معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم
طلال شنيف الصبحي
1437/06/09 - 2016/03/18 00:17AM
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم 9 / 6 / 1437 هـ الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناء عليك، جعلتنا مسلمين، وأكملت لنا بفضلك معالم الدين، وشرفتنا فجعلتنا من أمة سيد المرسلين. وأشهد أن لا إله إلا الله؛ إله الأولين والآخرين. وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، اصطفاه ربه لحمل رسالته، وتأدية أمانته، فبلغَّ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى "يا أيها الذين ءامنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " عباد الله:لقد تحدثنا في الخطبة الماضية عن معرفة الله عز وجل,فناسب في هذه الخطبة أن نتحدث عن رسول الله الذي هدانا الله عز وجل به وأخرجنا به من الظلمات إلى النور،وآتانا ببركة رسالته وبعثته؛خيري الدنيا والآخرة،وكان من ربه بالمنزلة العلية،أوجب على العباد تعزيره وتوقيره.والحديث عن النبي حديث عن العظماء. والحديث عن العظماء تقف دونه العبارات،وتحتار فيه الخاطرات،فتكفي العظيمَ عظمته،وينبئ عن كمالاته هديه وسيرته.نتحدث من غير إحاطة ولا قريب منها عن من عصمه الله من الناس،ودافع عنه ربه؛فلن يصل إليه منهم بأس. نعم أوذي في الله، شجَّ وجهه،وكسرت رباعيته، وتسلط عليه سفهاء من قومه،رُمي بالحجارة حتَّى أدمي عقبه، وأراد أعداؤه، حبسه أو قتله أو طرده:(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) تطاول عليه أحفاد القردة والخنازير؛ فخططت يهود لقتله، ودسَّت له يهودية سُمَّا في لحم شاة؛ كلامنا عن نبي حنَّ إليه جذع نخلة، وعرفه الشجر، وأشرقت الأرض بطلعته، وسلَّم عليه الحجر. نبي كريم أدَّبه ربه فأحسن تأديبه، صنعه على عينه، بعد أن اختاره على علم، يقول عليه الصلاة والسلام "إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". فهو خيار من خيار، شرح الله صدره حساً ومعنى، فهو المثال الصادق لمن عرف حقيقة الإيمان، حيث كان خلقه القرآن. خيَّره ربه بين أن يكون عبداً رسولاً أو ملِكاً رسولاً. فاختار العبودية مع الرسالة، اختار الآخرة على الدنيا، والباقية على العاجلة, فكيف كانت حياته؟! كانت حياته كلها في عبادة وتعليم، وجهاد وتنظيم، أمضى أربعين سنة قبل البعثة لا يعرفه قومه إلا بالصادق الأمين، ثم أتاه الروح من أمر ربه:(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) فنبئ بـ (إقرأ)، وأرسل بالمدثر:(وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ثم عمَّ قومه أجمعين، وبقي في مكة داعياً إلى ربه ثلاث عشرة سنة، يدعوهم إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد, يدعوهم إلى عبادة الحميد المجيد, الفعال لما يريد, يدعوهم إلى نبذ الشرك وعبادة الأصنام والأحجار والأوثان, وهو في محاجة مع قومه ينذر ويبشر[يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا][يا عماه قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله].فلاقى هو وأصحابه من أذى المشركين الشيء الكثير،استهزئ به, ورمي بالتهم، حاصرهم المشركون في شعب أبي طالب،حتى أجهدهم الجوع. توفي عمه أبو طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها،وهما عضداه في الدعوة بعد الله، فصبر واحتسب.حتى كاده قومه فأذن له ربه بالهجرة ومفارقة أهله وبلده، فخرج مهاجراً خائفاً يترقب إلى المدينة، خرج حيث أمره الله إلى قوم بايعوه على النصرة، والحماية مما يحمون منه أولادهم ونساءهم، فأظهره الله، وكتب له تمكيناً في المدينة، وهو مع هذا لم يفارقه البلاء والتمحيص له ولإتباعه، فهو بين أذية المنافقين، ومن ورائهم من اليهود الحاسدين، وبين مناوشات المشركين، وتحزبهم حرباً لرب العالمين.كل هذه وغيرها، لم تفت في عزمه، بل كانت حياته كلها جدُّ ونشاط، لم يعرف العجز إليه سبيلاً، ولا الكسل لنفسه مدخلا. أما أخلاقه وجميل صفاته، فقد زكاه ربه بقوله:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فلقد كان أحلم الناس، وأشجعهم، وأعدلهم، وأعفهم. وكان غاية في التواضع، وحسن العشرة، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله. وكان أشدَّ الناس حياء؛ لا يثبت بصره في وجه أحد، يقبل الهدية ويثيب عليها، يجيب دعوة العبد والحر، يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه، يقبل عذر المعتذر ويمازح أصحابه، ولا يقول إلا حقاً. عباد الله: إنَّ من هذه بعض أوصافه حقُّ على النفوس أن تحبه فطرة وعقلا، قبل أن تحبه شرعة ونهجا. وأن تقدمه على كل أحد فليس قبل محبته إلا محبة الله الذي منَّ علينا ببعثته: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) وكيف لا تحبه وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وكيف لا تحبه وهو رحمة للعالمين:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ثم لما بلغ أجله المكتوب شدّد عليه، فعانى من سكرات الموت ما لم يعان غيرُه، ومع هذا في هذه اللحظات الحرجة كان يوص أمته بالتوحيد، ويحذرهم من أن يتخذوا قبره مسجداً أو عيداً أو وثناً يعبد من دون الله، يحذر من طريقة اليهود والنصارى، وأوصاهم آخر ما أوصاهم بالصلاة وما ملكت أيمانهم، فكان يقول وهو في سكرات الموت: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم". ثم وافى ربه رافعاً بأصبعه شاخصاً ببصره، راضياً مرضياً عند ربه، فصلوات الله وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(والضحى* والليل إذا سجى* ما ودعك ربك وما قلى* وللآخرة خير لك من الأولى* ولسوف يعطيك ربك فترضى) بارك الله لي ولكم الخطبة الثانية: عباد الله: إن الحديث عن عظمة النبي مناسب في كل وقت، فالحديث عنه عبادة، ومدارسة سيرته ذكر، والتأمل في منهجه يزيد الإيمان، ويحقق ما أمر به الرحمن: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وكيف لا يكون أسوة وقدوة وهو الذي اختاره ربه فلم يختره قومه، أُعجب به أعداؤه فضلا عن أصحابه وأتباعه، فهي عظمة حقيقية إذا قال فعل، وإذا فعل عدل، وإذا وعد صدق. ليس لديه لحن في قول، ولا لي بلسان، ولا شراء لذمم، فيشابه الذين قال الله فيهم:(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ) أمن جانبه العدو المحارب، ووثق بصدقه الغادر الخائن, فلا يقابل الخيانة بخيانة أخرى: "ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين". فحياته واضحة، ورسالته كاملة. حق الضعيف عنده محفوظ، بل حرج على من تساهل به، قال النبي :"إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة". حتى كان في آخر حياته خطب خطبة عظيمة، قرر بها حقوق الدول والأفراد، خطبهم في اليوم المشهود، يوم عرفة، وكان من عظيم قوله:"لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". اللهم إنا نسألك المحبة الصادقة لرسولك . اللهم حبب إلينا سنته، وإتباعه ظاهراً وباطناً...اللهم اجعلنا ممن يتمسك بهديه وسنته, ويتبع منهجه ولا يبتدع. اللهم أكرمنا بشفاعته وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا. اللهم صل على محمد.. اللهم أعز الإسلام
المرفقات
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.docx
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.docx