مضى ثلث رمضان والثلث كثير

محمد سعيد صديق
1437/09/11 - 2016/06/16 14:14PM
الخطبة الأولى العنوان/ مضى ثلث رمضان .. والثلث كثير !!
إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِره، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفسِنا وسيّئات أعمَالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أيّها المسلمون، مضى الثلث .. والثلث كثير .. بالأمس القريب كنا ننتظر إعلان دخول شهر رمضان, واليوم قد مضى ثلث الشهر .. والثلث كثير ..
نعم .. هذا شهر الصيام .. وشهر القيام . وشهر تلاوة القرآن .. شهر تاقت له أفئدة الصالحين, واشتاقت إليه قلوب المتقين, ونصبت فيه أبدان العابدين, قد مضى ثلثه .. والثلث كثير.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. يا لهناءِ من استغل ليالي وأيام رمضان بالأعمال الصالحة, فجد وشد, و بالصدقات يده تمتد, وبالقيام جسده اشتد, فنال الخير والسعد, وقد مضى الثلث.. والثلث كثير.
سَعِد أناس فيما مضى من ليالي وأيام, جاء عند الترمذي وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن, وغلقت أبواب النار, فلم يفتح منها باب, وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب, وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل, ويا باغي الشر أقصر, ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة), أفلح من أعتقه الله من النار في الثلث الذي انتهى, أفلح من أقبل على الخير في الثلث الذي انقضى, أفلح من انتهى عن الشر في الثلث الذي مضى, والثلث كثير.
وإليك .. يا من فرط في ما مضى من أيام هذا الشهر, و تساهل في استغلال أيامه ولياليه.. مازال في الشهر سعة, وما زال في العمر بقية, ولعلك لا تدرك رمضان بعد عامك هذا.
بقي في الشهر ثلثيه, وبقيت العشر الأواخر, وبقيت ليلة القدر, ومن حرم خيرها فقد حرم.
الحق بركب الصالحين, وعد إلى مولاك الكريم, والزم عتبة العبودية, فإن رمضان فرصة لإصلاح النفس, وتهذيب الذات, وإصلاح ما قطعته من حبالٍ مع الله, وقد مضى الثلث والثلث كثير.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. قرن الله تعالى رمضان بالقرآن, قال الله :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ), فرمضان شهر القرآن, والقرآن شهره الأخص رمضان, عن بريدة رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول:(إن القرآن يَلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول : هل تعرفني؟ أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر, و أسهرت ليلك, و كل تاجر من وراء تجارته, فيعطي المُلك بيمينه, و الخلد بشماله, و يوضع على رأسه تاج الوقار, ثم يقال له : اقرأ و اصعد في درج الجنة و غرفها. فهو في صعود ما دام يقرأ هذًا, كان أو ترتيلاً).
قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ فقال: إن عجائب القرآن قد أطرن نومي.
وقال أحمد أبي الحواري : إني لأقرا القرآن, و أنظر في آيه, فيحير عقلي بها, و أعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم, و يسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا, وهم يتلون كلام الله!! أما إنهم لو فهموا ما يتلون, و عرفوا حقه, و تلذذوا به, واستَحْلَوا المناجاة به, لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا.
منع القران بوعده و وعيده ... مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك العظيم كلامه ... فهمًا تذل له الرقاب و تخضع
فيا من فرط في قراءة القرآن في رمضان, مضى الثلث, وبقي الثلثان, والثلثان أكثر.
كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال, و بعضهم في كل سبع, و بعضهم في كل عشر, وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة و غيرها. كان الأسود يختم في كل ليلتين في رمضان, و كان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة؛ و في بقية الشهر في ثلاث, و كان قتادة يختم في كل سبع دائمًا, و في رمضان في كل ثلاث, و في العشر الأواخر كل ليلة, وكان البخاري يَخْتِمُ فِي رمضانَ كُلَّ لَيْلَةٍ، و كان للشافعي في رمضان ستون ختمة ختمة بالليل وختمة بالنهار,و عن أبي حنيفة نحوه, و كان قتادة يَدرُس القرآن في شهر رمضان, و كان الزهري إذا دخل رمضان قال : إنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام.
قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث, و مجالسة أهل العلم, و أقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري : إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا هو تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. بقي من رمضانَ أغلبَه, وويحَ من شيطانُه قد غَلَبه, يامن كنت مفرطًا فيما فات, عد إلى ربك قبل أن يقال قد مات .
في رمضان فضائل عظيمة: من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة, ومن قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف, ومن فطر صائمًا فله مثل أجره, ومن تصدق بصدقة فأخفاها أظلَّه الله في ظله, والله يضاعف لمن يشاء, والله واسع عليم, والله ذو الفضل العظيم.
قال ابن رجب رحمه الله: (هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن, و في بقيته للعابدين مستَمتَع, و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمَع, و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع, و مع هذا فلا قلب يخشع, و لا عين تدمع, و لا صيام يصان عن الحرام فينفع, و لا قيام استقام فيُرجى في صاحبه أن يشفع, قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع, و تراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر و لا تسمع, كم تتلى علينا آيات القرآن و قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة, و كم يتوالى علينا شهر رمضان و حالنا فيه كحال أهل الشقوة, لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة, و لا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة, أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة, و إذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبَهم جلوة, و إذا صاموا صامت منهم الألسنة و الأسماع و الأبصار أفما لنا فيهم أسوة ؟ كما بيننا وبين حال الصفا أبعد مما بيننا وبين الصفا والمروة، كلما حسنت منا الأقوال ساءت الأعمال، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله.
يَا نَفْسُ فَازَ الصَّالِحُونَ بِالتُّقَى وَأَبْصَرُوا الَحَقَّ وَقَلْبِي قَدِ عَمِي
يَا حُسْنَهُمْ وَاللَّيْلُ قَدْ جَنَّهُمُ وَنُورُهُمْ يَفُوقُ نُورَ الأَنْجُمِ
تَرَنَّمُوا بِالذِّكْرِ فِي لَيْلِهِمُ فَعَيْشُهُمْ قَدْ طَابَ بِالتَّرَنُّمِ
قُلُوبُهُمْ لِلذِّكْرِ قَدْ تَفَرَّغَتْ دُمُوعُهُمْ كَلُؤْلُؤٍ مُنْتَظِمِ
أَسْحَارُهُمْ بِهِمْ لَهُمْ قَدْ أَشْرَقَتْ وَخُلَعُ الغُفْرَانِ خَيْرُ القَسَمِ
وَيْحَكِ يَا نَفْسُ أَلاَ تَيَقُّظٌ يَنْفَعُ قَبْلَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي
مَضَى الزَّمَانُ فِي تَوَانٍ وهوى فَاسْتَدْرِكِي مَا قَدْ بَقِي وَاغْتَنِمِي
عباد الله: وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بذلك فقال عز من قائل :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً)) رواه مسلم.اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد...
المرفقات

1074.doc

المشاهدات 2083 | التعليقات 1

جزاكم الله خيرا