مضى ثلث رمضان .. والثلث كثير !!

عبدالله اليابس
1434/09/10 - 2013/07/18 19:56PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: يا أمة محمد j .. مضى الثلث .. والثلث كثير ..
بالأمس القريب كنا ننتظر إعلان دخول شهر رمضان, واليوم قد مضى ثلث الشهر .. والثلث كثير ..
سلام من الرحمن كـل أوان على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنه أمان من الرحمـن أي أمــان
فإن فنيت أيامـك الغر بغتة فما الحزن من قلبي عليك بفـان
نعم .. هذا شهر الصيام .. وشهر القيام . وشهر تلاوة القرآن .. شهر تاقت له أفئدة الصالحين, واشتاق إليه قلوب المتقين, ونصبت فيه أبدان العابدين, قد مضى ثلثه .. والثلث كثير.
يا أمة محمد j .. يا لهناءِ من استغل ليالي وأيام رمضان بالأعمال الصالحة, فجد وشد, و بالصدقات يده تمتد, وبالقيام جسده اشتد, فنال الخير والسعد, وقد مضى الثلث.. والثلث كثير.
سَعِِد أناس فيما مضى من ليالي وأيام, جاء عند الترمذي وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة d قال: قال رسول الله j: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن, وغلقت أبواب النار, فلم يفتح منها باب, وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب, وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل, ويا باغي الشر أقصر, ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة), أفلح من أعتقه الله من النار في الثلث الذي انتهى, أفلح من أقبل على الخير في الثلث الذي انقضى, أفلح من انتهى عن الشر في الثلث الذي مضى, والثلث كثير.
وإليك .. يا من فرط في ما مضى من أيام هذا الشهر, و تساهل في استغلال أيامه ولياليه.. مازال في الشهر سعة, وما زال في العمر بقية, ولعلك لا تدرك رمضان بعد عامك هذا.
بقي في الشهر ثلثيه, وبقيت العشر الأواخر, وبقيت ليلة القدر, ومن حرم خيرها فقد حرم.
الحق بركب الصالحين, وعد إلى مولاك الكريم, والزم عتبة العبودية, فإن رمضان فرصة لإصلاح النفس, وتهذيب الذات, وإصلاح ما قطعته من حبالٍ مع الله, وقد مضى الثلث والثلث كثير.
يا أمة محمد j .. قرن الله تعالى رمضان بالقرآن, قال الله ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن), فرمضان شهر القرآن, والقرآن شهره الأخص رمضان, خرج الإمام أحمد في حديث حسن من حديث بريدة d مرفوعًا (إن القرآن يَلقى صاحبه يوم القيامة حتى ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول : هل تعرفني؟ أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر, و أسهرت ليلك, و كل تاجر من وراء تجارته, فيعطي المُلك بيمينه, و الخلد بشماله, و يوضع على رأسه تاج الوقار, ثم يقال له : اقرأ و اصعد في درج الجنة و غرفها. فهو في صعود ما دام يقرأ هذًا, كان أو ترتيلا)
قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ فقال: إن عجائب القرآن قد أطرن نومي.
وقال أحمد أبي الحواري : إني لأقرا القرآن, و أنظر في آيه, فيحير عقلي بها, و أعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم, و يسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا, وهم يتلون كلام الله!! أما إنهم لو فهموا ما يتلون, و عرفوا حقه, و تلذذوا به, واستَحْلَوا المناجاة به, لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا.
منع القران بوعده و وعيده ... مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك العظيم كلامه ... فهمًا تذل له الرقاب و تخضع
فيا من فرط في قراءة القرآن في رمضان, مضى الثلث, وبقي الثلثان, والثلثان أكثر.
كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال, و بعضهم في كل سبع, و بعضهم في كل عشر, وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة و غيرها. كان الأسود يختم في كل ليلتين في رمضان, و كان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة؛ و في بقية الشهر في ثلاث, و كان قتادة يختم في كل سبع دائمًا, و في رمضان في كل ثلاث, و في العشر الأواخر كل ليلة, و كان للشافعي في رمضان ستون ختمة ,و عن أبي حنيفة نحوه, و كان قتادة يَدرُس القرآن في شهر رمضان, و كان الزهري إذا دخل رمضان قال : إنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام.
قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث, و مجالسة أهل العلم, و أقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري : إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ
بارك الله لي ولكم بالقرآن, ونفعنا بما فيه من المواعظ والبيان, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
*****
الحمد لله الكريم الوهاب، خلق خلقه من تراب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من صلى لربه وأناب, صلى الله عليه وعلى آله والأصحاب، ومن سار على نهجهم واتبع طريقهم إلى يوم الحساب، وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله .. اتقوا الله حق تقاته, ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد j .. بقي من رمضانَ أغلبَه, وويحَ من شيطانُه قد غَلَبه, يامن كنت مفرطًا فيما فات, عد إلى ربك قبل أن يقال قد مات .
في رمضان فضائل عظيمة: من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة, ومن قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة, ومن فطر صائمًا فله مثل أجره, ومن تصدق بصدقة فأخفاها أظلَّه الله في ظله, والله يضاعف لمن يشاء, والله واسع عليم, والله ذو الفضل العظيم.
قال ابن رجب d: (هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن, و في بقيته للعابدين مستَمتَع, و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمَع, و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع, و مع هذا فلا قلب يخشع, و لا عين تدمع, و لا صيام يصان عن الحرام فينفع, و لا قيام استقام فيُرجى في صاحبه أن يشفع, قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع, و تراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر و لا تسمع, كم تتلى علينا آيات القرآن و قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة, و كم يتوالى علينا شهر رمضان و حالنا فيه كحال أهل الشقوة, لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة, و لا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة, أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة, و إذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبَهم جلوة, و إذا صاموا صامت منهم الألسنة و الأسماع و الأبصار أفما لنا فيهم أسوة ؟ كما بيننا و بين حال أهل الصفا أبعد مما بيننا و بين الصفا و المروة.
( يا نفس فاز الصالحون بالتقى ... و أبصروا الحق و قلبي قد عمي )
( يا حُسنَهم و الليلُ قد جَنَّهُمُ ... و نورهم يفوق نور الأنجمِ )
( ترنموا بالذكر في ليلهمُ ... فعيشهم قد طاب بالترنمِ )
( قلوبهم للذكر قد تفرغت ... دموعهم كلؤلؤ منتَظِمِ )
( أسحارهم بهم لهم قد أشرقت ... و خِلَعُ الغفران خير القِسَمِ )
( ويحك يا نفسُ ألا تيقظٌ ... ينفع قبل أن تزلَّ قدمي )
( مضى الزمان في توانٍ و هوىً ... فاستدركي ما قد بقي و اغتنمي )
ثم اعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى قد أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه j, وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم فضلاً على غيره, فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد, وارض اللهم عن آله وأصحابه وأزواجه وذريته أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمر أعداء الدين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة, ويهدى فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر, إنك سميع قريب.
اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والبليات..
اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد..
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين .. الأحياء منهم والميتين, إنك أنت الغفور الرحيم.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون


المشاهدات 5933 | التعليقات 4

تأخرت علينا كثيرا شيخ عبدالله ولا ندري عن انقطاعك المفاجئ والغير معهود لكن ها أنت عدت وكان العود أحمد عودت بعودة رمضان الخير وجئت بمجيء رمضان المبارك أسأل الله أن يجعلنا فيه من المقبولين والمعتوقين.
نعم ما أحسن اختيارك لهذه العبارة الثلث والثلث كثير وفعلا لا ندرك فضيلة هذا الشهر ومواطن ضعفنا فيه ونقاط الخلل وساعات التقصير إلا حين تنقضي لياليه وتذهب أيامه إلا من رحم ربك ولكن حسبنا أن الله رحيم بعباده فأسأله أن يشملنا بكرمه ويعمنا بفضله.


شكرا الله لك أخي زياد حسن ظنك بأخيك ..

وأسأله تعالى أن يجعلنا جميعًا مفاتيح للخير مغاليق للشر ..

وأن يجعلنا من عتقائه من النار ..


جزاك الله خيرًا على الخطبة القيّمة ، و على حُسن الاقتباس من كلام النبوّة بما يدل على بلاغةٍ في الذوق والحسّ الأدبيّ الرفيع .


للرفع .. لمناسبتها