مظاهر حب آل البيت للشيخين

[align=justify]مظاهر حب آل البيت للشيخين
الحديث عن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حديث له أهميته وعظمته ومكانته في ديننا، ومما يدل على أهمية معرفة سيرهما ما جاء من فعل سلفنا الصالح حيث كانوا يحرصون على تعليم أولادهم سير الشيخين رضي الله عنهما، قال الإمام مالك رحمه الله: "كَانَ صَالِحُ السَّلَفِ يُعَلِّمُونَ أَوْلادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ أَوِ السُّنَّةَ" .
بهذه التربية الأصيلة ينشأ الناشئة فيهم على حب الشيخين الكريمين، وتقديرهما، واحترامهما، ومعرفة حقهما، وبهذا الغرس تقوى العقيدة في نفوسهم، فلا يتزعزعوا بسموم الرافضة، ولا يتأثروا بأفكارهم الهابطة.
إن هذا الحرص من سلفنا يدل على عنايتهم بالسنة، ومعرفتهم بمكانة الشيخين في الأمة، قال الإمام أحمد رحمه الله: "فمن سب أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أحدًا منهم، أو تنقصه، أو طعن عليهم، أو عرض بعيبهم، أو عاب أحدًا منهم، فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل اللَّه منه صَرْفًا ولا عَدْلًا، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة" .
إخوة الإيمان، عرضت لكم في الخطبة السابقة مظاهر حب الشيخين أبي بكر وعمر لآل البيت، وفي هذه الخطبة عرض لمظاهر حب آل البيت للشيخين؛ لنعلم عظيم علاقتهم، وجميل مودتهم، وكريم خصالهم مع الشيخين الكريمين، ثم لنعرف عظم افتراء الرافضة على آل البيت، والذي صوروا فيه للأمة كذبًا وزورًا رفض آل البيت للشيخين وكراهتهما وبغضهما أخزاهم الله.
أيها المسلمون، ها هي دواوين السنة الغراء تنقل لنا مَشْهَدًا من مشاهد الحب، وتعرض لنا مَظْهَرًا من مظاهر القرب، فها هو أمير المؤمنين، والخليفة الراشد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن فداه بنفسه علي بن أبي طالب الصحابي الجليل يشهد بخيرية الشيخين أبي بكر وعمر في الأمة، فهذا محمد بن الحنفية يسأل أباه عليًّا فيقول: قُلْتُ لِأَبِي، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: "أَبُو بَكْرٍ"، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ عُمَرُ"، -وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ- قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: "مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ" .
فأي تواضع هذا؟! وأي هضم للنفس؟! يقول هذا الكلام، ويشهد بهذه الشهادة بعد وفاة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان! ومعلوم أنه خير أهل زمانه في ذلك الوقت، ومع هذا تواضع لله، وكشف للأمة عن ما استقر في قلبه من حبٍّ وتقدير للشيخين، فقدمهما على نفسه تربية للأمة، وتعليمًا للأجيال من بعده رضي الله عنه وأرضاه .
وقد كان رضي الله عنه وأرضاه يغضب إذا قدمه أحد على الشيخين أبي بكر وعمر، ويتوعد من يفعل هذا أن يقيم عليه حد المفتري، قال الإمام علي رضي الله عنه: "لا يُفَضِّلُنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي" .
وقد تواتر هذا التفضيل وهذا التقديم عنه، وكان يعلمه للناس وينشره بينهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، رُوِيَ هَذَا عَنْهُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ ثَمَانِينَ وَجْهًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ" .
إخوة الإيمان، وها هي دواوين السنة تنتقل بنا لعرض صورة أخرى، ومشهد من المشاهد الصعبة التي كان وقعها كبيرًا على الإمام علي رضي الله عنه، هذا المصاب هو: مقتل أمير المؤمنين عمر، ودونكم الخبر الذي يكشف عن حُبِّهِ للشيخين، إنه خبر عظيم يرويه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبر هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) متفق عليه . فيا لله! يثني على عمله؛ لعلمه واعتقاده بمكانته، فلم يبقى لأحد عملًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أفضل من عمل عمر؛ ولذا قال قولته رضي الله عنه: "مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ" .
فهذه بعض مواقفه، وأقواله تجاه الشيخين، والتي تنم عن حب كبير لهما، وتقدير عظيم تجاههما، فهل تعي الرافضة الدرس، أم هو مجرد اتباع للهوى، وسلوك طريق الضلال والانحراف؟! إن هذه المشاهد تكشف انحراف الرافضة عن سلوك سبيل المؤمنين، وطريق المتقين، وتوضح بجلاء أن آل البيت منزهون عن الطعن في الصحابة الكرام وعلى رأسهم الشيخان رضي الله عنهما، وعن جميع الصحابة الكرام.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ...
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون، لقد سار أحفاد الإمام علي رضي الله عنه على طريق جدهم، وما حادوا عن خطاه، وضربوا لنا أروع الأمثلة في الحب للشيخين، فهذا الإمام الباقر الذي "بَقَرَ العِلْمَ، أَيْ: شَقَّهُ، فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَخَفِيَّهُ" ، أحد الأئمة الأعلام، والنسمة المباركة من أحفاد علي رضي الله عنه، "السَّيِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، الفَاطِمِيُّ، المَدَنِيُّ، وَلَدُ زَيْنِ العَابِدِيْنَ ... وَهُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِيْنَ تُبَجِّلُهُمُ الشِّيْعَةُ الإِمَامِيَّةُ، وَتَقُوْلُ بِعِصْمَتِهِمْ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ بِجَمِيْعِ الدِّيْنِ" . ماذا يقول هذا العَلَم المبارك عن الشيخين؟! نقل الإمام الذهبي رحمه الله عَنْ بَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَتَوَلاَّهُمَا، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمَا، وَمَا أَدْرَكْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي إِلاَّ وَهُوَ يَتَوَلاَّهُمَا" .
هذا اللائق بآل البيت، فإنهم يعرفون حق الشيخين لا كما تدعي الرافضة.
وهذا الإمام الجليل الصادق، ابن الإمام الباقر، "جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ ... العَلَوِيُّ، النَّبَوِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ" الذين يشهد بمكانة الشيخين، وكيف لا يشهد وهو من نهل العلم عن أبيه في معرفة حق الشيخين؟! وكيف لا يعرف؟! وتاريخنا يثبت مقته للرافضة إذا تعرضوا لجده أبي بكر الصديق، فأمه هي: "أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيِّ. وَأُمُّهَا: هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُوْلُ: وَلَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ مَرَّتَيْنِ. وَكَانَ يَغضَبُ مِنَ الرَّافِضَّةِ، وَيَمقُتُهُم إِذَا عَلِمَ أَنَّهُم يَتَعَرَّضُوْنَ لِجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا" .
يعلق الإمام الذهبي فيقول: "هَذَا لاَ رَيْبَ فِيْهِ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَّةَ قَوْمٌ جَهَلَةٌ، قَدْ هَوَى بِهِمُ الهَوَى فِي الهَاوِيَةِ، فَبُعدًا لَهُم" .
فهذه عقيدته تجاه جده أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت عقيدته تجاه أمير المؤمنين عمر، إجلال وتقدير واحترام، قال رحمه الله: "بَرِئَ اللهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" .
قال الإمام الذهبي: "هَذَا القَوْلُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَبَارٌّ فِي قَوْلِهِ، غَيْرُ مُنَافِقٍ لأَحَدٍ، فَقَبَّحَ اللهُ الرَّافِضَّةَ" .
وها هما الإمامان الباقر وابنه الصادق يوضحون بجلاء عظمة الشيخين في نفوسهما، ويعلمون هذا المعنى للأمة "قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَهُ جَعْفَرًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالاَ لِي: يَا سَالِمُ، تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً" .
وتزعم الرافضة أن الإمامين الباقر والصادق قالا هذا على سبيل التقية ، وسبحان الله! كيف نحمل قولهما على التقية وبينهما مصاهرة لآل أبي بكر؟! كيف نحمله على التقية وقد تواتر عنهما تفضيل أبي بكر وعمر؟! إنه الكذب والافتراء، قال الإمام الذهبي: "فَعَثَّرَ اللهُ شِيْعَةَ زَمَانِنَا، مَا أَغْرَقَهُمْ فِي الجَهْلِ وَالكَذِبِ! فَيَنَالُوْنَ مِنْ الشَّيْخَيْنِ وَزِيْرَيِ المُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْمِلُوْنَ هَذَا القَوْلَ مِنَ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ عَلَى التَّقِيَّةِ" . أيعقل أن يسب الرجل أصله ثم نقول تقية؟! قَالَ جَعْفَرٌ رحمه الله: "يَا سَالِمُ! أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه؟! أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا" .
إخوة الإيمان، القول بعصمة الأئمة من عقيدة الروافض، والإمام الصاديق يهدم هذه العقيدة بقوله: "مَنْ زَعَمَ أَنِّي إِمَامٌ مَعصُومٌ، مُفتَرَضُ الطَّاعَةِ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنِّي أَبْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ" .
هذه شهادة آل البيت وعقيدتهم تجاه الشيخين، فماذا بعد هذا؟! ما الذي تريده الرافضة في العالم اليوم؟! إلى أي شيء يسعون؟!
هل نظن أن قتالهم في العراق وسوريا واليمن، ونشر عقائدهم في العالم، وتمويل السلاح والمال لأجل نصرة الإسلام؟! كلا والله، بل هو هدم عقائد الإسلام في نفوس الناس، ونقض بنيانه وأركانه، والسيطرة على العالم بتوسيع نفوذهم السياسي والديني، وتسخير الناس لطاعتهم والتسليم لهم.وهيهات لهم ذلك، فديننا ظاهر (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
عباد الله، صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
[align=justify][/align][/align]
المرفقات

مظاهر حب آل البيت للشيخين.docx

مظاهر حب آل البيت للشيخين.docx

مظاهر حب آل البيت للشيخين.pdf

مظاهر حب آل البيت للشيخين.pdf

المشاهدات 1201 | التعليقات 0