معادن الناس (5)
أمير محمد محمد المدري
1438/05/22 - 2017/02/19 15:49PM
معادن الناس «5»
الحمد لله رب العالمين عالم الخفيات وفاطر السماوات يُدبر الأمر يُفصل الآيات تُسبح بحمده الأرض والسماوات.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له غنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه، من أقبل إليه تلقاه من بعيد ومن أعرض عنه ناداه من قريب ومن ترك مكن أجله شيء أعطاه فوق المزيد ومن أراد رضاه أراد ما يريد.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمد المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وعلى اله ومن اقتفى.
أما بعد أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله q: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) [البقرة: 281] اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.
عباد الله: وقفنا وعشنا مع المعادن الطيبة.
تأملنا في صفاتهم وأحوالهم فحياتهم طيبة وأعمالهم طيبة وعيشتهم طيبة.
ما الذي طيبهم إنها الإعمال الصالحة.
قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: 97]
نعم عباد الله: إنها الأعمال الصالحة التي طيبت حياتهم وأول هذه المُكفرات والمُطهرات:
أولاً: الصلاة فهي أعظم المطهرات للإنسان من الذنوب قال تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) [العنكبوت: 45]
ثانياً: الوضوء فان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ» [رواه مسلم]
واعلموا عباد الله: أنه لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن.
جاء في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره»
ثالثاَ: من المطهرات والمُطيبات الزكاة فقد جعلها الله كذلك قال تعالى:
( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة: 103]
رابعاً: الصيام فالحكمة من الصيام هي التقوى التي هي الطهارة من كل الشرور.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: 183]
خامسًا: من المطهرات الحج والعمرة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ا قال صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» [صحيح الجامع]
سادسًا: من المطهرات والمكفرات ذكر الله وتلاوة القرآن وحضور مجالس العلم والتسبيح والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر ا قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل وما جلاؤها يا رسول الله قال ذكر الموت وتلاوة القرآن».
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للقلوب صدأ قيل فما جلاؤها يا رسول الله قال: جلاؤها الاستغفار» [معجم الطبراني الأوسط].
سابعاً: من المُطهرات والمُكفرات الدعاء وأفضله وأرجاه دعاء القرآن ثم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فمن دعاء القران: ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [الأعراف: 23]
( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ( إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) [الفرقان: 66].
( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [الفرقان: 74].
( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) [آل عمران: 8].
ومن دعاءه صلى الله عليه وسلم: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ». [أخرجه مسلم].
« اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب».
ومن دعاءه أيضاً صلى الله عليه وسلم: «اللهم إِني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك. أسألك بكلِّ اسم هو لك سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همي» [أحمد 1/391، 452 والحاكم 1/509 وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار]..
ثامنًا: وأخيرًا من المطهرات والمكفرات الرضا بالقضاء والصبر عند البلاء فكل هذا مما يكفر الله به الخطايا ويرفع الرجات.
قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) [البقرة: 155]
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيب المسلم من وصَب ولا نصَب حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه» [متفق عليه]
عباد الله:
من أسماء الله الحسنى «العدل» فالله يجازي الناس بأعمالهم فالجزاء مكن جنس العمل وكما تدين تدان.
فالمعادن الطيبة عاشوا عيشة طيبة وعملوا عملاً طيبة وغرسوا في حياتهم ثماراً طيبة فالله يجازيهم بأحسن ما كانوا يعملون.
قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [فصلت: 46]
( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) [الإسراء: 7].
فرحلة المؤمنين إلى الله رحلة طيبة.
عند الموت يتوفاهم الله طيبين قال تعالى:
( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [النحل: 32]
قال تعالى: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) [الواقعة: 89]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه.
وبعد عباد الله:
أهل الإيمان، المعادن الطيبة، أما في القبر فيثبتهم الله تعالى ويفتح لكل واحدٍ منهم نافذة إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ولقد قال صلى الله عليه وسلم:
«إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها النفس الطيبة اُخرجى إلى مغفرة من اللـه ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السِّقَاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفى ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي...
ويوم القيامة هم وفد الرحمن قال تعالى: ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ) [مريم: 85].
وهم يوم القيامة تحت ضل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي عن أبي هريرة: رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلّقٌ بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة«أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»
وأخيراً الطيبون ختامهم ومآلهم ونهايتهم دار الطيبين الجنة.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا».
أما وجوههم فيظهر عليها علامات البشر والبهجة والفرح والسرور
قال تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ( ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) [عبس: 39].
( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ( عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ( يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ) [المطففين: 25].
أمَّا استقبالهم فتستقبلهم الملائكة بالترحيب والتهاني وتتلقاهم بالسلام والتحية وتشهد لهم بطيب أنفسهم وأعمالهم قال تعالى:
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
أما أزواجهم فأزواجٌ طيبة مطهرة من كل سوء وهن الحور العين مع أزواجهم المؤمنات
قال تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) [آل عمران: 14] ثم يقول تعالى: ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) [آل عمران: 15].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنّ امرأة من أهل الجنة أطلت على أهل الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها» [رواه البخاري ومسلم وغيرهما]
أما لباسهم فيكسوهم الله في الجنة أطيب الثياب والحلي والأساور قال تعالى:
( وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ) [الكهف: 31]
وقال تعالى: ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ )
أما طعامهم فقد قال تعالى: ( وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ )
وقال تعالى: ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) ومع هذا كله فالجنة ليس فيها لغوٌ ولا تأثيم ولا جزعٍ ولا غل ولا حسد قال تعالى: ( لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً ).
إنها الحياة الطيبة التي لا ينغصها مرضٌ ولا خصومة.
قال تعالى: ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ).
ومن أفضل ما يُعطاه أهل الجنة رضوان الله تعالى، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأيّ شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً» متفق عليه.
ومع هذا كله زيادة وما أدراكم ما الزيادة إنها النظر إلى وجه الله الكريم:
وعن صهيب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله q تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [رواه مسلم والترمذي والنسائي]
عبد الله وبعد هذا التطواف مع معادن الناس في القران والسنة أقول لك أخي الحبيب:
لعل معدنك من أطيب المعادن ولكن الذي يُخفي طيب معدنك هو غفلتك وعدم اهتمامك بنفسك أو انك تعيش في بيئة سيئة أو تجالس صحبة سيئة والجوهرة مهما كانت ثمينة وجميلة وهي موضوعة في مكان خبيث فلن تصفو ولن يظهر جمالها ولو غسلناها بأطنان من الماء إلا إذا أخرجناها من ذلك المكان الخبيث إلى مكان طيب.
فإن كنت حريصًا يا عبد الله على طيب معدنك فعليك بالآتي:
أولاً: اهرب من البيئة السيئة إلى البيئة الصالحة ولا تنسَ أخي قصة الذي قتل مائة نفس فقيل له أخرج من القرية الخبيثة إلى القرية الصالحة فغفر الله له.
ثانياً: اُهجر رفقة السوء واصحب أهل الخير والصلاح.
ثالثاً: اشرب من ينابيع القرآن بالتلاوة المتدبرة وتعلم السنة.
رابعاً: تعاهد نفسك وقلبك وجوارحك بالتزكية والتطهر بالطاعة والذكر ومجالس الذكر.
خامساً: أكثر من ذكر الله وحافظ على الصلاة في أوقاتها ولتكن في اغلب أحوالك على وضوء.
اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحاً. اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك. أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الحمد لله رب العالمين عالم الخفيات وفاطر السماوات يُدبر الأمر يُفصل الآيات تُسبح بحمده الأرض والسماوات.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له غنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه، من أقبل إليه تلقاه من بعيد ومن أعرض عنه ناداه من قريب ومن ترك مكن أجله شيء أعطاه فوق المزيد ومن أراد رضاه أراد ما يريد.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمد المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وعلى اله ومن اقتفى.
أما بعد أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله q: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) [البقرة: 281] اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.
عباد الله: وقفنا وعشنا مع المعادن الطيبة.
تأملنا في صفاتهم وأحوالهم فحياتهم طيبة وأعمالهم طيبة وعيشتهم طيبة.
ما الذي طيبهم إنها الإعمال الصالحة.
قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: 97]
نعم عباد الله: إنها الأعمال الصالحة التي طيبت حياتهم وأول هذه المُكفرات والمُطهرات:
أولاً: الصلاة فهي أعظم المطهرات للإنسان من الذنوب قال تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) [العنكبوت: 45]
ثانياً: الوضوء فان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ» [رواه مسلم]
واعلموا عباد الله: أنه لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن.
جاء في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره»
ثالثاَ: من المطهرات والمُطيبات الزكاة فقد جعلها الله كذلك قال تعالى:
( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة: 103]
رابعاً: الصيام فالحكمة من الصيام هي التقوى التي هي الطهارة من كل الشرور.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: 183]
خامسًا: من المطهرات الحج والعمرة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ا قال صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» [صحيح الجامع]
سادسًا: من المطهرات والمكفرات ذكر الله وتلاوة القرآن وحضور مجالس العلم والتسبيح والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر ا قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل وما جلاؤها يا رسول الله قال ذكر الموت وتلاوة القرآن».
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للقلوب صدأ قيل فما جلاؤها يا رسول الله قال: جلاؤها الاستغفار» [معجم الطبراني الأوسط].
سابعاً: من المُطهرات والمُكفرات الدعاء وأفضله وأرجاه دعاء القرآن ثم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فمن دعاء القران: ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [الأعراف: 23]
( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ( إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) [الفرقان: 66].
( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [الفرقان: 74].
( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) [آل عمران: 8].
ومن دعاءه صلى الله عليه وسلم: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ». [أخرجه مسلم].
« اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب».
ومن دعاءه أيضاً صلى الله عليه وسلم: «اللهم إِني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك. أسألك بكلِّ اسم هو لك سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همي» [أحمد 1/391، 452 والحاكم 1/509 وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار]..
ثامنًا: وأخيرًا من المطهرات والمكفرات الرضا بالقضاء والصبر عند البلاء فكل هذا مما يكفر الله به الخطايا ويرفع الرجات.
قال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) [البقرة: 155]
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيب المسلم من وصَب ولا نصَب حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه» [متفق عليه]
عباد الله:
من أسماء الله الحسنى «العدل» فالله يجازي الناس بأعمالهم فالجزاء مكن جنس العمل وكما تدين تدان.
فالمعادن الطيبة عاشوا عيشة طيبة وعملوا عملاً طيبة وغرسوا في حياتهم ثماراً طيبة فالله يجازيهم بأحسن ما كانوا يعملون.
قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [فصلت: 46]
( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) [الإسراء: 7].
فرحلة المؤمنين إلى الله رحلة طيبة.
عند الموت يتوفاهم الله طيبين قال تعالى:
( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [النحل: 32]
قال تعالى: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) [الواقعة: 89]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد أن لا اله إلا الله تعظيماً لشانه، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه.
وبعد عباد الله:
أهل الإيمان، المعادن الطيبة، أما في القبر فيثبتهم الله تعالى ويفتح لكل واحدٍ منهم نافذة إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ولقد قال صلى الله عليه وسلم:
«إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها النفس الطيبة اُخرجى إلى مغفرة من اللـه ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السِّقَاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفى ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي...
ويوم القيامة هم وفد الرحمن قال تعالى: ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ) [مريم: 85].
وهم يوم القيامة تحت ضل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي عن أبي هريرة: رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلّقٌ بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة«أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»
وأخيراً الطيبون ختامهم ومآلهم ونهايتهم دار الطيبين الجنة.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا».
أما وجوههم فيظهر عليها علامات البشر والبهجة والفرح والسرور
قال تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ( ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) [عبس: 39].
( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ( عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ( يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ) [المطففين: 25].
أمَّا استقبالهم فتستقبلهم الملائكة بالترحيب والتهاني وتتلقاهم بالسلام والتحية وتشهد لهم بطيب أنفسهم وأعمالهم قال تعالى:
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
أما أزواجهم فأزواجٌ طيبة مطهرة من كل سوء وهن الحور العين مع أزواجهم المؤمنات
قال تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) [آل عمران: 14] ثم يقول تعالى: ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) [آل عمران: 15].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنّ امرأة من أهل الجنة أطلت على أهل الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها» [رواه البخاري ومسلم وغيرهما]
أما لباسهم فيكسوهم الله في الجنة أطيب الثياب والحلي والأساور قال تعالى:
( وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ) [الكهف: 31]
وقال تعالى: ( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ )
أما طعامهم فقد قال تعالى: ( وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ )
وقال تعالى: ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) ومع هذا كله فالجنة ليس فيها لغوٌ ولا تأثيم ولا جزعٍ ولا غل ولا حسد قال تعالى: ( لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً ).
إنها الحياة الطيبة التي لا ينغصها مرضٌ ولا خصومة.
قال تعالى: ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ).
ومن أفضل ما يُعطاه أهل الجنة رضوان الله تعالى، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأيّ شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً» متفق عليه.
ومع هذا كله زيادة وما أدراكم ما الزيادة إنها النظر إلى وجه الله الكريم:
وعن صهيب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله q تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [رواه مسلم والترمذي والنسائي]
عبد الله وبعد هذا التطواف مع معادن الناس في القران والسنة أقول لك أخي الحبيب:
لعل معدنك من أطيب المعادن ولكن الذي يُخفي طيب معدنك هو غفلتك وعدم اهتمامك بنفسك أو انك تعيش في بيئة سيئة أو تجالس صحبة سيئة والجوهرة مهما كانت ثمينة وجميلة وهي موضوعة في مكان خبيث فلن تصفو ولن يظهر جمالها ولو غسلناها بأطنان من الماء إلا إذا أخرجناها من ذلك المكان الخبيث إلى مكان طيب.
فإن كنت حريصًا يا عبد الله على طيب معدنك فعليك بالآتي:
أولاً: اهرب من البيئة السيئة إلى البيئة الصالحة ولا تنسَ أخي قصة الذي قتل مائة نفس فقيل له أخرج من القرية الخبيثة إلى القرية الصالحة فغفر الله له.
ثانياً: اُهجر رفقة السوء واصحب أهل الخير والصلاح.
ثالثاً: اشرب من ينابيع القرآن بالتلاوة المتدبرة وتعلم السنة.
رابعاً: تعاهد نفسك وقلبك وجوارحك بالتزكية والتطهر بالطاعة والذكر ومجالس الذكر.
خامساً: أكثر من ذكر الله وحافظ على الصلاة في أوقاتها ولتكن في اغلب أحوالك على وضوء.
اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحاً. اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك. أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
المرفقات
معادن الناس-5- .doc
معادن الناس-5- .doc