معرفة الله

طلال شنيف الصبحي
1437/06/01 - 2016/03/10 19:50PM
هذه الخطبة مقتبسة من خطبة الشيخ عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي
معرفة الله سبحانه وتعالى 1/6/1437ه
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.أما بعد:فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أيها المسلمون:أشرفُ العلوم وأزكاها العلمُ بالله، والحاجةُ إلى معرفته - سبحانه - وتعظيمه فوق كل الحاجات؛ بل هي أصلُ الضرورات، والله فطرَ عبادَه على محبَّته ومعرفته، والقلبُ إنما خُلق لذلك(فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) والرُّسُل بُعِثوا لتقرير هذه الفِطرة وتكميلِها،والله - سبحانه - كاملٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، ومن صفاته - جلَّ شأنُه - الربوبيَّةُ لا شريكَ له فيها، كما لا شريكَ له في إلوهيته، قال تعالى)قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ(
وهو - سبحانه - المُتفرِّدُ بالخلق والمُلك والرِّزق والتدبير، خالقٌ ولا خالقَ معه، بديعُ السماوات والأرض، خلقَ فسوَّى وأحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه وهو الخلاَّقُ العليم، وكما بدأَ الخلقَ سيُعيدُه يوم القيامة وهو أهونُ عليه. وهو - سبحانه - الملِكُ والمُلكُ له، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) له المُلكُ التامُّ الدائِمُ، مالِكُ الدنيا ويوم الدين، وفي الآخرة يتجلَّى ويقول(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيُجيبُ نفسَه بقوله(لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)انفردَ - سبحانه - بتدبير شُؤون خلقِه ومُلكِه، فالأمرُ كلُّه بيدِه وحدَه،)أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ( يأمرُ وينهَى، ويخلُقُ ويرزُقُ، ويُعطِي ويمنَعُ، ويخفِضُ ويرفَعُ، ويُعزُّ ويُذلُّ،ويُحيِي ويُميت(يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)جميعُ الخلق تحت قهره ومشيئته، وقلوبُ العباد ونواصِيهم بيدِه، وأزِمَّةُ الأمور معقُودةٌ بقضائِه وقدَره، قائِمٌ على كل نفسٍ بما كسبَت، والسماءُ والأرضُ قائمةٌ بأمره، ويُمسِكُ السماءَ أن تقعَ على الأرض إلا بإذنِه، ويُمسِكُ السماوات والأرضَ أن تزُولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده. أوامرُه مُتعاقبة، ومشيئتُه نافِذة، لا تتحرَّك ذرَّة في الكون إلا بإذنه، فما شاءَ كانَ، وما لم يشَأ لم يكُن، يخلقُ ما يشاءُ، ويفعلُ ما يُريد، وكان أمرُه قدرًا مقدُورًا.لا مانِع لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لما منَع، ولا مُعقِّبَ لحُكمه، ولا رادَّ لقضائِه، ولا دافعَ لمُراده، ولا مُبدِّل لكلماته.قدَّر مقاديرَ الخلق قبل خلقِ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ولو اجتمعَ الخلقُ على شيءٍ لم يكتُبه الله ليجعَلوه كائنًا لم يقدِروا عليه، ولو اجتمَعوا على ما هو كائنٌ ليمنَعوه لم يقدِروا عليه، ولو اجتمعَت الأمةُ على ضُرِّ عبدٍ واللهُ لم يُرِد ضُرَّه لم يضُرُّوه، ولو اجتمعَت على نفعِه واللهُ لم يأذَن بنفعِه لن ينفَعوه، يهدِي من يشاءُ فضلاً، ويُضلُّ من يشاءُ عدلاً، إذا أرادَ شيئًا فإنما يقولُ له: كُن، فيكون(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ( كلامُه أحسنُ الكلام، لا بدايةَ لكلماته ولا نهايةَ لها)وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ(
وعلمُه تعالى وسِعَ كلَّ شيءٍ، فيعلمُ ما كان وما لم يكُن وما لا يكُون، ويعلمُ ما فعلَه الخلقُ وما سيفعَلونه، ويعلمُ ما في البرِّ والبحر وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُها، ولا يعزُبُ عنه - أي: لا يغيبُ عنه - مِثقالُ ذرَّة في الأرض ولا في السماء، يعلمُ ما هو غائبٌ عنَّا وما هو شاهِد، ويعلمُ ما تُوسوِسُ به النفوسُ، وما تنطوِي عليه خبايا الصُّدور، ويعلمُ ما تحمِلُه الأُنثَى في البُطون، ومفاتِحُ الغيب لا يعلمُها إلا هو،وعلومُ الخلق كلِّهم كقطرةٍ من بحرِ علمِه،نقرَ عصفورٌ في البحر، فقال الخضِرُ لموسى-عليهما السلام"ما نقصَ علمي وعلمُك من علمِ الله إلا مثلَما نقصَ هذا العصفورُ من البحر"رواه مسلم. سمعُه وسِع الأصوات، فلا تختلفُ عليه ولا تشتبِه. اشتكَت امرأةٌ زوجَها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشةُ - رضي الله عنها - في ناحية البيت، ويخفَى عليها بعضُ كلامها، والله من فوقِ سبع سماواتٍ سمِعَ كلامَها وأنزلَ(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) وبصرُه أحاطَ بجميع المرئيَّات،فأفعالُ العباد في ظُلمة الليل لا تخفَى عليه, يرى النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء(إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) وأحكامُه وحدودُه وتشريعاتُه خيرُ الأحكام، ولا أحسنَ منه حُكمًا وهو خيرُ الحاكِمين، يحكمُ ولا مُعقِّبَ لحُكمه، ولا يظلِمُ ربُّك أحدًا. حيٌّ قيُّومٌ لا تأخذُه سِنةٌ ولا نوم، يخفِضُ القسطَ ويرفعُه، يُرفعُ إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل.حجابُه نورٌ لو كشفَه لأحرقَت سُبُحات وجهه ما انتهَى إليه بصرُه، كبيرٌ عظيمٌ جبَّار متينٌ، العزَّةُ إزارُه، والكبرياءُ رِداؤُه، قويٌّ لا ظهيرَ له، وعليٌّ لا مثيلَ له، كلُّ شيءٍ هالِكٌ إلا وجهَه، مُحيطٌ بكل شيءٍ ولا يُحيطُ به شيءٌ)لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وهو اللطيف الخبير( بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
عباد الله:لقد تكفَّل –سبحانه وتعالى- برِزقِ كلِّ مخلُوقٍ من الإنسِ والجنِّ، والطير والدواب وأوصلَ لكل مخلوقٍ رزقَه وهو خيرُ الرازقين ، فرزقَ الجنينَ في بطن أمِّه، والنملَ في جُحره، والطيرَ في جوِّ السماء، والحيتانَ في لُجَج الماء)وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ((وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) الله جل في علاه غنيٌّ بذاتِه، صمدٌ تصمدُ إليه الخلائِقُ في حاجاتها ما اتَّخذَ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يكُن له شريكٌ في المُلك ولم يكُن له وليٌّ من الذُّلِّ، وما كان معه من إلهٍ.لن يُطاعَ إلا بفضلِه، ولا يُعصَى إلا بعلمِه، غنيٌّ عن خلقِه، قائمٌ بنفسِه، وكلُّ شيءٍ قائمٌ به مُفتقِرٌ إليه) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (هو الأولُ فليس قبلَه شيء، والآخرُ فليس بعده شيء، والظاهرُ فليس فوقَه شيء، والباطنُ فليس دونَه شيء، قادرٌ على كل شيءٍ وله القوةُ جميعًا، لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، أمرُه كلمح البصر بل هو أقربُ، وله جنودٌ لا يعلمُها إلا هو. وكرسيُّه موضِعُ قدمَيه، وسِع السماوات والأرض، وما الكرسيُّ في العرشِ إلا كحلقةٍ من حديدٍ أُلقِيَت في فلاة، والعرشُ أعظمُ المخلُوقات يحملُه ملائكةٌ ما بين شحمةِ أُذُنِ أحدهم إلى عاتقِه مسيرةُ سبعمائة عام.والله مُستوٍ على عرشِه كما يليقُ بجلاله، والله مُستغنٍ عن العرش وما دُونَه.تكادُ السماوات يتفطَّرن من فوقهنَّ، أي: يتشقَّقن خوفًا من عظمة الله، وإذا تكلَّم بالوحي أخذَت السماوات منه رَجفةٌ ورِعدةٌ شديدةٌ وصعِقَ أهلُ السماوات وخرُّوا لله سُجَّدًا. سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ تنزَّه عن كل عيبٍ ونقصٍ، له من الكمالِ أعلاه، ومن التمام والجمال أسناه، لا نِدَّ له ولا مثيلَ ولا سمِيَّ له ولا نظيرَ)لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
المرفقات

معرفة الله 1.docx

معرفة الله 1.docx

المشاهدات 1637 | التعليقات 0