معالم رئيسة في واقع العمل الإسلامي || أ. عدنان علي رضا النحوي

الفريق العلمي
1437/06/26 - 2016/04/04 07:37AM
[align=justify]إنَّ دراسة واقع العمل الإسلاميّ أمر هام في حياة الحركات الإسلامية، وفي حياة الأمّة المسلمة كلّها. إنَّ مثل هذه الدراسات هي التي تنمّي العمل وتساعد على تطوره وقوته.

يسمّى بعضهم هذه الدراسات والأبحاث بالنقد والنقد الذاتي، كما اشتهر في العالم الشيوعي، أو النقد عامة كما عرف في العالم الغربي. وقد انتشرت هذه اللفظة في حياتنا، ولم ينتشر نهجها المتبع لدى هؤلاء أو لدى هؤلاء. ولكن انتشرت مع اللفظة ظلال غير محببة.

أما الإسلام فقد وضع قاعدة أعظم من ذلك بكثير. وضع قاعدة النصيحة، حتى جعلها كأنها هي الدين تعبيراً عن شمولها واتساعها وأهميتها، كما جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة … …).

وعندما نتتبع قواعد النصيحة وآدابها، ونهجها وأُسلوبها، نجدها تشمل كلّ خير يمكن أن يدعو إليه النقد، وتنبذ كلّ شرّ قائم فيه(1)، ذلك كلّه من خلال آيات وأحاديث، وممارسة كريمة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي حياة صحابته.

ولكن النصيحة التي دعا إليها الإسلام غابت عن واقع المسلمين اليوم، والنقد الذي دعا إليه أولئك أخذنا منه التجريح والتشهير، والخصومة والعداء.

فلا بد إذن من عودة النصيحة إلى حياة المسلمين بكلّ قواعدها وآدابها، حتى تصبح النصيحة منهجاً ربانياً يُمارس عملياً في واقعنا في التربية والبناء والتدريب والإعداد والممارسة والتطبيق.

ومن هذه القاعدة نخرج بأمر هام ألا وهو ضرورة ما يمكن أن يُسمّى " وقفة المؤمن ومراجعة الحساب "، حتى تقف كلّ حركة إسلامية مع نفسها، فتدرس واقعها وتكشف أخطاءها وصوابها، لتعالج هذه وتستفيد من تلك.

ولقد ضرب القرآن الكريم نماذج رائعة لهذه الوقفات. فقد وقف القرآن الكريم مع غزوة بدر وأُحُد وحنين وتبوك والخندق وغيرها وقفات إيمانية رائعة، تقدّم للمسلمين نماذج يتعلمون منها أبد الدهر. ووقف كذلك مع أحداث هنا وهناك، ووقف مع سلوك أفراد، ومع حركات معادية ومناهج محاربة. وقف وقفات الدراسة والتحليل، والنصح والتوجيه، وكشف الأخطاء ومواطن الزلل، ثمّ وضع العلاج والحلول.

وحين نحاول النصح لدعوة الله وحركاتها المختلفة، فإننا نشترط أولاً على أنفسنا أن نصدق النية خالصة لوجه الله، مطهّرة من شهوات الدنيا، بعيدة عن الأحقاد والتجريح، نقول بما نعلم ونتقي الله حتى لا نجرح أو نسيء.

نؤكد هذا المعنى لمعرفتنا بما نعانيه نحن اليوم من حساسية تجاه النصيحة، حتى غلب النُفُور منها، وأحاطت الشبهة بمن يقوم بها. وكأن النصيحة لا تصدر إلا من حاقد يعصف به الحقد والغضب. كلا‍! إن النصيحة الصادقة الجريئة تخرج في حقيقتها وجرأتها وصدقها من قلب ملأته السكينة بالإيمان، والطمأنينة بالتقوى، والثقة بالعلم والمحبّة والموالاة.

وإذا كنتُ أتحدث في الصفحات المقبلة عن أخطاء العمل الإسلامي، عن أخطائه فقط، فلأن هذا هو موضوع المقالة. ولكنني لابدّ أن أُشير وأؤكد فضل العمل الإسلامي، مهما تكن أخطاؤه، وفضل الدعاة الصادقين كلّهم قادةً وأفراداً، داعياً الله - سبحانه وتعالى - أن يتقبّل منهم ومنا أحسن ما عملنا، وأن يغفر لنا سيّئاتنا ويتجاوز عنها إنه هو الولي الحفيظ.

إننا نعرض هنا ما نعتقد أنها مواطن خطأ وضعف، يجب على كلّ حركة أن تعود لنفسها، وتدرس مسيرتها، لتكشف هي بنفسها أخطاءها دون خوف أو وجل أو تردُّد. فهذا مصدر قوة ونماء وحياة. وبتركه نفقد قوّة ونعطّل نماء. إنها كلمات نصح خالص لله - سبحانه وتعالى -، نقدّمه للحركات الإسلامية كلّها، مهما اختلفت أسماؤها ومواقعها لا نقصد حركة معيّنة بذاتها، ولا نستطيع هنا أن نقدِّم دراسة موسعة للعمل وواقعه، ولكننا نقدِّم موجزاً سريعاً لأهمّ القضايا التي تحتاج إلى دراسة وبحث، ووقفة ونصح، حسب ما نعتقد:

1- التصوُّر الإيماني والتوحيد: (2)

إن عدم التركيز على قضيّة التصوّر الإيماني والتوحيد في الدعوة والتربية والبناء والتدريب، ليكونا القضيّة الأولى في حياة الإنسان، والحقيقة الكبرى في الكون، وليؤديا دورهما الحقّ في صياغة الفكر والنهج والسلوك والمواقف، إن عدم التركيز على هذه القضيّة أدّى إلى اضطراب في واقع العمل الإسلامي، وربّما كان أهم الأسباب لما يعانيه العمل الإسلامي من خلافات وانشقاقات، واضطراب في المواقف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أن عدم التركيز على هذه القضيّة الأولى جعل القضيّة الأولى في الميدان العملي هي دعوة الناس إلى تكتلات وأحزاب، وإلى أفكار هذه التكتلات والأحزاب، فتضعف الجهود المبذولة لبناء التصوّر الذي يعرضه منهاج الله للإيمان والتوحيد، وتضعف بعد ذلك نواح عديدة في واقع العمل الإسلامي. وينتج عن ذلك ضعف الجهود في طرح المناهج وبناء التخطيط ورسم الدرب، حين تنشغل الطاقات في ميادين الخلافات الفكرية.

لذلك نعتبر هذه القضيّة هي القضيّة الأولى في العمل الإسلامي، والهدف الثابت الأول من أهدافه، لبناء التصور الحقّ للإيمان والتوحيد، ولتصحيح التصورات المضطربة لدى بعض الناس، ولترسيخ التصوّر القرآني للإيمان والتوحيد، وترسيخ مبادئهما وقواعدهما، كما وردت في كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولكننا في الوقت نفسه لا نرى أنه يمكن فصلهما عن سائر قضايا الدعوة. فعلى العكس من ذلك فإننا نراها مرتبطة مع سائر قضايا الدعوة، متداخلة معها، سواء في الناحية النظرية الفكرية أو العملية التطبيقية، حتى يأخذ الولاء صورته الأمينة ، والعهد معناه الحقّ، وحتى تمضي الممارسة الإيمانية أقرب للتقوى.

لقد أصاب التصوّر الإيماني في واقعنا اليوم خلل كبير، امتدّ أثره إلى مختلف نواحي الممارسة الإيمانية في حياة الناس. لقد طغت بعض العادات والأعراف على نصوص الدين، ودخلت البدع في بعض نواحي السلوك، وتخلّى الكثيرون من المسلمين عن الشعائر كلّها أو بعضها، ومارس بعضهم أشكالاً من الفسق، ومع ذلك ظلّوا في واقع العالم الإسلامي طبقة " عائمة " تائهة، تحتلُّ مراكز ومواقع، قد يستغلها كثير من المجرمين والمفسدين في الأرض.

التصوّر الإيماني الحقّ يرسمه الله منهاج الله قرآناً وسنّة. فمن أجل هذه الحقيقة الكونيّة الكبرى بعث الله النبيين والمرسلين، وأنزل الكتب السماوية، ومن أجلها بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنزل عليه الكتاب ليبلغه للناس كافّةً بشيراً ونذيراً. فجاء منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ـ باللغة العربية ليفصّل هذه القضيّة الكبرى والحقيقة الكبرى تفصيلاً خاتماً جامعاً لا يترك لأحد العذر في التفلّت إلا أن تقوم عليه الحجة.

2-هجر الكثيرين لمنهاج الله وغيابه عن أداء دوره الحقيقي: (3)

قرون طويلة غاب منهاج الله فيها عن واقع المسلمين. وكادت اللغة العربية، نفسها تغيب في موجات اللغات العامية واللغات الأجنبية. فزاد الجهل باللغة من الجهل بكتاب الله وسنّة رسوله، حتى عجمت الألسن وجفّ العلم وهبطت العزائم.

من خلال هذا الوهن الممتدّ في الأمة نشأت الحركات الإسلامية لتعالج قضايا عديدة. ورفعت أجمل الشعارات وأحبّها للنفوس. ولكن الواقع لم يكشف عن دور حقيقي لكثير من الشعارات، ولا عن مناهج تطبيقية عملية تعالج هذا الضعف أو ذاك. وغلب على بعض الناس جهود ارتجالية لا تحمل عمق العلاج. فامتدّ المرض في واقع الأمة حتى يومنا هذا لنلمس آثار الأمراض في الهزائم المتتالية والنكبات المتلاحقة.

كان لمنهاج الله الدور الأول في بناء الجيل المؤمن في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم -. فهل قام منهاج الله اليوم في واقعنا بالدور نفسه؟ وهل أخذ مكانه الحقّ في النهج والتخطيط؟ هل عادت القلوب تنهل منه؟

إن غياب منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ولغة عربية ـ زاد من خلل التصور في الإيمان والتوحيد، وضاعف العلل والأمراض. وأصبح الضعف هنا يزيد من الضعف هناك، والضعف هناك يزيد من الضعف هنا، في تأثير متبادل بين هذا الضعف وذاك.

كثير من الناس يُقبلون على كتاب الله في شهر رمضان أو في المواسم، يهزون رؤوسهم مع التلاوة دون أن تهتز قلوبهم أو تخشع نفوسهم. ومنهم من حسب كتاب الله وقف على العلماء، وأن الله خلقهم جهلاء ليبقوا جهلاء مع العامة من الناس لا ينهضون لواجب أو تكليف.

ومنهم من رأى أن يأخذ بالقرآن وحده دون السنّة، أو السنّة يلتزمها أكثر من كتاب الله، يُفرّقون منهاج الله أجزاء، فيأخذون ويذرون.

ومنهم من انحصرت صلته في كتاب الله في آيات متفرّقة يأخذونها من هنا ومن هناك. حتى غلبت كلمة " الثقافة " على " العلم "، كأن الإسلام ثقافة عامة يُكتفى من أجلها بقدر محدود يسدُّ حاجة الندوات والمجالس ولا يسدُّ حاجة النفوس لبنائها والأجيال لإعدادها. فاستبدل بعضهم الكتب البشرية بمنهاج الله لتحلّ محلّه، وأنَّى لكتاب بشري أن يقوى على ذلك. وظلّت الكتب البشرية تُمثّل في معظمها جهداً فرديّاً لا يخضع لنهج محدّد ولا يحقّق مهمّة محدّدة، فتعدّدت المصادر للشباب المسلمين وتكوّنت مدارس شتّى ومذاهب متفرقة لا تخضع لمناهج مدروسة فتنافرت الثقافات والمفهومات، وتنافرت القلوب والأرواح.

3- جهل الواقع وعدم وعيه ودراسته: (4)

قرون طويلة مرّت على المسلمين وهم في غفوة ساهون لا يدرون ما يجري حولهم ولا أمامهم ولا خلفهم. لم يعد الواقع الذي يعيشونه مصدر تدبّر ودراسة ليقدّم الموعظة الجليّة والآية البيّنة، حتى تزداد القلوب إيماناً ويقيناً، وتزيد إخباتاً لربّها وخشوعاً. لقد أغمض المسلمون عيونهم عن الواقع حتى وجدوا أنفسهم في لهيب الفتنة، استزلهم إليها شياطين الإنس والجنّ. فما عادوا يعرفون العدوّ من الصديق، والغادر من الأمين.

ولقد كان جهلهم بالواقع سبباً من أسباب أخطاء متراكمة في ممارسة دينهم وإيمانهم. يخالفون الدين ويحسبون أنهم على صراط مستقيم. يُستدرجون إلى الضلالة وهم ساهون. وينسلّ الأعداء بينهم ينشرون الفتنة والفرقة والشحناء والبغضاء، فيتهافتون فيها كتهافت الفراش في النار.

إذا استعرضنا تاريخنا لقرون خلت نجد هذه الظاهرة جليّة، ونجد أخطارها بارزة واضحة. فلقد كان من أوضح نتائج جهلنا بالواقع أن طعنّا أنفسنا، وأسهمنا بأيدينا في كثير من نكباتنا. ألم يُسهم بعض المسلمين في إسقاط الخلافة؟! ألم يرفع بعض المسلمين شعارات مناهضة للإسلام؟! ألم يفتح بعض المسلمين صدروهم وقلوبهم لأعداء الإسلام؟!

وفي واقع العمل الإسلامي اختلطت الأمور كثيراً. ولعب الجهل بالواقع دوراً واسعاً فيما حلّ فيه من نكبات. واندسَّ المنافقون والأعداء واتتهم الفرصة فأحكموا الضربة وسدّدوا الطعنة وعلّقوا المشانق، ذلك كلّه من خلال غفوة وجهل واضطراب. أسباب كثيرة وليس سبباً واحداً، كانت وراء عدد من النكبات والمصائب. ولكنّ جهل الواقع كان أحد الأسباب الهامة.

ودراسة الواقع لا تعني مطالعة صحيفة أو الاستماع إلى إذاعة فحسب، ولكنّها جهد ومعاناة. ودراسات وأبحاث، تَرُدُّ أحداث الواقع إلى منهاج الله ردّاً أميناً. ومن خلال ذلك الجهد المبارك، من خلال منهاج الله، يُفهم الواقع. والواقع يراه العلماني من خلال معتقداته فتكون له رؤيته الخاصة به، والقومي كذلك، وكذلك سائر أصحاب النظريات المضطربة. أما المؤمن فله نظرته الخاصة ورؤيته المتميزة، ووعيه الإيماني العميق للواقع، يتفرد به عما سواه بالعمق والنهج المستقيم. وقد تلتقي رؤية غيره من خلال اعوجاجها مع رؤيته المستقيمة في نقاط محددة، ولكنّ النهج يظلّ مختلفاً كل الاختلاف. فنتيجة الضغط الرهيب للأفكار المنحرفة، ونتيجة لجهل الدعاة بالواقع أحياناً، ونتيجة إلى ضعف الزاد من منهاج الله، نتيجة لهذا كلّه انحرفت رؤية بعض الدعاة المسلمين للواقع، فرأوه بغير منظار الإيمان والتوحيد، وبغير ميزان منهاج الله. فمنهم من أخذ يُعلي من شأن كلّ شعار غربي جديد، فريق رفع " الاشتراكية " وانساق مع دعايتهم حتى لبس رداءها وصبغها بطلاء إسلامي. ولما انتهت هذه النغمة هبّ فريق يجعل من القومية شعاراً إسلامياً، وبعد حين هبّ آخرون يجعلون الديمقراطية سنّة من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو دعوة حضارية أو لحناً إسلامياً. أحد الدعاة يقول: " نحن مع الديمقراطية بكلّ أبعادها ومعانيها "(5). وآخرون انغمسوا في ممارسة الديمقراطية بعد تمنُّع وتردّد. وآخرون سقطوا في العلمانيّة ومذاهبها، والحداثة ومذاهبها. لقد اختلطت الأوراق في الساحة الإسلامية اختلاطاً عجيباً، وحار كثيرون فيما يرون و يسمعون، وزادت البلبلة والانقسام.

لقد برز هذا الخلل في واقع المسلمين عامة، وكذلك في واقع العمل الإسلامي، وفي تباين وجهات النظر واختلاف الرؤية، حين كانت العاطفة والارتجال، وعدم توافر الدراسات المنهجيّة العميقة، وعدم ردّ الواقع إلى منهاج الله، حين كان هذا كلّه هو الذي يكوّن الرؤية للواقع، والنظرة للأحداث. وحسبنا أن نسأل أين هي الدراسات الإيمانية المنهجيّة للواقع؟!

4- اضطراب الممارسة والتطبيق:

من البداهة أن يضطرب العمل وتختلط الممارسة ويتناقض التطبيق، حين تنضمّ آفات إلى آفات، حين ينضمّ خلل التصوّر الإيماني، والجهل بمنهاج الله والجهل بالواقع، حين ينضمّ هذا كلّه بعضه إلى بعض فكيف تستقيم الممارسة ويصدق العمل؟!

لقد أدّى هذا الوهن إلى أخطاء تراكمت مع الزمن لم تجد فرصة للعلاج ولا قدرة على المواجهة ولا سبيلاً للإصلاح. تراكمت الأخطاء حتى سكت الناس عنها، ثمّ اعتادوها، ثمّ ألفوها وحسبوها حُسْناً، ثمّ أصبحت عادة يفوق حكمها حكم النصّ الشرعي، ثمَّ أصبحوا دُعاةً لها.

كان من أبسط هذه الأخطاء، على خطورتها في ميزان الإسلام، انتشار الغيبة والنميمة والافتراء والظلم بين المسلمين، حتى لم يعد لعرض المسلم حُرمة تُرْعَى بين إخوانه. ولقد غلب الظنّ الذي نهى عنه الإسلام حتى جعله بعضهم يقيناً، ثمّ اتخذ بسببه موقفاً وسلوكاً وقراراً. وتمضي السنون تعمل فيها الفتنة حتى يكتشف المسلم أنه اتبع الظنّ والهوى، والقيل والقال، وما تبيّن ولا تحقق، وأنه والى قريباً أو صديقاً على باطل، فآذى بذلك نفسه وآذى المسلمين وأشعل نار الفتنة والفساد. قواعد إيمانية كثيرة يحفظها معظم المسلمين في الأرض، ولكن لا يطبقونها كما يأمرهم بها الله. معظم المسلمين يعلمون قول الله - سبحانه وتعالى -: (إنّما المؤمنون إخوة …)، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم …)، ولكن أين التطبيق والممارسة، وأين حقيقة الأخوة الإيمانية، وأين الموالاة بين المؤمنين؟!

لقد تمزّقت الروابط الإيمانية بصياغتها الربّانية، وأخذت صورتها الجاهلية وصياغتها الجاهلية. تحوّلت حبّ الديار والأهل إلى عصبية قومية جاهلية، تصوغها الأهواء والعواطف بعيدة عن نداوة الإيمان. فتمزّقت الحركة الإسلامية الواحدة إلى فرق شتّى، وتمزّقت الدعوة الإسلامية إلى مذاهب متناحرة، وتمزّقت الأمة كلّها إلى أقطار متصارعة، واستذلَّ الأعداء الجميع وهانت الأمة وتناهبتها شعوب الأرض.

حاجز سميك وقف بين العلم والتطبيق. لم يعد الجهل وحده مصدر وهن وهلاك . ولكنّ العلم فَقَدَ بركته وخيره، حين أصاب التصوّر الإيماني خلل، وحين غلبت الأهواء، وانتشرت المعاصي، وعلا القلوب الران .

مسلم يهاجم القومية والديمقراطية في مرحلة من مراحل دعوته، ثمّ ينغمس في ممارستها. وآخر يقول: " إذا كانت القوميّة تعني أن ينهج الأخلاف منهج الأسلاف، وأن عظمة الأب مما يعتزّ به الابن، وإذا كان يقصد بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره، فهذا أمر يوافقه الإسلام ". ألفاظ محببة إلى النفوس. ولكنّها عائمة لا تهدي إلى سواء السبيل. فمن هم الأخلاف ومن هم الأسلاف ومن هي عشيرته؟ أهم أهل بلده وقطره خاصة؟! وما هو النهج الذي يُتَّبع؟! وأما الله - سبحانه وتعالى - فقد قال:

(قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) [التوبة: 24]

5- غياب الميزان وردّ الأمور إلى منهاج الله:

إن ما عرضناه في الصفحات السابقة من خلل في التصور الإيماني وجهل بمنهاج الله وجهل بالواقع أدى بصورة حتمية إلى اضطراب الممارسة في الواقع كما عرضنا قبل قليل. ومن أهم مظاهر هذا الاضطراب هو غياب " الميزان " من أيدي الناس، وغيابه عن فكرهم وعملهم، ولأهمية وجود " الميزان " في واقع الحياة أفردنا له فقرة خاصة للتأكيد، وليكون إفراده هنا سبباً في تقدير خطورة هذا الأمر، وأهمية بنائه في واقع المسلمين.

" الميزان " الذي نعنيه هو ما تحدّد به منازل الناس وأقدارهم، ووسعهم وطاقتهم. إنه مجموعة الأسس الإيمانية والقواعد الربانيّة التي تضبط حكم الناس على الناس، واختيارهم لهذا الأمر أو ذاك.

لقد كشفت ممارسة الانتخابات في واقع المسلمين خطورة غياب هذا الميزان، فصار الناس يتقدّمون بأموالهم وأنسابهم، وعائلاتهم وعلاقاتهم ومصالحهم، وأحزابهم، ومدى قوّتهم ونفوذهم من خلال ذلك كلّه. وأصبحت قواعد " اللعبة " الديمقراطية، كما يُسمّونها، هي التي تسود وتحكم، وترفع وتخفض، بدلاً من القواعد الإيمانية التي اختفت من الصدور ومن ميدان الممارسة.

لم يكن الانتخابات هي الساحة الوحيدة التي غاب عنها الميزان. فقد غاب الميزان عن معظم الساحات إن لم يكن كلّها. وصار من السهل تسرّب قواعد مضطربة وعلاقات متشابكة لتحكم في ساحة الممارسة والتطبيق، حتى ولو حملت شعاراً إسلاميّاً.

ولا يقتصر الميزان على تحديد " منازل الرجال " وتحديد المسؤوليات والواجبات، فإذا صورته العامة تتسع لتوزن به قضايا الأمة وأحداثها، وليصبح " الميزان " في حقيقة أمره هو المنهاج الربّاني الذي يجب أن ترُدَّ القضايا كلّها إليه. فمن خلال اضطراب التصوّر الإيماني وجفاف العلم بمنهاج الله والغيبوبة عن الواقع وما يدور فيه، من خلال ذلك لم يعد من المتيسّر ردّ الأمور إلى منهاج الله. وبسبب ذلك غلب الهوى، حين لم يعد أمام الكثيرين إلا أهواؤهم ومصالحهم الخاصة ليردّوا القضايا إليها، ولينظروا إلى الواقع من خلالها. فاختلطت الحدود والمنازل، واضطربت المسؤوليات والواجبات، وساء تقدير الواقع والأحداث، واختلت الأحكام، حين أخذ الكثيرون يصدرون عن تصوّراتهم البشرية وما حملوه من نزوات وأهواء.

هذه القضيّة الخطيرة في التصوّر الإيماني ـ وهي ردّ الأمور إلى منهاج الله ـ لم تأخذ حظّها العادل الأمين في مناهج التربية إذا وجدت تلك المناهج! فنشأت أجيال كثيرة لا تعرف هذه القضيّة ولا تشعر بخطورتها ولا تقوى على ممارستها. غابت هذه القاعدة عن مناهج التربية وربما غابت المناهج ذاتها، وغابت عن مناهج التدريب، وربما غاب التدريب ذاته.

وكان من أول النتائج هو زيادة النكبات وتوالي المآسي وامتداد الظلام، في ساحة واسعة لا تكاد تعرف إلا الشعار، وتكاد تغيب فيها قواعد الإيمان شيئاً فشيئاً.

ومن نتائج ذلك أيضاً هو عدم معرفة الأخطاء حين لم يعد يحدّدها ميزان أمين، وعدم توافر القدرة على معالجتها. فأخذت الأخطاء تتراكم في ساحة العمل الإسلامي حتى أصبحت ركاماً يحجب الرؤية ويضلّل الناظر. وربما اعتاد الناس الخطأ حتى ألفوه، ثمّ رغبوا به وأجازوه.

وقد تُجْرى بعض المحاولات الارتجالية لمعالجة خطأ هنا أو هناك، فإذا المعالجة تزيد الخطأ بدلاً من أن تعالجه، وتورث الفتنة والشقاق. ذلك لأن المعالجة تأخذ حادثة أو بعض الحوادث، فيدور حولها الخلاف والشقاق، ولا تُعالج القواعد الخاطئة والأساليب المريضة والمناهج المضطربة.

6- غياب النهج والتخطيط:

من السهل أن ندرك الآن، بعد العرض السابق، أنَّ من أهم أخطاء العمل الإسلامي هو غياب النهج والتخطيط عن معظم ميادين العمل أو كلّها.

كيف ينشأ التخطيط والنهج إذا عانى المسلمون من جهل بمنهاج الله وجهل بالواقع، واضطراب في التصور الإيماني والممارسة الإيمانية. إن الارتجال وردود الفعل هي النتيجة الحتمية لهذا الاضطراب والجهل، وإنَّ الأهواء وتزاحم الشعارات هي المظهر الرئيس لهذا الخلل والوهن، وإن الاختلاف والشقاق هو ثمرة ذلك كلّه، ثمرة مرّة مؤذية.

إننا نستطيع أن ندرس أي حركة أو نقوّمها على أُسس ثلاث: العقيدة العامة التي تحكمها، الطاقة البشرية التي تحملها ومدى تمسُّكها بها وخضوعها لها، النهج الذي تضعه الطاقة البشرية على أساس من عقيدتها وواقعها.

ففي حالة الحركات الإسلامية فإن الإيمان والتوحيد مع كلّ ما يتبعهما ويرتبط بهما وعلى ضوء ما يعرضهما منهاج الله كما جاءا باللغة العربية، يمثلان العقيدة العامة التي يجب أن تحكم كلّ حركة إسلامية وعلى أساس من هذا المنهاج الرباني والإيمان الذي يعرضه، وعلى أساس الواقع الذي تعيشه الطاقة البشرية، الواقع الذي تدرسه من خلال منهاج الله، على هذين الأساسين يقوم النهج والتخطيط الذي يجب أن تضعه الطاقة المؤمنة البشرية.

إن هذا النهج يجب أن ينطلق من النية الخالصة لله - سبحانه وتعالى -، ثم يرسم الدرب الذي يسير عليه، ويُحدّد كذلك الأهداف كلّها. ثمّ يكون من واجب كل فرد في الدعوة الإسلامية أن يطمئن هو بنفسه عن ارتباط الدرب والوسائل والأساليب بالأهداف، فلا يتجه الدرب شرقاً وتكون الأهداف غرباً. وأن يطمئن كذلك إلى ارتباط هذا كلّه بمنهاج الله وقواعد الإيمان والتوحيد. إنها مسؤولية كلّ إنسان فهو الذي سيحاسَب بين يدي الله العزيز الجبّار لا يغني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً.

والأهداف منها ما هو ثابت حدّده منهاج الله، ومنها ما هو مرحلي يضعه الإنسان على أساس من منهاج الله والواقع، لينقله من هدف ثابت إلى هدف ثابت. ويكون الهدف الأكبر والأسمى هو الجنّة والدار الآخرة وطاعة الله ورضاه. هذا الهدف الأكبر والأسمى ترتبط به جميع الأهداف الثابتة وتقود إليه، وترتبط به جميع الأهداف المرحلية.

ولقد كان من أثر غياب النهج والتخطيط، ليس تفرّق الحركات الإسلامية فحسب، وإنما تفرّق الميادين في الحركة الواحدة. لقد ساء حال المسلمين حتى تفرّقت الأمة إلى شعوب وأقطار متنابذة، وتفرّق العمل الإسلامي إلى حركات متصارعة، وتفرّقت الحركة الواحدة أحزاباً وشيعاً، ثمّ تمزّقت الميادين والساحات حتى أصبحت كأنها مفتحة لولوج أعداء الله.

7- الاضطراب الفكري وتعدد الاتجاهات، والاضطراب النفسي:

من خلال الوهن الذي عرضناه، استطاعت أفكار كثيرة أن تتسلّل؟ إلى قلب الدعوة الإسلامية تحمل كلّ الزينة والزخارف، في ظروف كانت الحالات النفسية فيها وردود الفعل المتوقّعة تساعد على تقبّل هذه الأفكار المتسلّلة. يضاف إلى ذلك ما يتولّد في داخل الحركة نفسها من أفكار منحرفة نتيجة الضعف الذي عدّدناه سابقاً. فيجتمع انحراف إلى انحراف، وتختلط الأمور حتى يصعب على الفرد أن يُميّز بين الانحراف وغيره. وقد يصعب الأمر على الفرد العادي، ويصعب كذلك على مستويات أعلى. وزاد من ذلك وقوع نكبات ومآسٍ دفعت بعض النفوس دفعاً إلى هذا الانحراف الفكري أو ذاك. وقد ساعدت الظروف الاجتماعية والسياسية وسهولة وسائل المواصلات والضغط الدولي الهائل الذي يُغذّي كلّ اتجاهات الانحراف على ذلك كلّه على قدر من الله حقٍّ وقضاء نافذة.

ولقد كان من أخطر الأفكار التي تسلّلت: الوطنية والقومية والإقليمية والديمقراطية والاشتراكية مع جميع صورها المنحرفة عن الإيمان والتوحيد، حتى أخذ بعضهم يبحث في الإسلام عن الأدلة الشرعية لها. ونحن لا ننكر أنّ أيّ فكر في الأرض مهما كان نوعه فلا بدّ من أن يحمل زخارف تُحَبّبه إلى الناس. ولكن هذه الزخارف ليست هي الميزان الذي نَقْبل به أو نَرْفض. إن الميزان هو منهاج الله. فنرفض أن تصبح القومية عصبية تُحَدّد الفكر والمذهب والحقوق والواجبات. وننكر أن تصبح الوطنية وثناً يُعْبد من دون الله، ويزيح أحكام الدين وسلطان الإسلام.

أما بالنسبة للاشتراكية والديمقراطية وأمثالهما، فإن أحسن ما يظنّه دعاتها فيها، وما يتوهمه أصحابها، هو أقل بكثير مما يقدّمه الإسلام للإنسان على الأرض، وإن الشرّ الذي تحمله من علمانية وشرك هو أسوأ ما يحاربه الإسلام!

8- ضعف التكوين الداخلي والروابط الإيمانية وغياب النظام الإداري:

لا نقصد بذلك الروابط التنظيمية في واقع العمل الإسلامي فحسب. فهذه قد تقوى وتضعف متأثرة بعوامل متعددة ومتأثرة بجميع عوامل الضعف التي سبق ذكرها. فقد تقوى الروابط التنظيمية حتى تصبح عصبية جاهلية، تزيد انحراف الدعوة وتزيد من تمزّقها، وتصبح مظهر ضعف وانحراف ومصدر فتنة وشقاق. وتضطرب معاني الأخوة في الله والموالاة بين المؤمنين اضطراباً واسعاً.

لقد اضطربت العلاقات والروابط الإيمانية كلها اضطراباً واسعاً حين صاغ هذه العلاقات والروابط أفكار متضاربة ومذاهب متصارعة ونزعات هائجة. لم يعد الإيمان والتوحيد، ولا الولاء الخالص لله، ولا العهد الأول مع الله، ولا الحبّ الأكبر لله ولرسوله، لم يعد هذا وغيره من قواعد الإيمان وقواعد المنهاج الرباني يصوغ الروابط والعلاقات. فاضطربت تبعاً لذلك، كما ذكرنا، قواعد السمع والطاعة، والعلاقات بين القيادة والقواعد، حتى تباينت بين تعظيم مغالى فيه، وبين تهوين مفرط ومسيء. وفي كلتا الحالتين فتنة وبلاء.

لقد غاب النظام الإداري الذي يوفّر نظام المتابعة والمراقبة والإشراف، ونظام التوجيه والنصح العملي التطبيقي، ونظام المعالجة والمحاسبة والتذكير، ليتمّ ذلك كلّه بصورة منهجيّة مدروسة محددة تحقق أهدافها وغاياتها الإيمانية. لقد غاب النظام الإداري الإيماني القائم على منهاج الله والملبِّي لحاجات الواقع، والذي يبيّن قواعد الأحكام والجزاءات والوسائل والأساليب في ميدان التطبيق لينمو مع الممارسة.

لقد أدى هذا الخلل الكبير إلى تسلل أفراد إلى مواقع لا يحقّ لهم بلوغها، لعدم توافر شروطها فيهم، وكذلك أدّى إلى أن تخسر الدعوة طاقات ومواهب كثيرة قتلتها الفوضى الإدارية والتحاسد والتباغض والتناجش والصراع على الدنيا وزخارفها وعصبياتها.

9- عدم انتقال الدعوة الإسلامية إلى ميدان القادة الدوليين ولا إلى شعوبهم:

لقد امتدّت الدعوة الإسلامية إلى أقطار متعددة في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا. وقامت مراكز إسلامية متعددة، وهيئات وحركات ومنظمات. وأُقيمت مساجد يدوِّي منها الأذان والتكبير. وذلك كلّه فضل من الله ونعمة. ولكن النتائج التي بلغتها الدعوة الإسلامية بين تلك الشعوب وبين قادتها كانت أقلّ مما ترجوه القلوب المؤمنة. و إنك لتجد أن معظم القادة الدوليين لا يدركون حقيقة الإسلام، بالرغم من اتساع أفق بعضهم في الثقافة والتجربة. فحين يتحدث غورباتشوف في كتابه " البيروسترويكا " يبيّن أن هنالك عقيدتين وخطين في العالم هما الشيوعية والرأسمالية، ثمّ ينظر نظرة عطف وإشفاق على دول العالم الثالث، متجاهلاً الإسلام عقيدةً ونهجاً وفكراً. وكذلك يفعل قادة الغرب. وإذا تحدّث أحدهم عن الإسلام حسب الإسلام ما يراه من واقع المسلمين اليوم، أو حسب الإسلام كالمسيحية دين طقوس وشعائر لا علاقة له بمنهج الحياة البشرية السياسي أو الاقتصادي أو غير ذلك، أو رأى في الإسلام قوة إرهاب وتسلّط، أو غير ذلك من الأفكار التي يُزيّنها شياطين الإنس والجنّ.

لقد شُغلت معظم الحركات في كثير من الأحيان بالدعوة إلى أفكارها الخاصة وحركاتها أكثر مما شُغلت بالدعوة إلى الله ورسوله وإلى حقائق الإيمان والتوحيد. وشُغلتْ بالخلافات بينها أكثر مما شُغلت ببناء الأمة المسلمة الواحدة في الأرض.

وشُغلت الأمة كلّها بغير الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، إلى الله ورسوله. ولقد حدّد منهاج الله علاقة المسلم مع غير المسلم بصورة مفصَّلة في جميع الظروف والأحوال، حتى تستقيم العلاقات على جميع المستويات على نهج إيماني. وأول هذا النهج هو الدعوة إلى الله ورسوله هو البلاغ والبيان، وعرض حقائق الإسلام من منطلق القوة والإيمان واليقين.

إنَّ كثيراً من غير المسلمين يجهلون الإسلام، سواء أكانوا من العامة أم الرؤساء. ولو أنهم عرفوا الإسلام كما أنزله الله لخفت عداوتهم وأحقادهم أو عداوة بعضهم على الأقل. إن كثيراً من الأحقاد تتوارثها الأجيال عن الأجيال في الشعوب غير المسلمة، تغرسها فيهم عصابات الإجرام والظالمون المترفون فيهم.

إنَّ الله يهدي من يشاء، ولكننا مكلفون بحمل هذه الأمانة العظيمة وتبليغ الرسالة إلى الناس كافّة. فإن قصرنا في ذلك فنحن الآثمون، نجني حصاد تقصيرنا فيما نراه من نكبات وابتلاء.

إنَّ الدعوة إلى الله ورسوله يجب أن تكون الهدف الثابت الأول في حياة المسلم، وفي حياة كلّ حركة إسلامية، وفي مسيرة الأمة المسلمة كلّها بجميع مستوياتها. إن هذه الدعوة إلى الإيمان والتوحيد هي أول الجهاد، وأول خطوة فيه إلى الجنّة، وهي سبيل المؤمنين العاملين.

هذه ملاحظات عاجلة موجزة عن أهم ما نعتقد أنه يجب النصح به في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا. ونؤمن أن كلّ قضيّة عرضناها هنا تحتاج إلى دراسات علمية أمينة، لتكون الحركات الإسلامية هي أول من ينقد نفسه، وأول من يتقبل النصيحة، حتى تصبح تجربة العمل الإسلامي زاداً نامياً للدعوة، فلا تبدأ كلّ حركة من نقطة الصفر، حين تموت تجارب السابقين.

وحين نذكر هذه الملاحظات ونقدم هذه النصيحة، نؤكد أهمية الأثر الطيب للعمل الإسلامي، كما سبق أن أشرنا له في مستهل كلمتنا هذه، مؤمنين أن الأجر عند الله - سبحانه وتعالى -، هو أعلم بعباده، وهو أرحم بهم.

وندعو الله مخلصين أن يتقبل من الدعاة، قادةً وأفراداً، أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيئاتهم، إنه هو الغفور الرحيم.



(1) يراجع كتاب: الشورى وممارستها الإيمانية، وكتاب الأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته للدكتور.

(2) يراجع كتاب: لقاء المؤمنين الجزء الثاني. وكتاب التوحيد وواقعنا المعاصر للدكتور.

(3) يراجع كتاب: دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية للدكتور.

(4) يراجع كتاب: دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية ـ الباب السابع ـ للدكتور.

(5) جريدة اللواء الأردنية:العدد 685 السنة في 19/10/1406هـ.
[/align]
المشاهدات 751 | التعليقات 0