد الله:   في كل يومٍ تسمعون مواعظَ وأحاديث، فهل كان لها أثرٌ في حياتكم؟   هل كان لها نتيجةٌ عمليةٌ ظهرت في أعمالِكم أو في بيوتِكم أو في أسواقِكم؟   هل بدّلت شيئاً من أسلوب معيشتِكم أو طريقةِ تفكيرِكُم؟   هل زادتكم قُربًا من الله، وبُعدًا عن موجبات غضبه؟   حين كانت الموعظةُ اليسيرةُ من نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم  تُؤثرُ في النفوسِ وتُغيرُ مجرى التاريخ..   أصبحتِ الموعظةُ اليومَ لا تلعبُ ذلك الدورَ مع بقاءِ أحاديثِ النبي صلى الله  عليه وسلم فيها؟   إنها الأرواحُ الجائعةُ التي لم تلاقِ منّا اهتمامًا وعناية، وكلما بدأتْ تشربُ من معينِ الذكرِ والموعظةِ عُدنا بها إلى صحاري الغفلةِ والذنوبِ، وفضَّلنا عليها المظاهرَ الخارجيةَ والأجسادَ الباليةَ فكان هذا حالنا...   أيها المؤمنون:   خمسَ عشرة، سبعَ عشرة، ثلاثٌ وثلاثون، أربعون، تسعٌ وخمسون، ستون، تسعون.   ليست هذه أسعارُ سلعٍ، ولا عباراتُ بائعٍ في حراجٍ.   هذه أرقامٌ عرفها أهلُ الأرواحِ النديةِ، والأنفسِ الزكيةِ.   هذا واللهِ التنافسُ وإلا فلا.   أولئكَ الذين عرفوا كيف تكونُ نجاتُهم، وأين مَكْمنُ سعادتِهم.   أولئك الذين أشبعوا الروحَ لتنتصرَ على الجسدِ فتسعدَ هي وإياه.   أولئك الذين تركوا الناسَ في غفلاتِهم، وأشغلوا أنفسَهم بالمسيرِ إلى ربهم وقطعِ طريقِهم وفلاتِهم.   تلك الأرقامُ؛ هي أعلى ما دوَّنَ التاريخُ وأظهرَ، وأبانَ وأعلنَ من أعدادِ ختماتِ القرآنِ التي كان يقرؤها الشخصُ الواحدُ في رمضانَ - ولربما كان في الخفاءِ ما هو أعظمُ -.   لقد سطرَ التاريخُ؛ أن الأسودَ بنَ يزيدَ كان يختِمُ في رمضان خمسَ عشرةَ مرةً، والخليفةَ الوليدَ بنَ عبد الملك سبعَ عشرةَ، والمأمونَ ثلاثًا وثلاثينً، ووكيعَ بنَ الجراحِ والإمامَ البخاريَّ أربعينَ، وأبا بكرِ بنَ الحدادِ تسعًا وخمسين، والإمامَ الشافعيَّ ستينَ، وزهيرَ بنَ قُمير وأبا العباس بنَ عطاءٍ تسعينَ مرةً.   هؤلاء الذينَ لم يُذهِبُوا أوقاتَهم في لذَّاتِ الأجسادِ، وشهواتِ الأبدان، وإنما وجدوا في رمضانَ هبةً إلهية تُقرِّبهم من الله، وتملأ سجلاتِ أعمالهم؛ فعرفوا له حقَّه، وبادَرُوه بالطاعةِ والقُربة.     بارك الله لي ولكم ...       الخطبة الثانية   أما بعد:   فإنّ الهممَ لتخمُد، وإنَّ الرياحَ لتسكُن، وإنّ النفوسَ ليعتريها المَلَل، وينتابُها الفُتور،   وإنّ سيَر العظماءِ لمِنْ أعظمِ ما يبعثُ الهممَ، ويرتقي بالعقولِ، ويوحي بالاقتداءِ.   وكم مِنَ الناسِ مَنْ أقبلَ على الجِدِّ، وتَدَاعى إلى العملِ، وانبعثَ إلى معالي الأمورِ، وترقَّى في مدارجِ الكمالاتِ بسببِ حكايةٍ قَرَأَها، أو حادثةٍ رُويَتْ له.   وإنَّ التنافُسَ في التقربِ إلى الله تعالى لمْ يُختمْ بانتهاءِ القرونِ الثلاثةِ التي لها فضْلُها ومكانتُها؛ فالسوقُ قائمةٌ والجنةُ قد أزلفت للمتقين؛ لكنّ هل من مُشمرٍ لها؟!!   {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]        

المرفقات

1648736109_معركة الأجساد والأرواح قبل رمضان.docx

1648736110_معركة الأجساد والأرواح قبل رمضان.pdf

المشاهدات 849 | التعليقات 0